تونس: نقص في أدوية الأمراض النفسية والعقلية

تونس: نقص في أدوية الأمراض النفسية والعقلية

08 ديسمبر 2022
المصابون بالأمراض النفسية من بين أكثر المتضررين من أزمة الدواء (الشاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

يدفع المصابون بأمراض نفسية وعقلية ثمن نقص الأدوية في تونس، وسط تحذيرات من مخاطر ذلك النقص على أوضاع هؤلاء الصحية إذ إنّهم يحتاجون في الغالب إلى علاجات دوائية طويلة الأمد أو حتى مدى الحياة. وقد نبّهت هيئات مهنية طبية من مخاطر عدم انتظام تزويد هؤلاء المرضى بأدويتهم الخاصة، سواء عليهم أو على عائلاتهم أو حتى على محيطهم العام. فالإخلال بالعلاج يؤثّر سلباً على سلامتهم وعلى سلوكياتهم.

وتتواصل أزمة الدواء في تونس منذ أشهر، مدفوعة بأزمة المالية العمومية، وبعجز الصيدلية المركزية عن خلاص ديونها لدى مختبرات الأدوية العالمية التي صارت تشترط الدفع المسبق مقابل تزويد السوق التونسية بما تحتاجه.

وتقرّ الكاتبة العامة للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة ثريا النيفر لـ"العربي الجديد" بـ"عدم الانتظام في التزويد بالأدوية التي تُصرَف للمصابين بالأمراض النفسية والعقلية"، واصفة الأمر بأنّه "خطر، نظراً إلى خصوصية بروتوكولات علاج هذه الأمراض التي تفرض نظاماً في تناول المريض دواءه".

تضيف النيفر أنّ "الصيادلة يشاركون المرضى وأسرهم معاناة البحث عن الأدوية، في غياب بدائل لها من أدوية جنيسة (مكافئة)". وتوضح أنّه "يصعب على الصيدلي استبدال أيّ صنف من أصناف أدوية الأمراض النفسية والعقلية بآخر ولو مماثل"، مشيرة إلى أنّ "الأطباء بدورهم يجدون صعوبة في صرف وصفاتهم الطبية في ظلّ عدم توفّر أدوية تلك الوصفات بانتظام في السوق".

وتفسّر النيفر أسباب عدم انتظام التزويد بهذا الصنف من الأدوية بـ"دعم الدولة لهذه الأدوية التي تُباع بأسعار زهيدة جداً في بعض الأحيان، فيما تحاول المختبرات المحلية تجنّب تصنيع أدوية مماثلة لها بأسعار أعلى لا تسمح لهم بمنافسة أسعار تلك التي تصنّعها المختبرات الأجنبية وتدعم الدولة أسعارها". وتؤكد النيفر أنّ "أدوية الأمراض النفسية والعقلية المستوردة تمثّل نحو 60% من الأدوية المعتمدة في علاج هذه الأمراض".

لطيفة امرأة تونسية تعيل شقيقها الذي يحتاج إلى علاج دائم بسبب اضطراب سلوكي حاد. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الدواء غير متوفّر في الصيدليات، ولا يجد له الأطباء بديلاً بالنجاعة ذاتها، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم وضع شقيقي الصحي، وصار يُصاب بنوبات من الهيجان تصعب السيطرة عليها".

وانطلاقاً من تجربتها، تؤكد لطيفة التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة أنّ "أسر المصابين بأمراض نفسية واضطرابات سلوكية تعيش جحيماً متواصلاً بسبب نقص الأدوية وضعف الإحاطة بهذه الفئة من المرضى". وتنتقد "التقصير الكبير من قبل السلطات الصحية تجاه هؤلاء المرضى"، موضحة أنّ "أسر المرضى تتحمّل وزر نقص الدواء والرعاية الصحية".

وتشير لطيفة إلى أنّ "صيدلية مستشفى الرازي (المتخصص في الأمراض النفسية والعصبية) تشكو بدورها من نقص في الأدوية، الأمر الذي يؤثّر حتى على هؤلاء الذين يتلقّون العلاج في وحداتها الصحية".

وفي عام 2020، كشفت اللجنة الطبية في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية عن تزايد أعداد المرضى الذين يلجؤون إلى المستشفى طلباً للعلاج في ظل الضغوط النفسية المختلفة أو للتخلّص من إدمان المخدّرات. وبيّنت اللجنة أنّ أعداد المرضى الذين يقصدون مستشفى الرازي وهؤلاء الذين يتوجّهون إلى العيادات الخارجية، ارتفعت بنسبة 15% مقارنة بعامَي 2018 و2019.

وتؤثّر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة واضحة على صحة التونسيين النفسية، وتتجاوز نسبة المصابين بالاكتئاب 8% من إجمالي عدد التونسيين، بحسب بيانات رسمية لمنظمة الصحة العالمية صادرة في عام 2017. لكنّ النسبة قد تكون ارتفعت اليوم، لا سيّما مع المستجدات الأخيرة في البلاد. كذلك تمثّل الأمراض النفسية 98% من أسباب الإجازات الطويلة التي يضطرّ إليها العاملون في القطاع الحكومي. وفي عام 2015، تسبّبت الأمراض النفسية في ضياع 172 ألف يوم عمل كمعدّل سنوي.

المساهمون