تونس: مصطافون يسبحون في أماكن خطرة

تونس: مصطافون يسبحون في أماكن خطرة

01 سبتمبر 2021
شاطئ مزدحم في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يجلب بحر الصيف الممتع مآسي لعائلات كثيرة في تونس سنوياً. في لحظات قد ينقلب الهدوء على الشاطئ الأزرق إلى هيجان، ويتحول مشروع الاستجمام إلى كابوس عبر حادث غرق يغيّر حياة أسرة بكاملها.
في 3 أغسطس/ آب الجاري، توفي أب لثلاث فتيات غرقاً عند شاطئ رأس أنجلة بمحافظة بنزرت (شمال)، بعدما تدخل لإنقاذ بناته الثلاث من المصير المشؤوم، من دون أن ينجح بالكامل، إذ توفيت إحداهن بعد نقلها إلى المستشفى. وبعد ثلاثة أيام، قضى شقيقان في العقد الرابع من العمر لدى ممارستهما السباحة برفقة شقيق ثالث لهما عند شاطئ دار الجنة بالمحافظة ذاتها، إذ تدخلا لمحاولة إنقاذ أطفالهما من تيارات مائية قوية سحبتهم عن الشاطئ، لكنهما وقعا في فخ هذه التيارات، في حين تدخل مصطافون وبحارة ماهرون كانوا في المكان لانتشال الأطفال من الماء. كذلك، توفي ثلاثة أطفال من عائلة واحدة، هما شقيقان وابن عمهما، بعدما غرقوا عند شاطئ الرمال بمنطقة منزل جميل بمحافظة بنزرت أيضاً، علماً أن الأطفال الثلاثة، وأعمارهم 16 عاماً و11 عاماً و6 أعوام، قدموا للسباحة برفقة عمهم، قبل أن يجرفهم تيار قوي هزمهم في نهاية المطاف. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يكشف الناطق الرسمي باسم جهاز الدفاع المدني معز تريعة لـ"العربي الجديد" عن تسجيل 320 حادث غرق عند شواطئ تونس خلال الفترة من الأول من يوليو/ تموز الماضي إلى 12 أغسطس/ آب الجاري، ووفاة 63 شخصاً غرقاً وإصابة 306، علماً أن الفترة ذاتها من العام الماضي شهدت 376 حادثاً تسببت في 45 وفاة و337 مصاباً. ويؤكد أن "أسباب حوادث الغرق كثيرة، وأهمها السباحة عند شواطئ لا تخضع للمراقبة، وأماكن تمنع فيها السباحة لكن مصطافين يختارونها بسبب الترويج لها على مواقع الإنترنت، التي تلعب دوراً في التعريف بها رغم خطورتها أحياناً، في ظل عدم إقبال الناس عليها في السابق. وبمجرد تنزيل صور هذه الأماكن على موقع فيسبوك على سبيل المثال، تقصد عائلات هذه الشواطئ التي تتمتع بمشاهد خلابة تمزج بين الجبل والبحر أو تقع قرب الغابات، علماً أن غالبيتها توجد في بنزرت". يضيف:: "بالطبع، يعرف هذه الشواطئ سكان بنزرت الذين يستطيعون التمييز بين مناطقها الخطرة، والتي يتجنبها السباحون الأكثر مهارة، في حين يقصدها في ظاهرة لافتة جداً مصطافون عاديون وعائلات تجهل المنطقة ولا تعرف كيفية السباحة في الأعماق. وحين يكون البحر مضطرباً على هذه الشواطئ، تزداد خطورة السباحة بسبب الصخور والتيارات المائية القوية".

ويتحدث تريعة أيضاً عن تسجيل حوادث غرق نتجت عن القفز من صخور عالية، والتعرض لتيارات "الجوابي" التي تترافق مع تيارات قوية جداً. ويوضح أن الوفيات من مختلف الفئات العمرية، وتشمل أطفالاً وشباناً وأشخاصاً أكبر سناً، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالأطفال ومتابعتهم، لأن البعض يتركهم من دون مراقبة، في حين أن قلة الانتباه تتسبب في معظم الحوادث. ويشير تريعة إلى وجود 202 نقطة مراقبة للدفاع المدني على الشواطئ، يجب حصر السباحة فيها، وينصح باستكشاف الرايات التي تدعو إلى الحذر أو تجنب السباحة في نقاط معينة، وتلك التي توجه السباحين إلى تجنب مناطق صخرية.

الصورة
حوادث كثيرة سببها قلة الانتباه للأطفال (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
حوادث كثيرة سببها قلة الانتباه للأطفال (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

من جهته، يرى رئيس جمعية التطوع في خدمة الدفاع المدني المتخصص في مجال الإسعافات الأولية نور الدين الهمامي أن "أخطاء تقود إلى الغرق، بينها المجازفة في السباحة بعيداً جداً من الشاطئ، خصوصاً أن القاعدة تمنع تجاوز مسافة مائة متر من الشاطئ لأن خطر الغرق يزداد مع التوغل في البحر. وبين الأخطاء أيضاً، السباحة بعد تناول الطعام مباشرة، والتسرع في محاولة الإنقاذ من دون إدراك المخاطر وتشغيل العقل في اتخاذ قرارات النجدة المناسبة، مثل استعمال حبل أو عوامة أو طوق نجاة بدلاً من القفز في الماء، علماً أن العاطفة تقود تصرفات أفراد العائلات الذين يندفعون بلا وعي وبلا تقدير للمخاطر لإنقاذ أقربائهم، فيواجهون الخطر ذاته ويقعون في نفس المطب، علماً أن غالبية حوادث الغرق ترتبط بالأحوال الجوية السيئة والرياح القوية". ويوضح الهمامي أن شباناً كُثراً يصرّون على السباحة في "النقاط السوداء" والأماكن الصخرية، فيتعرضون لحوادث تنتج عن مجازفتهم وتجاهلهم الإشارات التي تمنع السباحة في أماكن الخطر.
يتابع: "ثقافة السلامة شبه غائبة لدى العائلات، ما يجعلهم يقعون ضحية أخطاء قاتلة تؤدي إلى غرقهم، علماً أن عاملي الوقت في الإنقاذ وتوفير الإسعافات الأولية ضروريان، فبعض الخطوات قد تنقذ شخصاً من الموت. وقد غرق رضيع على حافة شاطئ بعدما قلبه الموج وغمرته المياه، من دون أن تدرك عائلته كيفية التصرف حتى وصول سيارة الإسعاف، وذلك بعد فوات الأوان".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويكشف أن "وجود شخص فترة 3 دقائق تحت الماء يؤدي إلى الموت، في حال عدم إنقاذه أو معرفة كيفية إسعافه كي لا يتسرب الماء إلى رئتيه، علماً أن جهل السباحة والإنقاذ يعني خسارة أرواح، وكذلك التصرف بهلع وإرباك في وقت يتعلق مصير الغريق بقشة". ويعتبر الهمامي أن "مواقع الإنترنت توفر مراجع ونصائح يمكن الأخذ بها وتكوين أفكار حول تفادي الحوادث، والتصرف بشكل مناسب معها، خصوصاً أن الدولة لا تعمم دورات التدريب على الإنقاذ. وبعض المعلومات المتوافرة في المواقع مهمة ويمكن أن ينفذها أي شخص إذا تعلمها".

المساهمون