جدري "إم بوكس" حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً.. للمرة الثانية
للمرّة الثانية في خلال عامَين، أعلنت منظمة الصحة العالمية جدري "إم بوكس" الذي كان يُعرَف باسم "جدري القرود"، اليوم الأربعاء، "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً عالمياً"، وذلك بعدما رُصد تفشّي الفيروس الذي يسبّبه في أفريقيا، بعدما كان "محصوراً" في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنّ "في الأسبوع الماضي، أعلنت أنّني دعوت لجنة طوارئ إلى الانعقاد بموجب اللوائح الصحية الدولية من أجل تقييم ارتفاع الإصابات بجدري إم بوكس في جمهورية الكونغو الديمقراطية وبلدان أخرى في أفريقيا. واليوم، اجتمعت لجنة الطوارئ اليوم وأبلغتني بأنّ الوضع بحسب وجهة نظرها يمثّل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً عالمياً. وقد قبلت هذه النصيحة".
وشدّد المسؤول الأممي على أنّ "من المقلق جداً اكتشاف متحوّر فرعي جديد من فيروس إم بوكس في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وتفشّيه سريعاً، وكذلك اكتشافه في بلدان مجاورة لم تبلّغ في السابق عن إصابات بجدري إم بوكس، إلى جانب احتمال انتشاره بصورة أكبر في داخل أفريقيا وخارجها". أضاف إلى ذلك "تفشّيات أخرى لمتحوّرات فرعية أخرى من فيروس إم بوكس في أنحاء أخرى من أفريقيا"، مشيراً إلى أنّ "عملية استجابة دولية منسّقة أمر ضروري، بحسب ما يتّضح، من أجل وقف هذه التفشيات وإنقاذ الأرواح".
وأفاد غيبريسوس بأنّ منظمة الصحة العالمية وضعت خطة استجابة إقليمية، تتطلب 15 مليون دولار أميركية، في البداية، من أجل تمويل عملية مكافحة جدري "إم بوكس" في أفريقيا. أضاف: "حرّرنا 1.45 مليون دولار من الصندوق الاحتياطي للطوارئ في المنظمة، ونخطّط لتحرير المزيد في الأيام المقبلة. كذلك نناشد الجهات المانحة تمويل بقيّة خطة الاستجابة".
وأوضح غيبريسوس أنّ "منظمة الصحة العالمية ملتزمة بتنسيق الاستجابة العالمية، في الأيام والأسابيع المقبلة، من خلال العمل بطريقة وثيقة مع كلّ دولة من الدول المتضرّرة (من الفيروس) على حدة وتعزيز وجودنا على الأرض في تلك الدول"، وذلك "من أجل الحؤول دون انتقال العدوى وعلاج المصابين وإنقاذ الأرواح". ووجّه غيبريسوس شكره إلى لجنة الطوارئ بشأن النصائح التي قدّمتها والجهد الذي بذلته.
وتُعَدّ حالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقاً عالمياً أعلى مستوى تأهّب/ إنذار على مقياس منظمة الصحة العالمية في تعاملها مع تفشّي مرض ما على مستوى العالم. وكانت المنظمة قد أعلنت قبل نحو عامَين، في 23 يوليو/ تموز 2022، أنّ ازدياد حالات جدري "إم بوكس" صار يمثّل حالة الطوارئ هذه، بعد مراجعة للوضع في جلسة عقدتها لجنة طوارئ. وبعد نحو عشرة أشهر، في 11 مايو/ أيار 2023، أعلنت المنظمة أنّ جدري "إم بوكس" لم يعد يمثّل حالة طوارئ صحية تثير قلقاً عالمياً.
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الصحة العالمية راحت تستخدم، ابتداءً من 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مصطلح "إم بوكس" بدلاً من "جدري القرود"، وقد حثّت الجميع على حذو حذوها بعد تلقّي شكاوى من أنّ المستخدَم ينطوي على عنصرية ووصمة عار.
يُذكر أنّ في افتتاح اجتماع لجنة الطوارئ الذي دعا إليه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، أفاد الأخير أنّ المتحوّر الفرعي الجديد من فيروس "إم بوكس" في جمهورية الكونغو الديمقراطية يبدو أنّه ينتشر خصوصاً من خلال "الشبكات الجنسية"، مشدّداً على أنّ رصدها في بلدان مجاورة أمر مقلق جداً، وواحد من الأسباب الرئيسية التي دفعته إلى عقد اجتماع لجنة الطوارئ. وشرح أنّ في يوليو/ تموز الماضي، رُصدت نحو 90 إصابة بالمتحوّر الفرعي الجديد في أربعة بلدان مجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يشبق لها أن سجّلت إصابات بجدري "إم بوكس" في الماضي؛ وهي بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا.
وفي خطوة استبقت إعلان منظمة الصحة العالمية الأخير، أعلنت الهيئة الصحية التابعة للاتحاد الأفريقي، أمس الثلاثاء، أنّ تفشّي جدري "إم بوكس" يمثّل "حالة طوارئ صحية عامة" في القارة الأفريقية. ويُعَدّ هذا التصنيف كذلك أعلى مستوى من التأهّب، وقد دعت الهيئة إلى التحرّك من أجل الحدّ من انتشار الفيروس المسبّب للمرض. ومن شأن الإعلان الأفريقي أن يفتح المجال أمام طلب تمويل خاص من أجل توفير لقاحات وخطة استجابة على مستوى القارة. وبحسب بيانات المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإنّ 38 ألفاً و465 إصابة و1456 وفاة بجدري "إم بوكس" سُجّلت في 16 دولة إفريقية حتى الرابع من أغسطس/ آب الجاري. ويأتي هذا ليشير إلى زيادة بنسبة 160% في إصابات عام 2024 مقارنة بالعام السابق.
ويُعَدّ جدري "إم بوكس" مرضاً معدياً يسبّبه فيروس ينتقل إلى الإنسان عن طريق حيوانات مصابة، ولا سيّما من القوارض، ومن الممكن أن ينتقل كذلك من إنسان إلى آخر من خلال اتصال جسدي وثيق. يُذكر أنّ في الحالات المسجّلة في الموجة السابقة (2022-2023) بمعظمها، كان المرضى من الذكور مثليّي الجنس ومن فئة الشباب نسبياً ويعيشون بصورة رئيسية في المدن، وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية. كذلك فإنّ جدري "إم بوكس" الذي اكتُشف لدى البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية يُعَدّ أقلّ خطورة وعدوى من الجدري الذي أُعلن اجتثاثه في عام 1980.