جذب الكفاءات... ألمانيا تسعى إلى مواجهة النقص في المهن

جذب الكفاءات... ألمانيا تسعى إلى مواجهة النقص في المهن

10 يوليو 2021
مهندس في مصنع فولسفاغن للسيارات (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -

يعدّ نقص اليد العاملة المتخصصة في ألمانيا مصدر قلق كبير في البلاد، لما يشكله هذا الواقع من تداعيات سلبية على النظام الاجتماعي وسوق العمل. لذلك، تم اعتماد قانون يسمح لأشخاص من خارج دول الاتحاد الأوروبي، ويتمتعون بمؤهلات وشروط معينة للتقدم والحصول على تدريبات أو عقود عمل لتغطية النقص الموجود وفق أطر قانونية منظمة وتبعاً للاحتياجات، وذلك بطريقة منظمة وسريعة. ووفقاً لوكالة التوظيف الاتحادية، تشهد نحو 50 مهنة، كثافة في عدد العمال، في مقابل الحاجة إلى مليون عامل، ثلثاهم من أصحاب المؤهلات المهنية والتقنية، لتغطية النقص القائم في العديد من المهن. ويتوجب اعتماد إجراءات وخطط مختلفة لتحقيق ذلك على المديين المتوسط والطويل.

وكانت دراسة سابقة قد بينت أنّ نقص الموظفين يتركز بشكل أساسي في المهن اليدوية المتعلقة بالإنتاج والتصنيع والبناء، بالإضافة إلى المهن الفنية الكهربائية والميكانيكية وغيرها، خصوصاً في جنوب وغرب ألمانيا، لا سيما ولايتي بادن فورتمبيرغ وبافاريا. وعلى الرغم من الالتحاق بمدارس التعليم المهني والتقني في جميع أنحاء البلاد، هناك مطالبات من قبل غرف التجارة والصناعة لتخريج المزيد من الحرفيين لأنّ أعداد المتدربين تنخفض سنوياً، ويصل الانخفاض إلى حدود 5 في المائة في ولاية بافاريا. وتشير الدراسة إلى أنّه في عام 2020، أبرم 129 ألفاً و459 عقد تدريب مهني جديداً، في مهن يغلب عليها العمل اليدوي في الولاية نفسها، وبأقل بنحو عشرة آلاف عقد بالمقارنة مع عام 2019.
تسعى البلاد لتنفيذ مشروع تدعمه الوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية لتوظيف عمال مهرة من البوسنة والهرسك، خصوصاً في مجال الأعمال الحرفية، على أن ينخرطوا خلال هذا العام في وظائف ضمن شركات الإنشاءات المعدنية والهندسة الكهربائية والسباكة والتدفئة. في هذا الإطار، تفيد تقارير بأنّ هناك تعاوناً مع غرف الحرف اليدوية في عدد من المدن الألمانية، منها بوتسدام وكوبلنس وميونخ، بالإضافة إلى مشاورات لتعميم هذا النوع من المشاركة في عمليات البحث عن متخصصين مؤهلين في أماكن أخرى من العالم لسد احتياجات السوق، ولكي تكون ألمانيا بلداً أكثر منافسة تجارياً. 
واقعٌ ينطبق على أصحاب الكفاءات من الألمان المغتربين، والذين غادرت أعداد كبيرة منهم خلال السنوات الماضية. تشير صحيفة "دي فيلت" الألمانية إلى العمل على تنظيم فعاليات وورش عمل في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة، تهدف لاستقطاب المؤهلين منهم وإعادتهم للعمل في وطنهم. يشار إلى أنّ الشبكة الأكاديمية الألمانية الدولية (مبادرة ترصد الألمان المهاجرين لا سيما أصحاب الكفاءات) التي ترعاها السلطات الاتحادية منذ سنوات، باتت تكتسب أهمية متزايدة بسبب النقص الحاد في العديد من التخصصات، في ظلّ النقص المتزايد في عدد السكان بالإضافة إلى توجهات البلاد المتعلقة بالمنافسة الاقتصادية العالمية. وتشير الصحيفة إلى أنّه استناداً إلى الدراسة التي أعدها المعهد الفيدرالي لأبحاث السكان، هاجر نحو 180 ألف ألماني خلال العقد الماضي، يتمتع غالبيتهم بمؤهلات تفوق المتوسطة. حتى أنّ تقرير لجنة الخبراء للبحوث والابتكار التي تقدم المشورة للحكومة بشأن قضايا التعليم والبحث العلمي انتقد حركات الهجرة التي حصلت خلال الأعوام الأخيرة.

لمواجهة هجرة الأدمغة والحدّ منها، أطلق عدد من المنظمات برامج تسعى إلى ربط الباحثين عن عمل في الخارج بأصحاب الوظائف الشاغرة في ألمانيا. ويأتي ذلك وسط تساؤلات عن مدى فاعلية هذه البرامج، وما إذا كانت كافية لتلبية احتياجات السوق. في هذا الإطار، تُشير منسّقة عمل الشبكة الأكاديمية الألمانية في نيويورك، آنا أوبرلي بريل، إلى أنّ العديد من الأشخاص يرغبون في العودة إلى ألمانيا مؤقتاً على الأقل، إلّا أنّهم يجهلون الجهات المعنية التي يمكنهم التواصل معها، بالإضافة إلى عدم معرفتهم بالخيارات المهنية المتاحة وفرص التمويل والمسارات الوظيفية في مجال التجارة. 

يشار إلى أنّ المجال العلمي في ألمانيا يشهد تحسناً كبيراً، وقد عدّ جذاباً خلال السنوات الأخيرة، وذلك نتيجة لاستراتيجية التميز والتدابير الهيكلية المختلفة لاستقطاب الشباب من الخارج، ممن يرغبون في الحصول على وظائف دائمة. وتشير تقارير إلى أنّ العديد من هؤلاء الشباب يتوجهون إلى دول أوروبية أخرى، كسويسرا، إذ عادة ما تكون الرواتب أفضل.

الصورة
يصنع نصباً تذكارياً (هنيبعل هانشكي/ فرانس برس)
يصنع نصباً تذكارياً (هنيبعل هانشكي/ فرانس برس)

يشار إلى أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يشجع الألمان الراغبين في العودة إلى ديارهم على اتخاذ خطوة كهذه مستقبلاً. ويشدد المتحدث باسم سياسة البحث والتعليم لدى الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) توماس زاتلبيرغر، في حديثه لصحيفة "دي فيلت" على توسيع محاولات التوظيف بشكل كبير، لافتاً إلى أن جهود الحكومة ليست كافية، ويجب الإعلان عن مؤتمرات سنوية وعلى نطاق واسع، سواء في آسيا أو الدول الإسكندنافية، في إطار اعتماد سياسة ولاء معززة بشبكة علاقات قوية، وفي إطار الهجرة الموجهة القائمة على احتياجات سوق العمل من العمال المهرة.
وفي ما يتعلق بالعمل على زيادة أعداد المستهدفين ضمن قانون هجرة العمال المهرة المؤهلين، تعمل الحكومة الفيدرالية على تحسين الإجراءات الإدارية المتعلقة بلوائح قانون هجرة العمالة المتخصصة، وخصوصاً في ما يتعلق بالتأشيرات، والاعتراف السريع بالمؤهلات التعليمية الأجنبية أو ما يخضع له الأطباء كامتحان الجدارة لممارسة المهنة، وزيادة الدعم في ما يخص اللغة. ويشمل القانون خريجي الجامعات والحاصلين على تدريب مهني مؤهل ضمن الشروط ، بينها نوع الاختصاص والتمكن من اللغة الألمانية.

نقلت صحيفة "دي فيلت" عن دراسة أعدت بتكليف من قبل الوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية، أنّ 36 في المائة من الوظائف في القطاع الحرفي بقيت شاغرة خلال عام 2020، من بينها الفنية الكهربائية والسباكة وإصلاح أجهزة التدفئة والتكييف، والصناعات الخشبية والأثاث وغيرها. وطالب المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، في دراسة، النقابات العمالية بتوفير ظروف عمل أكثر إغراء بسبب الخطر من نقص حاد في العمالة الماهرة بحلول عام 2040 قد يصل إلى 4.2 ملايين عامل أي ما يعادل 12 في المائة من القوى العاملة، مشيراً إلى أنّ سن التقاعد قد تصل إلى 69 عاماً، في حينه، لتغطية النقص.
من جهة أخرى، تظهر دراسة حديثة أعدها معهد أبحاث التوظيف في نورمبرغ، نشرتها أخيراً شبكة "إيه آر دي" أنّ كورونا أعاق دورات اللغة والمؤهلات المرتبطة بالمهن، وأدى إلى زيادة البطالة خصوصاً لدى اللاجئين. وقال الخبير في المعهد هربرت بروكر، إنّه "لولا كورونا، لكان معدل التوظيف بين اللاجئين ارتفع ما بين خمسة وثمانية في المائة عام 2020. لكن في الواقع، ارتفع معدل البطالة نقطة مئوية. وبمرور الوقت، قد تزيد الأمور سوءاً نتيجة للانتظار، وفقدان الحوافز والمؤهلات من بينها المهارات اللغوية، ما سيترجم لاحقاً بصعوبة الاندماج في سوق العمل". 

المساهمون