تعتمد تونس سياسة عدم ترحيل المهاجرين، سواء من حصلوا على صفة اللجوء، أو من تقدموا بطلبات لجوئهم، أو غيرهم حتى، وهو ما يحوّل البلاد إلى وجهة لمهاجرين من بلدان مختلفة أفريقية وعربية
لا تمنع صعوبة حصول المهاجرين السريين في تونس على وثائق إقامة قانونية الآلاف منهم من الإقامة على أراضيها آتين من دول أفريقية وعربية أخرى، مستفيدين من احترام السلطات قوانين الهجرة، لا سيما عدم الترحيل.
تعيش تونس في السنوات الأخيرة على وقع تحوّلات عميقة تتعلّق بقضايا الهجرة، فكما يدفع بحرها شهرياً آلاف المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، تستقبل مدنها آلاف المهاجرين الذين باتوا يفضلون الإقامة على أراضيها بصفة دائمة عبر الحصول على صفة اللاجئ أو طالب اللجوء حتى. وتكشف بيانات حديثة للمجلس التونسي للاجئين (منظمة غير حكومية) تضاعف عدد طلبات اللجوء في تونس خمس مرات خلال الفترة الممتدة بين يناير/ كانون الثاني 2019 ويناير الماضي، إذ ارتفع عددها من 1245 إلى 6700، وهو رقم غير مسبوق في البلاد.
في هذا الإطار، يقول رئيس المجلس التونسي للاجئين، عبد الرزاق الكريمي، إنّ تونس تتحوّل تدريجياً إلى أرض لجوء، لمهاجرين من جنسيات مختلفة لا سيما أفارقة جنوب الصحراء، مشيراً إلى أنّ الإيفواريين (مواطني كوت ديفوار، أو ساحل العاج بتسميتها القديمة) يحتلون المرتبة الأولى في عدد طالبي اللجوء في تونس بـ2519، يليهم السوريون بـ2001، فيما يحتل السودانيون المرتبة الثالثة. يؤكد الكريمي في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ صعوبة الحصول على صفة لاجئ أو طالب لجوء حتى في تونس، لا تحدّ من تدفق المهاجرين، مفسراً ارتفاع أعداد هذه الفئة التي باتت تختار الاستقرار في تونس لسهولة الاندماج داخل المجتمع. ويقول: "المهاجرون موجودون بكثافة في الأوساط الحضرية وحتى الريفية"، مشيراً إلى أنّ محافظات تونس الكبرى وصفاقس ومدنين هي أكثر المدن التونسية استقبالاً للمهاجرين. يضيف أنّ تونس تختلف عن دول عدة بتوفير الحقوق الدنيا للمهاجرين التي تنصّ عليها القوانين والمعاهدات الدولية، وأهمها عدم ترحيلهم، أو منعهم من التنقل بين المدن، لافتاً إلى أنّ هناك جهوداً كبيرة بذلت من أجل تمتيع الحاصلين على صفة لاجئ أو طالب لجوء من بطاقات العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية. مع ذلك، تبقى أعداد كبرى من المهاجرين غير الحاصلين على أيّ من هاتين الصفتين.
ولا يخفي الكريمي الصعوبات التي تواجهها المنظمات التي تهتم بشؤون المهاجرين، ما بعد انتشار فيروس كورونا الجديد، والقيود المصاحبة له، نتيجة ارتفاع حاجة هذه الفئة للمساعدات المالية لتسيير النفقات الحياتية اليومية، مؤكداً تسجيل تراجع كبير في المنح والمساعدات الدولية المخصصة للمهاجرين. ويقول إنّ توفير المساعدات للمهاجرين يرتبط أساساً بالإرادة السياسية للدول المانحة، لكنّه، مع ذلك، يعتبر أنّ وضع المهاجرين في تونس، أفضل بكثير من بلدان أخرى، وذلك بفضل تكاتف جهود المنظمات والحكومة من أجل توفير الحقوق الدنيا لهم، ومنها الصحة والسكن وحق أبنائهم في التعلم، إلى جانب توفير مساعدات مالية تتراوح بين 250 و400 دينار (بين 91 دولاراً و146) لفئات منهم. يؤكد في هذا السياق أنّ 600 تلميذ من أبناء اللاجئين وطالبي اللجوء التحقوا هذا العام بالتعليم الحكومي في تونس، لكنّ الناطقين بالفرنسية والإنكليزية يواجهون صعوبة في الاندماج في الوسط التعليمي التونسي.
وبحسب بيانات رسمية للمجلس التونسي للاجئين، تمثل الشريحة العمرية (18 عاماً- 59 عاماً) النسبة الأعلى من عدد المهاجرين (المسجلين) في تونس، لكنّ التوزيع بحسب السنّ يكشف أيضاً عن مسنين بينهم يبلغ عددهم نحو 100، فيما يصل عدد الأطفال (17 عاماً وما دون) إلى 1534.
ويحوّل عدم الحصول على صفة لاجئ أو طالب لجوء وفق القانون التونسي، آلاف المقيمين على الأراضي التونسية إلى مهاجرين في وضع إقامة غير قانونية، لكنّ السلطات التونسية لا ترحّلهم، إذ غالباً ما تندمج هذه الفئة في المجتمع بالعمل في القطاعات الموازية، ومنها التجارة والخدمات والزراعة.
ويقول المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) رمضان بن عمر، لـ"العربي الجديد" إنّ تونس تشكو من قصور على مستوى القوانين والتشريعات الخاصة بالمهاجرين، ما يجعل السلطات الرسمية تلقي بمسؤولية هذه الفئة على عاتق المنظمات الدولية، لا سيما المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويطالب بن عمر بضرورة توضيح موقف تونس السياسي من المهاجرين، وترجمة هذا الاهتمام بنصوص قانونية تحمي هذه الفئة الهشة من الاستغلال في العمل أو العنصرية، كما تسهّل اندماجها، معتبراً أنّ قوانين العمل في تونس غير مواكبة للمستجدات التي يشهدها المجتمع، خصوصاً المتعلقة بالدمج المهني للمهاجرين. وينتقد رمضان بن عمر التشريعات الحالية التمييزية في تونس، التي تعرقل اندماج المهاجرين في المجتمع وسوق العمل، وحقهم في الحصول على الخدمات الصحية، بما فيها اللقاحات المضادة لفيروس كورونا الجديد، مشيراً إلى أنّ منظومة التسجيل الإلكتروني للتلقيح ضد فيروس كورونا، استثنت المهاجرين من حق التلقيح، وهو ما يجعلهم عرضة إلى المخاطر الصحية، ويحرمهم من حق عالمي في الصحة والعلاج.