استمع إلى الملخص
- تعكس قصة يو تشن معاناة جيل من الشباب الذين تعلقوا بأجدادهم نتيجة غياب الوالدين، حيث يصبح الأجداد مصدر الدعم العاطفي، وفقدانهم يمثل صدمة كبيرة للأحفاد.
- تشير الدراسات إلى أن 60% من الأطفال في الصين يرعاهم أجدادهم، مما يعكس شيوع هذه الظاهرة التي توفر دعماً مالياً وعاطفياً كبيراً للأسر وتعزز الروابط العائلية.
يشارك الأجداد في الصين بشكل واسع في رعاية أحفادهم، خصوصاً مع انشغال الوالدين بالعمل، ما يجعلهم مصدر الرعاية والدعم العاطفي، غير أنّ رحيلهم يجعل الألم مضاعفاً، ويترك ندوباً لا تُمحى من الوجدان والذاكرة.
تحظى الجدّات في الصين، ولا سيما بالنسبة لجيل الألفية الثانية، بمكانة كبيرة تتجاوز حظوة الآباء والأمهات، نظراً لدورهن في الرعاية، وسط انشغال الوالدين وانصرافهم إلى العمل في المدن الصناعية، تاركين الأبناء في الريف يكبرون في كنف الجد أو الجدة. وهذا الأمر يترجم لاحقاً في مشاعر الود والحنين إلى حضن لن يدوم طويلاً بسبب فارق السن وصيرورة الحياة، وعادةً ما يترك رحيلهن ندوباً عميقة في نفوس الشباب.
يو تشن، ممرضة في مركز لرعاية القطط الأليفة في مدينة تيانجين شمالي الصين فقدت جدتها العام الماضي، بعد رحلة طويلة مع المرض، تاركةً أثراً عميقاً في نفسها. تقول لـ "العربي الجديد": "أنا شابة في الثلاثين من عمري، توفيت والدتي وأنا في الرابعة بمرض السرطان، وبعد عامين لحقها والدي بذبحة قلبية، فتولت جدتي رعايتي منذ ذلك الحين وحتى وفاتها في الرابع من مارس/ آذار من العام الماضي".
تضيف يو: "أذكر هذا التاريخ جيداً، فهو محفور في وجداني. في صباح ذلك اليوم، كنت في طريقي للعودة إلى تيانجين بعد قضاء عطلة عيد الربيع في منزل جدتي بمقاطعة خبي المجاورة، وقد مددت الإجازة بسبب تدهور حالتها الصحية، ولم أغادر إلا بعدما شعرت بتحسنها. في منتصف الطريق، رن هاتفي المحمول، وكان الرقم يُظهر اسم عمتي، فارتعد جسدي قبل أن أجيب، شعرت حينها بأن شيئاً ما قد حدث. قالت بصوت حزين: "جدتك توفيت". في تلك اللحظة سقط الهاتف من يدي وسقط معه قلبي".
تتابع يو: "عدت أدراجي مسرعة، وكنت أبكي طيلة رحلة العودة في سيارة الأجرة، حتى إن بكائي المستمر لم يترك للسائق فرصة السؤال عما حدث لي. عند وصولي إلى المنزل، كان الجيران قد تجمهروا، ولم أعلم كيف اخترقت الحشود، فارتميت على صدر جدتي الممددة على سريرها بلا حراك. كان جسدها دافئاً كأنه لا يزال ينبض بالحياة. لم أفارقها إلا عندما تدخل أقاربي وأبعدوني عنها بالقوة، ليتمكنوا من إتمام مراسم الجنازة".
تقول يو: "كانت جدتي بالنسبة لي كل شيء، فهي أمي وأبي وكل عائلتي. خلال فترة مرضها لم أتركها لحظة، وكنت أستثمر كل إجازتي السنوية للبقاء بقربها. أذكر مرة أنني سافرت بالقطار السريع لمسافة 330 كلم لمجرد تناول وجبة الغذاء معها لأنها قالت إنها مشتاقة لي، وعدت إلى عملي في اليوم نفسه. عندما توفيت شعرت باليتم لأول مرة، إنه شعور موحش لا تجد فيه للأشياء أو الأشخاص أي قيمة. أسير هائمة يومياً بين عشرات الآلاف من المارة، لكني لا أرى إلا وجه جدتي".
في تعليقها على ذلك، تقول أستاذة الدراسات الاجتماعية في معهد "دونغ غوانغ" لي تانغ، لـ"العربي الجديد"، من الشائع في الصين أن يشارك الأجداد في رعاية وتربية الأحفاد، مما يُتيح للوالدين التركيز على حياتهما المهنية. وتضيف: "بالنسبة لقصة يو تشن، تمثل معاناة جيل كامل تعلّق بأجداده بسبب ظروف قاهرة وعوامل اجتماعية، لا سيما هجرة الآباء إلى المدن الصناعية بحثاً عن فرص عمل. هذا النزوح الجماعي نحو المناطق الحضرية ترك ملايين الأطفال في الريف دون رعاية أبوية، حيث أوكلت المهمة للجد أو الجدة، الذين يحتاجون بطبيعة الحال إلى الرعاية الصحية مع تقدمهم في السن. مع ذلك، حين يشتد المرض على هؤلاء الأجداد، لا يجدون سوى الأحفاد الذين تعلقوا بهم منذ الصغر للاعتناء بهم ورعايتهم. وموت أحد الأجداد أو كلاهما يمثل صدمةً كبيرةً للأحفاد، إذ يُعدّ الأجداد أولى تعلقاتهم، وهم بالنسبة للكثيرين آباؤهم الحقيقيون ومصدر عاطفتهم العميقة وروابطهم الروحية بالحياة. وحين تكون الأم أو الأب غائبين تماماً، كما في حالة يو تشن، يصبح الألم مضاعفاً، ويترك ندوباً لا يمكن محوها من الوجدان والذاكرة".
تتابع لي: "لا شك في أن فقدان الأجداد بالنسبة لهؤلاء الشباب يعني مزيداً من الصعوبات في إقامة علاقات اجتماعية جديدة ومستقرة، فهم من منظور نفسي أيتام. وفي بعض الحالات، يحدث الفقد وهم صغار جداً وغير ناضجين، ما يؤدي إلى دمار نفسي داخلي وترك أثر عميق، حتى إن وجودهم الرمزي في حياتهم يضيع. منذ ذلك الحين، يعيشون في عالم بقلوب هشة ومكسورة دون أي دعم نفسي. وتلفت إلى أن الأطفال الذين تربّوا في كنف أجدادهم لا يكتسبون تعلقاً قويّاً بهم فحسب، بل يكوّنون معهم رابطاً أعمق مما هو معتاد حتى في العلاقة الأبوية الطبيعية".
وتشير دراسات استقصائية صينية حديثة إلى أن نحو 60% من الأطفال في الصين يرعاهم أجدادهم في المقام الأول، وأن 30% منهم يتربون في منازل الأجداد. وتزداد ظاهرة رعاية الأجداد شيوعاً، خصوصاً في الأسر ذات الدخل المزدوج، حيث يطلب الآباء غالباً من أجدادهم التدخل لرعاية أطفالهم وتربيتهم.
وعند مواجهة ضغوط مالية، يمكن لمساعدة الأجداد أن توفر مبالغ كبيرة من المال. علاوة على ذلك، ووفقاً للثقافة الصينية التقليدية، يرى الأجداد أن المشاركة في تربية الأحفاد مسؤولية عائلية لضمان استمرارية النسل، ويسعدهم تقديم المساعدة لأبنائهم في رعاية الأطفال. ورغم أن هذا العمل شاق وليس سهلاً، إلا أنهم يقومون به بكل ود ويستمتعون به.