استمع إلى الملخص
- استجابت الجامعة لمطالب إدارة ترامب لتعزيز التنوع الفكري ومكافحة معاداة السامية، من خلال تشكيل فرق عمل فيدرالية وتطبيق إجراءات تأديبية صارمة، بالإضافة إلى تطوير منهج دراسي مجاني.
- أثار قرار الجامعة انتقادات واسعة من أعضاء هيئة التدريس ومؤسسات حرية التعبير، معتبرين ذلك تهديدًا للحريات الأكاديمية، وسط تحقيقات فيدرالية بشأن مكافحة معاداة السامية.
في خطوة وصفتها مؤسسات معنية بحرية التعبير بأنها تهدد الحريات الأكاديمية وحرية التعبير في جامعات أميركا، قررت جامعة كولومبيا الرضوخ للقيود التي طلبتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب شرطاً لإعادة التفاوض على التمويل الفيدرالي، ووضع قسم دراسات الشرق الأوسط تحت الإشراف، تنفيذاً لرغبة إدارته التي اشترطت وضعه تحت الوصاية، ووافقت على حظر ارتداء الأقنعة، ومنح 36 ضابط شرطة في الحرم الجامعي صلاحيات جديدة لاعتقال الطلاب.
ويشمل القرار، الذي نشرته رئيسة الجامعة المؤقتة كاترينا أرمسترونغ يوم الجمعة، تعيين نائب رئيس أول يتمتع بصلاحيات واسعة للإشراف على قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا، بالإضافة إلى مركز فلسطين. وطبقاً للقرار، سيراجع نائب الرئيس الجديد المعين من قبل الجامعة المناهج الدراسية لقسم دراسات الشرق الأوسط، وتوظيف أعضاء هيئة التدريس غير الدائمين، والقيادة من أجل "توازن العملية التعليمية والشمولية".
وفي وقت سابق الأسبوع الماضي، نشر "العربي الجديد" تسعة مطالب حددتها إدارة ترامب شروطاً مسبقة لبدء المفاوضات حول إعادة التمويل الفيدرالي، غير أن جامعة كولومبيا تطوعت، بالإضافة لهذه المطالب التسعة، باتخاذ إجراءات إضافية زعمت أنها لتشجيع المزيد من التنوع الفكري في هذه الجامعة المصنفة ضمن أفضل عشر جامعات عالمياً. وكانت إدارة ترامب قد جمّدت، في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، 400 مليون دولار، بزعم تقاعسها المستمر عن "حماية الطلاب اليهود"، وساومت الجامعة بضرورة الالتزام بإجراءات محددة قبل بدء التفاوض على إعادة التمويل.
وتضمنت الإجراءات المحددة، التي اشترطتها لإعادة التمويل الفيدرالي فرق عمل فيدرالية لمكافحة معاداة السامية بالجماعات المشكلة طبقاً لأمر تنفيذي للرئيس ترامب، فصل طلاب لمدة طويلة، وإيقافهم، وهو ما فعلته الجامعة بالفعل الأسبوع الماضي مقدمةً لتنفيذ مطالب إدارة ترامب، وتضمّنت الإجراءات الأخرى "حظر وضع الكمامات الذي يهدف إلى إخفاء الهوية أو ترهيب الآخرين، وحمل بطاقة هوية الجامعة معها، وتحديد قواعد شاملة للسلوك لمنع تعطيل الدراسة والبحوث والحياة الجامعية، ومحاسبة المجموعات الطالبية المعترف بها أو غير المعترف بها والمتورّطة في انتهاكات سياسة الجامعة، من خلال تحقيق رسمي، وإجراءات تأديبية، والطرد بحسب الحاجة، ومعالجة التمييز ضدّ الصهيونية واليهود مع وضع تعريف رسمي لمعاداة السامية وإصداره".
كما تضمنت المطالب أنه يتحتّم على الجامعة "ضمان تمتّع سلطات الأمن فيها بسلطة إنفاذ القانون كاملة، بما في ذلك اعتقال وإبعاد المحرّضين الذين يعزّزون بيئة عمل أو دراسة غير آمنتَين أو عدائيتَين، أو يتدخّلون بأيّ شكل آخر في عملية التدريس أو سير العمل في الجامعة، و"وضع قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا تحت الوصاية الأكاديمية مدّة خمس سنوات على الأقلّ، وتقديم خطة إصلاح شامل لأنظمة القبول، مع وجوب تضمّنها استراتيجية لإصلاح ممارسات قبول الطلاب الجامعيين، والتوظيف الدولي، وقبول الدراسات العليا بما يتوافق مع القانون والسياسات الفيدرالية".
واستجابت بالجامعة لكل المطالب التسعة، واعترفت بوضوح، على موقعها الالكتروني، بأنها شاركت هذه الرؤية والأولويات الرئيسية مع "وزارة التعليم الأميركية، ووزارة الصحة، وإدارة الخدمات العامة" (أعضاء فرق العمل لمكافحة السامية). وجاء عنوان الوثيقة التي نشرتها "تعزيز عملنا لمكافحة التمييز ومعاداة السامية في جامعة كولومبيا"، وقالت إن "ردنا على الجهات الحكومية يحدد العمل الجوهري الذي قمنا به خلال العام الدراسي الماضي للنهوض بمهمتنا، وضمان استمرار الأنشطة الأكاديمية، وتوفير الأمان والترحيب لكل طالب وعضو هيئة تدريس وموظف في حرمنا الجامعي"، وإنها "عملت لمعالجة المخاوف المشروعة التي أثيرت من داخل مجتمعنا الجامعي وخارجه، ومن قبل الجهات التنظيمية، في ما يتعلق بالتمييز والمضايقة والأعمال المعادية للسامية التي واجهها مجتمعنا اليهودي في أعقاب أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
وأعلنت التزامها بما طلبته إدارة الرئيس ترامب بأن تكون سلطة القرار النهائي بشأن طعون القرارات التأديبية مركزيةً في يد رئيس الجامعة، وتعديل إجراءات مجلس التأديب، وأن يقع المجلس القضائي الجامعي ضمن مكتب رئيس الجامعة، مع تدقيق أسماء أعضاء اللجان، كما ستطلب الجامعة من المتظاهرين تعريف أنفسهم وعدم السماح لهم بارتداء أقنعة الوجه في الحرم الجامعي لغرض إخفاء الهوية، على أن يُستثنى الأشخاص الذين يرتدونها لأسباب صحية، وقررت منع الطلاب من الاحتجاج في المباني الأكاديمية.
كما قررت جامعة كولومبيا الاستجابة لطلب مراجعة إجراءات القبول من أجل "ضمان إجراءات نزيهة"، وأشارت إلى أنها لاحظت أخيراً "انخفاضاً في تسجيل كل من اليهود والأميركيين من أصل أفريقي"، وأعلنت الجامعة أنها ستعتمد تعريفاً جديداً لمعاداة السامية وضعه وأوصى به فريق العمل المعني بمكافحة السامية في كولومبيا في أغسطس/ آب الماضي.
وسيتولى النائب الأول لرئيس الجامعة الذي سيُعيَّن هذا الأسبوع مراجعة شاملة لبرامج المناطق الإقليمية في جميع أنحاء الجامعة، بدءاً من برنامج الشرق الأوسط، ومركز دراسات فلسطين، ومعهد الدراسات الإسرائيلية واليهودية، ودراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا، ومعهد الشرق الأوسط، والمركزين العالميين في تل أبيب وعمان، وتخصص سياسة الشرق الأوسط في كلية الشؤون الدولية والعامة، وبرامج الجامعة الأخرى التي تُركز على الشرق الأوسط (يشار إليها مجتمعة باسم برامج الشرق الأوسط).
كما سيراجع نائب رئيس الجامعة البرامج التعليمية من أجل "شمولية وتوازن العروض التعليمية"، ويتولى القيادة ومراجعة المناهج الدراسية، والإشراف على إنشاء برامج جديدة تُغطي جميع المجالات، ووضع عملية مراجعة موحدة لتوظيف أعضاء هيئة التدريس غير الدائمين في جميع أنحاء الجامعة بالشراكة مع نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية والكليات، ومراجعة إجراءات الموافقة على تغييرات المناهج الدراسية. ولم يتضمن بيان جامعة كولومبيا كلمة "تحت الوصاية" التي طلبتها اللجنة الحكومية، لكن الإجراءات التي أُعلنت تتوافق مع إجراءات خضوع أي منهج ودراسة ما للمراجعة والوصاية.
وتأتي أهم الخطوات التي أعلنت أنها ستنفذها، والتي لم تطالب بها رسالة الحكومة الصادرة في 13 مارس/ آذار، إطلاق برنامج لمكرزها في تل أبيب هذا الربيع، وتبني الحياد المؤسسي، ما يعني التوقف عن اتخاذ مواقف رسمية بشأن القضايا السياسية، وتطويرها منهجاً دراسياً مجانياً منذ روضة الأطفال إلى الصف الثاني عشر يتناول موضوعات صعبة، وتعزيز البحث المفتوح. كما أعلنت أنها ستعين بالفعل أعضاء هيئة تدريس جدداً في مناصب مشتركة في كل من معهد الدراسات الإسرائيلية واليهودية، وأقسام الاقتصاد والعلوم السياسية، وكلية الشؤون الدولية والعامة، بما يعزز "التزام الجامعة بالتميز والإنصاف في دراسات الشرق الأوسط".
ورداً على إعلان الجامعة موافقتها على مطالب إدارة ترامب، أدان أعضاء تدريس في جامعات ومؤسسات معنية بحرية التعبير ما وصفوه بالرضوخ غير المسبوق للتعدي على الحريات الأكاديمية، وقالت دونا ليبرمان، المديرة التنفيذية لاتحاد الحريات المدنية في نيويورك، في بيان لها: "إن بيان الجامعة واستسلامها يهدد الحريات الأكاديمية وحرية التعبير في الحرم الجامعي على مستوى الولايات المتحدة بأكملها".
وتحقّق فرقة العمل الفيدرالية، المؤلفة من مسؤولين في وزارات العدل والتعليم والصحة وإدارة الخدمات الحكومية، مع جامعة كولومبيا، وكذلك مع جامعات جورج واشنطن وهارفارد وجونز هوبكنز ونيويورك ونورث وسترن وكاليفورنيا في لوس أنجليس وكاليفورنيا بيركلي ومينيسوتا وجنوب كاليفورنيا، بزعم الفشل في "مكافحة السامية"، وبدأت الإدارة بجامعة كولومبيا.
يذكر أن جامعة كولومبيا تُعدّ من أغنى الجامعات في الولايات المتحدة، وتبلغ قيمة الوقف الخيري المخصص لها نحو 15 مليار دولار، كما تدير محفظة فيدرالية بنحو خمسة مليارت دولار.