جديد ارتفاعات الطيور

جديد ارتفاعات الطيور

14 اغسطس 2021
طائر في قازان (ييغور آلييف/ Getty)
+ الخط -

كان العلماء في الماضي يحددون الارتفاعات التي تصل إليها أنواع الطيور من خلال تقدير الارتفاع عن سطح البحر أو رؤية طائر من نوافذ الطائرة وإسناد نفس ارتفاع الطائرة إليه. ثم تطور الأمر باستعمال الرادارات الخاصة بالطيور والتي لا يخلو منها مطار أوروبي أو أميركي. لكن ذلك لا يغني عن استخدام وسائل أخرى مثل أجهزة التتبع التي توضع على ظهور الطيور وتتابع من قبل الأقمار الصناعية. 
في الواقع، تبين أن معظم الطيور تطير على ارتفاع أقل من 150 متراً إلا أثناء الهجرة، إذ لا يوجد سبب لاستنفاد الطاقة بزيادة الارتفاع بالطيران عالياً، حيث هنالك مخاطر قد تواجهها الطيور، مثل التعرض للرياح الشديدة أو الانكشاف أمام النظر الثاقب والحاد للصقور والعقبان
أما أثناء الهجرة، فغالباً ما تصعد الطيور إلى ارتفاعات عالية نسبياً، ربما من أجل الوصول إلى الرياح الباردة من أجل تبريد أجسامها التي يسخنها الطيران لاجتياز المسافات الطويلة، أو ربما لتجنب الجفاف في الهواء الدافئ بالقرب من الأرض. بالإضافة إلى ذلك فإن الطيور يخف وزنها وتعلو أكثر نتيجة احتراق الدهون لديها وصرف الطاقة المتزايد في طريق الهجرة؛ تماماً كالطائرة النفاثة التي تكتسب وزناً أخف مع استهلاك الوقود من خزاناتها. 
ومهما يكن من أمر فإن الطيور المهاجرة تلاحظ في الغالب على ارتفاع حوالي 3000 متر فوق سطح البحر، بل إن الدراسات الحديثة أكدت على أن معظم الطيور المهاجرة لمسافات طويلة يبدأ طيرانها عند حوالي 1500 متر ثم تصعد تدريجياً إلى حوالي 6100 متر. أما النسور فترتفع أحياناً أكثر من 3000 متر من أجل مسح مساحات أكبر بحثاً عن الطعام، ومن أجل مراقبة أترابها من بعيد لأنها تدل بعضها البعض عند عثورها على طعام لتشاركه مع غيرها. 
فالنسر الأسمر مثلاً يهبط عند عثوره على جيفة بشكل لولبي لإطالة أمد النزول وتمكين الآخرين من رؤيته. وهكذا تنتقل الإشارة من نسر إلى آخر على مساحة مئات الكيلومترات المربعة. ربما يكون تسجيل الارتفاع الأكثر إثارة للإعجاب هو مشاهدة رف من طائر التم الصائح على الرادار قادماً فوق أيرلندا الشمالية أثناء الهجرة وتم التعرف عليه بصرياً بواسطة طيار على ارتفاع 8800 متر. 

موقف
التحديثات الحية

وهنالك مشاهدات بحاجة إلى تدقيق وهي تشير إلى أنه في جبال الهيمالايا على ارتفاع 10 آلاف متر عن سطح البحر شوهدت طيور الكركي وعلى ارتفاع 11,300 متر (أي على ارتفاع الطائرات التجارية) شوهد أحد النسور من نوع روبللي، ولكن لم نجد شرحاً لهذه الحالات. 
فهل يعني وجود عصفور يطير على ارتفاع 100 متر مثلاً فوق جبل ارتفاعه 3000 متراً أنه يطير على إرتفاع 3,100 متر عن سطح البحر؟ مهما يكن من أمر، قد يسأل البعض كيف يمكن للطائر أن يطير على ارتفاعات عالية حيث يتدنى الأوكسجين من 20% إلى 4%، فلا ينفع للتنفس وحيث ينخفض الضغط الجوي إلى درجة لا يستطيع معها أن يدفع بالأوكسجين إلى داخل جسم الطائر. 
في الحقيقة أن رئة الطيور أكبر من رئة الحيوانات الثديية وتحتفظ بكمية كبيرة من الهواء المحمل بالأوكسجين، بل ان الرئة تدفع بهواء التنفس لتخزنه في العظام الجوفاء وأكياس الهواء التي توجد عموماً على جوانب الرقبة والصدر والبطن، وقد يصل عددها إلى 10 أكياس هواء. كما أن نوعية الدم لدى الطيور تعتبر أكثر فاعلية في الاستفادة من الأوكسجين. 
كل هذه الخزانات تمد الجسم بالهواء المحمل بالأوكسجين عندما لا يكون هذا الأخير متوفراً في محيط الجسم، فيصبح التنفس من داخل الجسم إلى خارجه هو الأساس ريثما يخفض الطائر من ارتفاعه ويحصل على الأوكسجين المطلوب.  
إن الارتفاعات التي تصل إليها الطيور قد تكون مستحيلة على الخفافيش، حيث لا يمكن لرئتي الخفاش استخراج جزء من الأوكسجين من الهواء أكثر مما تستخرجه رئتا الطيور. فالطيور تزيد من كرياتها الحمراء التي تحمل الهيموغلوبين والذي بدوره ينقل الأوكسجين إلى الخلايا عندما تكون هذه الطيور على ارتفاعات شاهقة، ولكن ازدياد الكريات الحمراء يتسبب بتخثر الدم وحدوث تجلطات لولا أن الطيور تتحمل التخثر لفترات قصيرة. 
وهناك فئة أخرى من الطيور لا تقوم بزيادة عدد الكريات الحمر في الدم بل عدد الهيموغلوبينات في الخلية الحمراء من الدم، الأمر الذي يؤمن الأوكسجين لجسم الطائر ولكنه يبعد خطر تخثر الدم عنه.
(متخصص في علم الطيور البرية)

المساهمون