تونس: مسنّون يواجهون التقشّف في دور الرعاية

تونس: مسنّون يواجهون التقشّف في دور الرعاية

29 مايو 2021
ثمّة حاجة إلى عناية خاصة وسط الأزمة الصحية (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

 

لا يؤثّر فيروس كورونا الجديد على كبار السنّ لجهة جعلهم من الفئات الأكثر عرضة للإصابة ولمضاعفاتها فحسب، فهو يطاول نواحيَ عديدة من حياتهم إذ إنّ الأزمة التي تسبّبت فيها الجائحة أضرّت بالاقتصاد وبغيره. وهذه هي الحال في تونس.

يواجه مسنّون تونسيون في دور الرعاية الخاصة التقشّف بسبب تأثير أزمة كورونا على قدرة ذويهم على الإنفاق ومواصلة التكفّل بهم، في وقت يغيب فيه دور السلطات الرسمية تجاه هذه الفئة. ونتيجة تراجع المداخيل، صار إيواء المسنّين في دور رعاية خاصة تحترم الشروط الأساسية لمثل هذا الإيواء، يمثّل عبئاً مالياً كبيراً على الأسر أو على المسنّين بحدّ ذاتهم الذين لهم رواتب ومعاشات توفّر تكاليف العيش في مثل هذه المراكز المتخصصة.

ويمثّل التقشّف في رعاية المسنّين خطراً كبيراً بالنسبة إلى هؤلاء، إذ يؤثّر ذلك على توفير احتياجاتهم من رعاية صحية ونفسية وغذاء، فضلاً عن المرافقة الدائمة التي يستوجبها عدد من القاصرين عن الحركة من بينهم. وفي هذا الإطار، تؤكّد سناء العريبي التي تدير مركزاً خاصاً لرعاية المسنّين أنّ "وضع هذه الفئة ليس جيداً، منذ بداية الأزمة الصحية"، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "العائلات تواجه صعوبات في الإنفاق على ذويها الذين أودعوهم في الدار، الأمر الذي يسبّب لهم ألماً نفسياً كبيراً نظراً إلى هشاشة أوضاعهم". تضيف العريبي أنّ "المسنّين يحتاجون إلى رعاية مضاعفة في هذه الفترة، خوفاً من انتقال العدوى إليهم، ما يتطلب تدابير وقائية إضافية ومرافقتهم الدائمة. كذلك يحتاجون إلى رعاية نفسية بعد تأثّرهم بالعزل الطويل الذي أبعدهم عن أسرهم وعدم قدرتهم على مغادرة مراكز الإيواء للتفسّح أو زيارة الأهل".

وتتابع العريبي أنّ "تكلفة رعاية المسنّين زادت في خلال العام الماضي، قابلها تراجع في قدرة الأسر على الإنفاق. وهو ما يضطرهم إلى إيداع ذويهم في دور الرعاية الأقلّ تكلفة، من دون مراعاة ظروف الإقامة أو تقليص الخدمات الطبية والعلاجية المقدّمة لهم". وتوضح العريبي أنّ "ثمّة صعوبات يواجهها أصحاب دور الرعاية لمواصلة توفير أقصى ما يمكن للمسنّين من خدمات وإحاطتهم بشكل جيد"، لافتة إلى أنّ "التوفيق ما بين المهمّة الإنسانية لهذه المهنة والحفاظ على التوازن المادي لمراكز الرعاية صار مهمة شبه مستحيلة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتكمل العريبي أنّ "المسنّين يشعرون بدورهم بضغط المصاريف على ذويهم، وهو ما ينعكس على نفسياتهم، فيشعرون بالحزن وقد يُصابون بالاكتئاب". وطالبت المتحدثة السلطات المعنية بـ"توفير منح لفائدة المسنّين في دور الرعاية الخاصة والمساندة المادية للمشرفين على هذه المراكز الذين تُركوا لمصيرهم في مواجهة مخاطر مضاعفة على خلفية تفشي فيروس كورونا الجديد". كذلك، تلفت العريبي إلى "صعوبات اعترضت دور الرعاية الخاصة في ما يتعلق بتوفير اللقاحات المضادة لكوفيد-19 للمقيمين فيها من كبار السنّ. وقد اضطررنا إلى مرافقتهم بالدور إلى مراكز التحصين للحصول على الجرعات، في وقت كان يفترض أن توفّر مصالح الصحة فرقاً متنقلة لتحصين كبار السنّ في الدور لتجنيبهم عناء التنقّل".

ويعوّل كبار السنّ في تونس على مساعدة أسرهم بشكل أساسي لتوفير نفقاتهم. وقد أثبتت دراسة أعدّتها وزارة المرأة حول الأسرة والطفولة وكبار السنّ أنّ 40 في المائة من المسنّين يحتاجون إلى مساعدة مادية من أبنائهم أو عائلاتهم، ما يجعلهم في تبعية مالية كبيرة لكافليهم. وتقول سميرة السندي التي تنفق نحو 1500 دينار تونسي (نحو 550 دولاراً أميركياً) شهرياً لتوفير رعاية لوالدتها في مركز خاص، إنّ "كل الشرائح الاجتماعية تأثرت بالظرف الاقتصادي الصعب في البلاد، فنتج عن ذلك تقشّف إجباري". تضيف السندي لـ"العربي الجديد": "اضطررت إلى إيداع والدتي في مركز للرعاية الخاص بسبب سفري الدائم في مهام في إطار العمل. وكنت أتقاضى منحاً تساعدني على الإنفاق، غير أنّ منع السفر وقيود أزمة كورونا خفضا دخلي الشهري أكثر من الثلث، ما جعلني أواجه صعوبات في توفير الرعاية اللازمة لوالدتي".

الصورة
كبار السن ولقاح كورونا في تونس (وسيم الجديدي/ Getty)
لم تُوفَّر لقاحات كورونا في دور الرعاية فقصدوا مراكز التحصين (وسيم الجديدي/ Getty)

وتتراوح تكلفة الإيواء في دور الرعاية الخاصة ما بين 500 دينار (نحو 185 دولاراً) و2500 دينار (نحو 920 دولاراً)، وذلك بحسب حالة المسنّ الصحية واحتياجاته ودرجة الرفاهية في مركز الإيواء. وبحسب كراس شروط دور الرعاية الخاصة، فإنّ ثمّة نوعَين من الدور؛ الأول يشمل الدور التي لا يتجاوز عدد المقيمين فيها 12 مسناً والثاني يضم الدور التي يتراوح عدد المقيمين فيها ما بين 13 و30 مقيماً.

بحسب المادة الثانية من قانون حماية كبار السنّ، تتحمل الأسرة مسؤولية حماية أفرادها المسنّين وتلبية احتياجاتهم. أمّا الدولة فتعمد عند الاقتضاء إلى مساعدة الأسرة على القيام بدورها في هذا المجال، فيما تعمل على تطوير الخدمات الموجّهة إلى المسنّين وتسهيل اندماجهم في وسطهم العائلي وكذلك الاجتماعي. وتعتمد حماية المسنّين على حماية صحتهم وضمان كرامتهم، وذلك بمساعدتهم على مجابهة الصعوبات التي تعترضهم في حياتهم اليومية بحكم تقدّمهم في السنّ، إلى جانب مساعدتهم في معرفة حقوقهم وتقديم المعونة اللازمة لهم لتمكينهم من ممارستها والانتفاع بها. كذلك ينصّ القانون على مقاومة كلّ أشكال التمييز والإقصاء من الوسطَين العائلي والاجتماعي وتحقيق اندماجهم بواسطة توعية الرأي العام بالصعوبات الخاصة بهم وتشجيع البحوث والدراسات حول المظاهر الفرديّة والجماعيّة للشيخوخة والوسائل الكفيلة بتحقيق حماية المسنّين ورفاههم.

صحة
التحديثات الحية

ويمثل المسنّون بحسب آخر تعداد عام للسكان في تونس والذي أُعِدّ في عام 2014، نحو 11 في المائة من مجموع السكان، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة إلى 15 في المائة بحلول عام 2025 لتبلغ 20 في المائة في عام 2034. ومن المتوقّع أن يشيخ المجتمع التونسي، وهو ما يستدعي العمل على تحسين الظروف رعاية كبار السنّ في ظل تراجع دور الأسر وتغيّر العلاقات في داخلها.

المساهمون