- شملت الحملة جميع الولايات، حيث قامت جمعيات بجولات توعوية في المدارس، وأطلقت مبادرات لتغيير مصير الورق المهدر إلى مورد منتج، وغرس ثقافة التدوير.
- يرى خبراء التربية أن الظاهرة تعكس شرخاً في العلاقة بين التلاميذ والمؤسسة التربوية، وتحتاج إلى إصلاح بنيوي يشمل المناهج الدراسية.
طغت مشاهد تمزيق التلاميذ للكراريس والكتب المدرسية على نهاية الموسم الدراسي الماضي في الجزائر، ما ترك أثراً سيئاً في ذاكرة الأسرة التربوية والعائلات والسلطات، فهذه الظاهرة لم تكن مألوفة سابقاً، ما دفع السلطات إلى اتخاذ تدابير استباقية خلال الموسم الحالي للسيطرة على الأوضاع، واسترجاع أكبر عدد ممكن من الكراريس لإعادة تدويرها، والكتب المدرسية المستعملة لإعادة توزيعها خلال الموسم الدراسي المقبل.
وأُطلقت وزارة التربية حملة بالتنسيق مع المرصد الوطني للمجتمع المدني الذي يضمّ شبكة من الجمعيات الأهلية، بهدف "رفع مستوى وعي التلاميذ إزاء بعض السلوكيات السلبية والغريبة عن المدرسة الجزائرية، ومنها تمزيق الكراريس ورميها أمام المؤسّسات التربوية"، إضافة إلى لفت الانتباه إلى استرجاع الكتب المدرسية المستعملة لإعادة توزيعها مجاناً على التلاميذ من أبناء العائلات المعوزة.
وتقرّر في هذا السياق "السعي لإنجاح الحملة الموجهة لتوعية التلاميذ بضرورة المحافظة على نظافة المؤسّسات التربوية ومحيطها، والالتزام بتقديم الكراريس المستعملة لإدارة المؤسّسة التربوية بدل تمزيقها ورميها"، وصدرت تعليمات إلى مدراء المؤسّسات التعليمية لتخصيص قاعة توضع فيها الكراريس المسترجعة، حتى يتسنى للمؤسّسة العمومية استلامها وتدويرها في إطار الاتفاق المبرم في هذا الشأن مع وزارة البيئة.
وشملت الحملة تقريباً كل الولايات والبلديات، ففي ولاية تبسة (شرق)، طاف أعضاء جمعية "زهور الأمل"، على المدارس والمؤسّسات التعليمية، للتوعية بضرورة الحفاظ على الكراريس المستعملة وتقديمها للإدارة وتفادي رميها أمام المؤسسات التربوية حفاظاً على قدسية العِلم. ونفّذت جمعية أولياء التلاميذ، ومؤسّسة قادة الشباب الجزائري في ولاية المدية (وسط)، جولة بمؤسّسات تعليمية للقاء التلاميذ وحثهم على المشاركة في حملة جمع الكتب والكراريس المستعملة.
يؤكد الناشط في جمعية "روافد" بالعاصمة الجزائرية سيف الدين تواتي، أن مبادرة "الورقة ثروة وليس نفاية" أكبر من حملة بيئية، بل خطوة واعية نحو تغيير مصير أطنان من الورق، وتحويلها من عبء مهدر إلى مورد منتج، ودعوة لغرس ثقافة التدوير في نفوس الأجيال، وتنمية روح الانتماء، وحب البيئة، والوطن. يضيف تواتي لـ"العربي الجديد": "هذه المبادرة قيّمة، والمدارس التي قمنا بزيارتها حققت نتائج مقبولة. أطلقنا بالتنسيق مع فوج الكشافة حملة توعية، وصورنا مقاطع فيديو شارك فيها تلاميذ بهدف رفع الوعي حول ضرورة الحفاظ على الكراريس المستعملة".
ويرى خبراء في التربية أنه بموازاة هذه المبادرة ينبغي إجراء بحث جاد ودراسة معمّقة لخلفيات ظاهرة تمزيق الكراريس في نهاية السنة الدراسية، باعتبارها واحدة من السلوكيات السلبية التي برزت خلال السنوات الأخيرة. ويُجمع الخبراء على أن هذه الظاهرة تُعبّر عن شرخ حقيقي في العلاقة بين التلاميذ والمؤسّسة التربوية، ويعدّونها أحد المظاهر الدالة على فشل السياسات الإصلاحية التعليمية التي بدأ تطبيقها منذ عام 2003.
يقول الخبير التربوي عبد القادر بودرامة لـ"العربي الجديد": "ظاهرة تمزيق الكراريس تعبّر عن حالة سخط لا شعورية لدى التلاميذ، تعكس شعوراً عميقاً بعدم الرضا، وانعدام الانتماء المتراكم عبر سنوات من التجربة الدراسية السلبية. هذه السلوكيات لا تعدو أن تكون مظاهر سطحية لشرخ أعمق، والجذور الحقيقية لهذه الظاهرة خطيرة ومعقدة، وتتعلق أساساً بفقدان التلميذ للثقة والأمل في النظام التعليمي، وشعور بأن هذه المنظومة لن تؤهله، في أحسن الأحوال، إلّا ليكون مجرد رقم جديد في صفوف الحاصلين على الشهادات، من دون ضمانات حقيقية للاندماج أو النجاح المهني والاجتماعي".
ويرى بودرامة أن هذه الممارسات تعكس أيضاً حالة من الإرهاق المتراكم بسبب مناهج الحشو، والوتيرة الدراسية المجهدة، وما يصاحبها من قلق وتوتر ناجمَين عن اللهاث وراء استكمال برامج دراسية طويلة، غالباً ما تتعرّض للبتر أو الارتباك نتيجة القرارات المتأخرة، أو الإضرابات والاضطرابات المتكرّرة.
ورغم أنه من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح المبادرة الاستباقية الهادفة إلى الحد من ظاهرة تمزيق الكراريس في المدارس هذا العام، غير أنّ التصدي لهذه السلوكات الدخيلة على الفضاء التربوي، وغيرها من الظواهر السلبية، يتطلّب معالجة شاملة تتوزع بين التدخل العاجل والإصلاح البنيوي. فعلى المدى القريب، يمكن البناء على الخطوات التي اتخذتها وزارة التربية بالتعاون مع مرصد المجتمع المدني، وتوسيع حملات التوعية من خلال المساجد، ووسائل الإعلام، وجمعيات الأحياء، لكن في أفق أوسع، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة المناهج الدراسية على نحوٍ يجعلها أكثر ملاءمة لاحتياجات المتعلمين، وأكثر ارتباطاً بواقعهم وتطلعاتهم.