جرائم القصّر في الصين... تناقض بين عمر الجناة وسلوكياتهم

16 يناير 2025
تزداد جرائم القصّر في الصين، 3 يوليو 2010 (فرديريك براون/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا في جرائم القاصرين، مما أثار قلقًا حول كيفية التعامل معها، حيث دعت بعض الأصوات إلى عقوبات صارمة بينما ركز آخرون على التوعية والتعليم.
- الأسباب الرئيسية تشمل نقص التعليم الأسري والإشراف المدرسي، وتأثير التكنولوجيا، وغياب الرقابة، مع تعرض الأطفال المتروكين للانحراف وزيادة تعقيد المشكلة بسبب العنف عبر الإنترنت.
- التعديل الحادي عشر للقانون الجنائي الصيني خفض سن المسؤولية الجنائية إلى 12 عامًا، مع دعوات لتضافر جهود الأسر والمدارس والمجتمع لمنع التنمر والجرائم بين القاصرين.

شهدت السنوات الأخيرة ارتكاب قاصرين جرائم خطيرة من دون معاقبة عدد كبير منهم بسبب صغر سنهم. ويطالب مراقبون بإخضاع الظاهرة لمزيد من الدراسة، ويعتبرون أنه لا يمكن التعويل على القضاء فقط لإنهاء الظاهرة

أثارت جريمة قتل تلاميذ زميلهم البالغ 13 سنة في مدرسة بشمال الصين قبل أشهر قليلة ضجة حول جرائم الأحداث، ودعا كثيرون إلى تطبيق طريقة أكثر فعالية لمنع المراهقين من الانحراف إلى مسارات خاطئة. وأوضحت تقارير محلية أن الضحية تلميذ في الصف السابع قتله زملاؤه ودفنوه في اليوم نفسه في مقاطعة خبي الشمالية، وقبض عليهم في اليوم التالي، وبعد تشريح الجثة أظهر التقرير الطبي إصابات في الرأس تسببت في الوفاة. وفي وقت قال أقرباء للفتى الضحية إنه عانى من عنف مدرسي وتنمر من زملائه خلال الدراسة، دعا نشطاء غاضبون إلى فرض عقوبة الإعدام على المشتبه في ارتكابهم الجريمة، لكن بعض المحامين طالبوا بالتركيز على توعية وتعليم القصر، مع استخدام العقوبة كتدبير ثانوي. أما السلطات فتعهدت باتخاذ عقوبات صارمة، فيما اعتبر مراقبون أن هذه الجريمة قد تدفع إلى تطبيق حكم جديد في التعديل الذي طرأ على القانون الجنائي، ما قد يشكل "جرس إنذار" لتحذير الجناة المحتملين الآخرين وردعهم. 
ويعتقد خبراء بأن السبب الأساس لجرائم الأحداث هو الافتقار إلى التعليم الأسري والإشراف المدرسي، حيث ترتبط العديد من الحالات بأطفال متروكين، وهذا مصطلح يُطلق على أولئك الذين هجرهم آباؤهم خلال بحثهم عن فرص عمل في المناطق الحضرية. إلى ذلك هناك غياب مقلق للوائح الخاصة بالقصر في ما يتعلق بالعنف عبر الإنترنت، خصوصاً أن العديد من الأطفال يُمنحون هواتف خليوية في سن مبكرة للغاية، ما يسمح بوصولهم إلى مجموعة واسعة من المحتوى العنيف، والذي قد يؤدي إلى ارتباك بين العالم الافتراضي والعالم الحقيقي، وحتى تحويل أعمال العنف إلى ألعاب. 
ويقول الخبراء إنه "يتطلب منع انحراف الأحداث ومكافحة التنمر في المدارس أن يلعب المدرسون والآباء والأوصياء جميعاً دوراً نشطاً"، بينما يطالب آخرون القضاء بفرض عقوبات صارمة وشديدة من أجل خلق بيئة أكثر أماناً وصحة كي يكبر القصر فيها.

ويحمّل القانون الجنائي الصيني جميع من تتراوح أعمارهم بين 14 و16 سنة، والذين يرتكبون جرائم قتل متعمدة أو يتسببون في إصابات خطيرة تؤدي إلى وفيات، المسؤولية الجنائية، أما أولئك البالغون بين 12 و14 سنة الذين يرتكبون جرائم قتل متعمدة أو يتسببون في إصابات خطيرة تؤدي إلى وفيات أو إعاقات من خلال استخدام وسائل قاسية فيجري تحميلهم المسؤولية الجنائية بعد موافقة النيابة العامة الشعبية العليا على المقاضاة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020 اعتمدت الصين التعديل الحادي عشر للقانون الجنائي الذي خفّض سن المسؤولية الجنائية عن قضايا القتل والإصابات الخطيرة إلى 12 عاماً. وعلّق حقوقيون حينها بالقول إن التعديل يهدف فقط إلى ردع الجناة القصر، من دون تنفيذ أحكام رادعة بحقهم. وأرجعوا ذلك إلى أن طلبات المقاضاة يجب أن توافق النيابة الشعبية العليا عليها.

الدور الأكبر للأسر في مكافحة جرائم القصر، 8 يناير 2019 (غريغ بايكر/ فرانس برس)
الأسر مسؤولة عن مكافحة جرائم القصر، 8 يناير 2019 (غريغ بايكر/فرانس برس)

ويعلّق الباحث الاجتماعي تيان شانغ على جرائم الأحداث في الصين، ويقول لـ"العربي الجديد"، عندما نتأمل بهذه جرائم نجد أن هناك تناقضاً صارخاً بين عمر الجناة وسلوكياتهم. وفي واقعة قتل تلاميذ زميلاً لهم في مدرسة بشمال الصين، جرى تنفيذ جريمة استندت إلى تخطيط مسبق، وتلاها دفن الضحية لإخفاء معالم الجريمة. ويؤكد ذلك أننا أمام جيل لديه دراية كاملة بالجرائم وطريقة تنفيذها وإزالة معالمها. كما تظهر الجريمة التأثير السلبي للتكنولوجيا واقتناء الهواتف الخليوية في سن مبكرة، وغياب الرقابة الأسرية بسبب التباعد الاجتماعي". يضيف: "بالنسبة إلى الأطفال الذين يرتكبون جرائم قاتلة، لا يزال يتعين تنفيذ العقوبة اللازمة الذي لا يعتبر حلاً رادعاً لأن الدور الأكبر يقع على عاتق الأسر ثم المدرسة والمجتمع. يجب عدم ترك الأطفال وإهمالهم مهما كان الدافع، لأن الثمن يكون باهظاً، وهناك حاجة لتضافر كل الجهود، كما يجب أن تطبق المدراس أنظمة متخصصة لمنع التنمر في الحرم المدرسي وتوفير تدابير رادعة، وكذلك عدم إخفاء حوادث التنمر والإبلاغ عنها فوراً للسلطات المختصة. أيضاً يجب ألا تتسامح الجهات القضائية مطلقاً مع الجناة".

وتقول المحامية لي وانغ، المستشارة القانونية في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، لـ"العربي الجديد": "أكثر ما لفتني في جرائم الأحداث المطالب الشعبية الواسعة بمعاقبة الجناة بالإعدام، لكن القانون الجنائي الصيني ينص صراحة على أنه لا يمكن إخضاع قصر لعقوبة الإعدام، كما يشدد في الوقت نفسه على عدم السماح للقصر بالتنمر على الآخرين، وعلى وفاء الأسر والمجتمع بمسؤوليات تثقيف وإرشاد المراهقين للالتزام بالقوانين واللوائح". ويلفت إلى أن "القانون الجنائي ربما كان متساهلاً لحماية حقوق ومصالح القصر، لكن نتائجه عكسية في بعض الحالات، وبدلاً من أن يصبح القانون درعاً واقياً يستخدمه الجناة لتنفيذ جرائمهم في ظل معرفتهم مسبقاً بأنهم سيفلتون من العقاب".
ووفقاً لبيانات أصدرتها النيابة الشعبية العليا عام 2023 وافقت أجهزة النيابة الوطنية على اعتقال 27000 من الأحداث الذين اشتُبه في ارتكابهم جرائم، وقررت عدم اعتقال 38000.

المساهمون