استمع إلى الملخص
- قصص معاناة الجرحى: تعكس حالات مثل رغد الفرا وملاك الفرا ويوسف شعت الوضع المأساوي للجرحى في غزة، حيث يحتاجون إلى عمليات جراحية عاجلة وعلاج في الخارج.
- التحديات أمام القطاع الصحي: يواجه القطاع الصحي نقصًا حادًا في الكوادر والمعدات، مع تزايد الضغط بسبب 110 آلاف مصاب، مما يعرقل تقديم الرعاية اللازمة رغم الجهود المبذولة.
عزز اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة آمال الجرحى والمرضى بإمكانية السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، وسط مناشدات بتسريع الإجراءات لإنقاذ حياة الآلاف ممن تعرضوا إلى مضاعفات صحية خطرة
تعرّضت جميع مستشفيات قطاع غزة للاستهداف، ودمر بعضها، وخرجت أخرى من الخدمة، في حين تقدم قلة من المستشفيات الحد الأدنى من الخدمات العلاجية، في حين يعيش الجرحى والمرضى ظروفاً مأساوية، فكثيرون يحتاجون إلى عمليات جراحية مهمة لاستقرار حالاتهم، وكان يجب أن تُجرى خلال الشهور الماضية، لكن لا يمكن إجراؤها نتيجة انهيار المنظومة الصحية، ونقص المعدات والمستلزمات والأدوية والأجهزة.
ومن المقرر خروج هؤلاء الجرحى وفق اتفاق وقف إطلاق النار بعد سبعة أيام من سريانه الذي بدأ يوم الأحد الماضي. ومع أن قوائم الجرحى جاهزة، لكن حتى اللحظة لم تتضح آليات السفر ولا موعد خروج الجرحى أو حتى الدول التي ستستضيفهم، بحسب مصادر وزارة الصحة في غزة، علماً أن 12 دولة كانت قد استضافت جرحى خلال فترة الحرب منها قطر ومصر والإمارات وبعض الدول الأوروبية.
انتعشت آمال الطفلة الفلسطينية رغد الفرا (14 سنة) بالسفر لاستكمال العلاج في الخارج مع سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهي تحلم بالوقوف على قدميها من جديد، بعد أن أصبحت قعيدة كرسي متحرك، وسط مناشدات بتسريع الإجراءات وفتح معبر رفح. أصيبت رغد بقصف إسرائيلي على منزلها الواقع بمنطقة الشيخ ناصر، شرقي مدينة خانيونس، في 22 يوليو/ تموز 2024، ولم تغادر الفتاة مجمع ناصر الطبي منذ إصابتها نظراً لخطورة حالتها، وبعد الإصابة مكثت في غرفة العمليات لمدة شهر تحت التنفس الاصطناعي. ورغم مرور ستة أشهر على إصابتها، ما زالت رغد تعاني من كسور بقدمها، وتضع مثبت عظام (بلاتين) في قدمها اليمنى، إضافة لكسور في عمودها الفقري، ما يمنعها من الجلوس على الكرسي المتحرك لفترة طويلة، وجرى استئصال أجزاء من الرئتين والطحال، وهي تظل طوال الوقت نائمة على السرير الطبي داخل المشفى.
بصعوبة تستطيع رغد التحدث، وتقول لـ"العربي الجديد": "إصابتي خطيرة، وهناك مشاكل في الرئة أدت لتكتلات دم والتهابات، ومنذ ستة أشهر أناشد للسفر للعلاج في الخارج. أعاني من آلام شديدة في الرئة ولا أستطيع التنفس، وأحتاج لإجراء عملية كي أستطيع الوقوف على قدمي. فرحت لحقن الدماء ووقف شلال الدم، وأصبح لديّ أمل بالسفر لإجراء عمليات جراحية عاجلة. التحويلة الطبية جاهزة منذ فترة، وأنتظر تسريع السفر الذي كان يفترض أن يكون قبل ستة أشهر".
قبل بضعة أيام، أجرى الأطباء عملية للفرا في منطقة الرقبة، كي تستطيع التنفس، وعلى فترات متباعدة في اليوم تضع "تبخيرة" لفتح مجرى التنفس، وباتت هذه المشكلة أكثر ما يؤرق حياتها، إذ تتناول مسكنات قوية لتسكين ألم الرئة، لكنها باتت غير مؤثرة في الآونة الأخيرة.
على خلاف رغد التي تصاحبها أمها وشقيقتها، تجلس ملاك الفرا (21 سنة) وحيدة على سرير طبي داخل غرفة أخرى بمشفى ناصر، وهي الناجية الوحيدة من عائلتها، بعد استشهاد أمها وجميع أشقائها في مجزرة إسرائيلية، راح ضحيتها 15 فرداً من العائلة، في مساء يوم 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024.
تقول زوجة خالها نور شبير، التي فقدت زوجها وطفلها في المجزرة ذاتها، لـ"العربي الجديد": "كان القصف شديداً، فنزلنا من الطوابق العلوية إلى شقة عائلة ملاك، وتجمعنا في الطابق الأول. انهار المنزل فوق رؤوسنا، استشهد الجميع، ولم يتبق إلا أنا، وقد تعرضت لبعض الإصابات، بينما بترت قدم ملاك نتيجة بقاء الركام فوق قدمها لأكثر من تسع ساعات. رغم أن قدمها الأخرى سليمة، اكتشف الأطباء حديثاً وجود قطع جزئي في الأعصاب، وتأخذ حالياً أدوية ومسكنات، فضلاً عن العلاج الطبيعي، لكن يجب أن تسافر حتى لا تتفاقم المشكلة، وتحتاج إلى طرف صناعي كي تستطيع المشي".
تضيف شبير: "تستعين ملاك حالياً بكرسي متحرك أو عكاز مشي (ووكر)، ولم تحصل على طرف اصطناعي لعدم وجود المواد الخام اللازمة لصناعته. درست ملاك الإرشاد النفسي، وساعدها ذلك في استيعاب صدمة البتر، وهي تقاوم الإصابة، وتتدرب على المشي بالعكاز، مع مواصلة برنامج العلاج الطبيعي المكثف لمدة يومين في جمعية الهلال الأحمر، وثلاثة أيام في مؤسسة لمنظمة أطباء بلا حدود".
على أحد أسرّة قسم جراحة الرجال بمشفى ناصر، يتمدد الشاب يوسف شعت طريح الفراش، يعاني من شلل نصفي، جراء إصابته في قصف إسرائيلي وقع في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2024، غربي مدينة خانيونس. يقول شقيقه معتصم لـ"العربي الجديد": "أحدثت الإصابة ثقوباً في الأمعاء الدقيقة، وقطعاً في أوتار يده اليسرى، واخترقت شظية الحبل الشوكي، ما أدى إلى شلل نصفي، وهو يحتاج إلى عملية جراحية دقيقة في الخارج".
وحسب إفادة ممرض متابع لحالته، يحتاج شعت عملية جراحية لتثبيت العمود الفقري في أقرب وقت ممكن، وكلما تأخر سفره تزداد التقرحات، وهو معرض لفقدان الإحساس بكامل الأعضاء، فضلاً عن إمكانية تلوث الدم، وفي أي لحظة قد يتعرض لانتكاسات خطيرة.
الطفل جهاد يوسف (4 سنوات) بُترت ساقاه عقب إصابته في قصف إسرائيلي تعرضت له خيام النازحين بمنطقة مواصي خانيونس في 10 سبتمبر/ أيلول 2024، ومثلت إصابته صدمة لأمه، فبعد أن كان كثير الحركة، ويحب تلبية طلباتها وإحضار الأغراض لها، بات يلازم حضنها، ولا يتعامل مع أي شخص غيرها.
تقول أم جهاد لـ"العربي الجديد": "يحتاج طفلي إلى علاج وتأهيل طبيعي ونفسي وتركيب طرفين. تحويلته العلاجية جاهزة، وقمت بتجديد طلب السفر قبل أيام للخروج عبر معبر رفح. يعاني من التهابات الأطراف، وتصيبه نوبات بكاء تمتد لساعات، ولا أستطيع التعامل معها".
من جانبه، يؤكد مدير مجمع الشفاء الطبي مدير لجنة العلاج في الخارج، الطبيب محمد أبو سلمية، عدم وجود آليات واضحة لسفر المرضى والجرحى للعلاج، لا عند وزارة الصحة، ولا عند الجانب المصري، لافتاً إلى أن قوائم وزارة الصحة تضم 12 ألف جريح ومريض بحاجة لإخلاء طبي، مع وجود 6 آلاف حالة أخرى يمكن أن تنتظر.
ويضيف أبو سلمية لـ"العربي الجديد": "واقع مستشفيات غزة صعب، وأغلبها مدمرة، ولا يوجد أجهزة رنين مغناطيسي، ولا أجهزة تصوير إشعاعي، وتضررت غالبية الأجهزة، ولا تتوفر الجراحات المتقدمة، أو جراحات ترميم العظام، أو زراعة الأطراف، لدينا نحو ألفي جريح أصيبوا بالشلل، نتيجة إصابات بالدماغ، وهم بحاجة إلى تأهيل متقدم غير متوفر في غزة. الوضع بمستشفيات الجنوب أفضل نسبياً من حال مستشفيات شمالي القطاع، لكن لا يوجد في كليهما قسطرة قلبية، ولا جراحة قلب، و30% من مرضى غسل الكلى توفوا، وكل يوم هناك وفيات نتيجة حدوث تسمم في الدم".
يتابع: "التدخل الطبي حالياً بسيط، إذ يجري إعطاء مريض الأورام مسكنات، رغم أنه بحاجة إلى علاج كيماوي أو إشعاعي، لكنه غير متوفر، ونستخدم طرقاً بدائية للتعامل مع من يعانون من فقدان كبير في العظام، وأثناء التعامل مع بعض الجرحى يصابون بالتسمم، ما يؤدي إلى فقدان الأطراف. منع الاحتلال المستلزمات الطبية كافة عن المستشفيات، حتى أبسط الأشياء كخيوط الجراحة والشاش المعقم". ويشير إلى أن "الوفود الطبية العربية والأجنبية كانت تساعد في إجراء العمليات، لكن الاحتلال ضيق عليها بعد إغلاق معبر رفح، وبعد إعلان وقف إطلاق النار، جرى التواصل مع وفود طبية من أوروبا وأميركا ودول عربية وإسلامية، وقوائم الأطباء جاهزة بانتظار فتح المعبر، وسيأتون محملين بالمستلزمات الطبية للمساعدة في علاج الجرحى والمرضى. بدأنا تجهيز مستشفيات ميدانية في شمالي القطاع، وسيكون دورها ضرورياً مع عودة آلاف النازحين، وستزيد من السعة السريرية".
بدوره، يقول مدير وحدة نظم المعلومات بوزارة الصحة، زاهر الوحيدي، لـ"العربي الجديد": "بلغ عدد ما جرى تسجيله من إصابات لدى وزارة الصحة 110 آلاف مصاب، من بينهم 15 ألف إصابة بليغة بحاجة لعلاج وتأهيل طويل، وخلفت الحرب 4500 حالة بتر على الأقل، إضافة إلى وجود 1500 إصابة بالحبل الشوكي والدماغ، ما يرفع عدد حالات الإعاقة خلال الحرب إلى 6 آلاف حالة". يضيف الوحيدي: "أعداد من يحتاجون السفر تبلغ 20 ألفاً، من بينهم 10 آلاف حالة أتمت إجراءات التحويل، ويشكل الأطفال 29% منهم. 461 مريضاً وجريحاً فقط تمكنوا من السفر خلال الأشهر الثمانية الماضية عبر الإجلاء الطبي. يعاني القطاع الصحي عجزاً كبيراً نتيجة تدمير 38 مستشفى، وهناك 13 مستشفى تعمل بشكل جزئي، وقد استشهد أكثر من 1200 من العاملين بالقطاع الصحي، من بينهم 170 طبيباً، فيما سافر ما لا يقل عن 300 طبيب إلى الخارج".
وأدى انتظار السفر إلى استشهاد عشرات الجرحى، وفق مدير دائرة التمريض بمستشفى غزة الأوروبي، الطبيب صالح الهمص. ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك لجنة طبية تضع المعايير لسفر الجرحى اعتماداً على درجة الخطورة، وفي الفترة الماضية كان يجري التنسيق مع منظمة الصحة العالمية لسفر حالات، بعضها ذهب إلى دول أوروبية. نسعى إلى استقرار الحالة بانتظار سفرها، لكن مع نقص الإمكانيات والكوادر والأجهزة والمعدات والمستهلكات، نفقد حالات عديدة".