استمع إلى الملخص
- أحمد النجار يتلقى العلاج في تونس بعد بتر قدمه، ويستغل الفرصة لاستكمال دراسته في القانون، مما ساعده على الاندماج في المجتمع الأكاديمي، لكنه يشعر بالحنين إلى غزة.
- وسام زيدان يعتني بابن أخيه الجريح وليد في تونس، ويعرب عن ارتياحه لتحسن حالته الصحية، لكنه قلق بشأن تأخر وقف إطلاق النار في غزة.
عندما غادرت الفلسطينية سعدية سعد (51 سنة) قطاع غزة لترافق أحد أفراد عائلتها المصابين في الحرب، لم تكن تتوقع أن ينتهي بها المطاف في تونس وأن تطول إقامتها هناك. إذ وصلت إلى تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2023، في رحلة إجلاء لمصابي الحرب بصحبة الطفل المصاب أيوب (12 سنة)، وقد تركت أبناءها وأحفادها على أمل اللقاء بهم في وقت قريب استجابة لنداء الواجب الإنساني لمرافقة طفل حوصرت عائلته في الشمال.
لكن استمرار الحرب في قطاع غزة حال دون عودتها إلى أسرتها، والتي خسرت العديد من أفرادها الذين استشهدوا في مخيم جباليا، وأثناء رحلة النزوح. تتحدث سعدية لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل عام من الإقامة في تونس، مؤكدة أنها كانت في البداية مشغولة بعلاج الطفل المصاب أيوب، وكانت تجد الرعاية من الطواقم الطبية والهلال الأحمر التونسي الذي أوكلت إليه مهمة العناية بشؤون المصابين والأسر التي جرى إجلاؤها من غزة.
وتحاول سعدية مساعدة أهلها في فلسطين بطريقتها الخاصة، إذ تستغل إقامتها في تونس للتعريف بالحلويات الغزية والمشغولات اليدوية من العقيق. وتؤكد أنها تتابع تطورات الوضع على الأرض في غزة، وتأتيها بين الحين والآخر أخبار استشهاد أفراد من العائلة وأحباء وأقارب، ما يسبب لها ألماً مستمراً. تضيف: "رغم أننا نعيش جيداً في تونس ونجد كل المساعدة من قبل الدولة التونسية وشعبها، إلا أن الأخبار القادمة من غزة تعكر صفو حياتنا، ويبعد الدمار الشامل الذي أصاب البنى التحتية حلم العودة قريباً، حتى إذا ما توقف إطلاق النار".
ومنذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أجلت السلطات التونسية العديد من الأسر المقيمة في القطاع، ونقلت أكثر من 130 جريحاً على دفعتين لتلقي العلاج في مستشفيات البلاد.
يمدد العدوان المستمر على قطاع غزة أيضاً إقامة الجريج أحمد النجار (25 سنة) والذي بترت قدمه بسبب قصف استهدف منزل أسرته في خانيونس، قبل إجلائه لتلقي العلاج في تونس. يقول لـ"العربي الجديد" إنه استكمل نحو 70% من العلاج ما مكنه من استعادة قدرته الكاملة على المشي رغم صعوبة إصابته، مشيراً إلى أن الرعاية الجيدة التي تلقاها في مصحة تونسية ساعدته على الشفاء في وقت قياسي.
ويرى أن الإحاطة الجيدة التي تلقاها خلال عام من الإقامة في تونس خففت إحساسه بالغربة، قائلاً: "عوض التونسيون غياب أهلي المحاصرين في القطاع، وخففوا قلقي والحزن الذي يلازمني بسبب الدمار الذي لحق بغزة".
في الوقت نفسه، حاول الشاب العشريني الحاصل على إجازة في الحقوق استغلال فترة إقامته في تونس لاستكمال دراسته في القانون، وتمكن من الالتحاق بجامعة خاصة لمتابعة الدراسات العليا، ما مكنه من الاندماج أكثر في الوسط الجامعي والطلابي، ووجد دعماً كبيراً ومساعدة لتجاوز الإشكاليات المتعلقة بالاختلاف بين القانون الفلسطيني والقانون التونسي. ويرى أن "مواصلة الدراسة في تونس قد تكون سبباً في طلب الإقامة إلى حين الانتهاء من مرحلة الدكتوراه".
ويؤكد محمود الذي بترت قدمه أن التعافي لم ينسه جراح الحرب التي لا تزال تنزف في وطنه، وانشغاله اليومي بمصير عائلته المهددة بسبب استمرار قصف المدنيين. يقول: "يتواصل الحنين إلى غزة، حتى وإن تحولت إلى كومة ركام. نحن كالطيور التي تنشد العودة إلى أوكارها، حتى وإن كانت أغصاناً يابسة".
وصل وسام زيدان (40 سنة) إلى تونس مرافقاً لابن أخيه الجريح، ويقول إن سنته الأولى في تونس انقضت سريعاً، وإن الوقت في غزة كان مختلفاً تماماً، مشيراً إلى أن الحرب طالت أكثر من اللازم. ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه أصبح المسؤول الوحيد عن ابن أخيه وليد الذي كان الناجي الوحيد من أسرته بعد استشهاد أفرادها السبعة من جراء قصف منزلهم.
يضيف: "جئت إلى تونس في رحلة إجلاء المصابين، وكان من بينهم وليد ابن شقيقي (16 سنة) المصاب بالتوحد. وكانت تداعيات الحرب قاسية عليه. تركت زوجتي وأبنائي الأربعة، ومن بينهم رضيعة ولدت في غيابي".
يعتبر زيدان أن غزة ستبقى البوصلة الأولى والأخيرة لكل أبنائها، حتى وإن أجبرتهم الحرب على الابتعاد عنها لفترة. ويعرب عن ارتياحه لتحسن الوضع الصحي لابن شقيقه الذي ألحقه الهلال الأحمر التونسي بمركز خاص لرعاية المصابين بالتوحد. ويقول إن تأخر التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار يشغل باله كثيراً، ويباعد بينه وبين لقاء أسرته وأبنائه المحاصرين في القطاع.