تونس: شباب يقاطعون الزراعة

تونس: شباب يقاطعون الزراعة

06 يناير 2021
معدل أعمار اليد العاملة الزراعية يتجاوز الخمسين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من البطالة الكبيرة، خصوصاً بين شباب تونس، والفرص التي تقول السلطات إنّها توفرها في القطاع الزراعي، فإنّ كثيرين يمتنعون عن العمل في هذا القطاع، لأسباب عدة

أشار المعهد الوطني للإحصاء (رسمي) في تونس، إلى أنّ حجم البطالة، وصل إلى 16.2 في المائة، خلال الفصل الثالث من العام الماضي 2020. وبلغ عدد العاطلين عن العمل قرابة 676.6 ألفاً من مجموع السكان النشطين. في ظل هذا الوضع، تواجه الحكومة تحديات كبيرة لخلق فرص عمل، لا سيما لمن يحملون الشهادات العليا ممن تجاوزت سنوات بطالتهم العشر، خصوصاً بعد توقف التعيين في الوظائف العامة منذ أكثر من سنتين. من بين الحلول التي لجأت إليها الحكومة التونسية للتخفيف من حدّة البطالة، إقرار توزيع أراضٍ زراعية تملكها الدولة على طالبي العمل، فقد قرّرت وزارة أملاك الدولة ووزارة الفلاحة تمكين العاطلين من العمل، من تسلم تلك الأراضي منذ بداية العام 2019، وذلك لمدةّ ثلاثة أعوام قابلة للتمديد. وجرى تحديد بعض الشروط لمنح تلك الأراضي، منها أن يتراوح سنّ متسلم الأرض بين 20 عاماً و45، وألا يكون لديه عمل، وأن يكون مقيماً في المحافظة التي قدّم فيها ترشّحه لتسلم الأرض. كذلك، جرى التأكيد على أنّه ستخصص لجان جهوية لدراسة وتقييم مطالب تسلم العقارات المنفردة، بحسب الترتيب التفاضلي وطبقاً للشروط والمقاييس. 

لم يجرِ تفعيل الأمر بعد، على الرغم من مرور أكثر مما يناهز السنتين على إقرار المشروع. وقد طالب عدد من النواب في بداية هذا الشهر وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بإحكام توجيه الأراضي الدولية لفائدة الشباب العاطلين من العمل. يرى بعض المسؤولين أنّ هذا الإجراء يُعتبر حلاً ناجعا للتخفيف من أزمة البطالة. لكن البرنامج يطرح في المقابل عدة أسئلة حول مدى نجاح خريجي التعليم العالي ومعرفتهم بالعمل الزراعي. كذلك، يطرح تساؤلات عدّة عن مصادر تمويل الشباب المقبلين على تأسيس مشاريع زراعية بعد الحصول على الأراضي، وعن التسهيلات المصرفية التي من الممكن أن تقدم لهم من بنوك التضامن. وهل من الممكن أن يُقبل الشباب على تسلّم تلك الأراضي وخوض العمل في قطاع الزراعة خصوصاً أنّ 65 في المائة من العاملين في هذا القطاع تتجاوز أعمارهم خمسين عاماً، علماً أن فقط 6 في المائة من الشباب يوافقون على العمل الزراعي وفق وزارة الفلاحة؟
يقول عبد الرحمن السعيدي (34 عاماً) المجاز في الميكانيك، إنّه لم يظفر بعمل سواء في القطاع العام أو الخاص، لكنّه لا يجد في هذا البرنامج حلاً له رغم ما قد التسهيلات المحتملة. يشير إلى أنّ العمل الزراعي يتطلب أولاً خبرة ومعرفة بحاجات الأرض وطرق الزراعة وغيرها، حتى إن قام كلّ راغب في الانتفاع بهذا البرنامج بدورة تدريبية في الغرض، لكنّ العمل الزراعي اليوم لا يُشجع خصوصاً في ظلّ الشكاوى التي تصدر عن صغار الفلاحين، بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج وعدم حصولهم على أيّ تعويضات في حالة الكوارث الطبيعية، بالإضافة إلى صعوبة ترويج المنتج من دون المرور بكبار المحتكرين والمضاربين الذين يحققون ربحاً على حساب الفلاح".
ويؤكد الفلاحون على مدى السنوات الأخيرة مواجهتهم عدّة مصاعب أدّت إلى انخفاض الإنتاج في بعض المنتجات نظراً لارتفاع الكلفة واندثار صغار الفلاحين في جميع المجالات الفلاحية. وكثيراً ما يخوض الفلاحون تحركات احتجاجية للمطالبة بتخفيض أسعار بعض المواد على غرار البذور والأسمدة للتخفيض من كلفة الإنتاج. ويخوض اليوم مئات الفلاحين تحركات احتجاجية للمطالبة بتفعيل صندوق الجوائح لتقديم تعويضات خاصة لصغار الفلاحين ممن تضررت أراضيهم من جراء الحرائق صيفاً، أو الفيضانات شتاء. كلّ تلك الأحداث تمثل هاجساً كبيراً أمام الشباب.
في المقابل، يشير سعيد الرابحي لـ"العربي الجديد" إلى أنّه غير حاصل على شهادة لكنّه ورث عن والده أرضاً زراعية. مع ذلك، لم يفكر أبداً في العمل في القطاع الزراعي بعد وفاة والده، أو استثمار الأرض، لأنّه على قناعة بأنّ العمل الزراعي اليوم لن يحقق له أيّ أرباح كبيرة، نظراً لارتفاع كلفة الإنتاج بسبب ارتفاع ثمن البذور والأسمدة، بالإضافة إلى أزمة المياه صيفاً، ومشكلة الفيضانات أو نزول البرد شتاء، من دون منح الفلاح أيّ تعويضات مالية أو تحفيزات. كذلك، يضيف أنّ "هامش الربح قليل جداً بسبب المضاربين. وحتى إن تمّ التفكير في إطلاق مشاريع راعية متطورة وإنتاج بعض المنتجات غير المتوفرة في تونس، فإنّه سيواجه عصابات الاستيراد وصعوبة ترويج منتجاته في السوق الداخلي". 

من جهته، يشير سيف الدين، وهو خريج كلية الآداب، إلى أنّه ينتمي إلى منطقة ريفية بمحافظة الكاف بالشمال التونسي، وأنّ أغلب شروط الاستفادة من أرض رسمية تنطبق عليه. لكنّ البرنامج لا يستهويه نظراً للصعوبات التي يمرّ بها صغار الفلاحين خصوصاً. يضيف أنّه فضّل النزوح إلى المدينة بحثاً عن عمل يومي يمكن أن يوفر له دخلاً بسيطاً، فالعمل الزراعي، كما يقول، شاق ويحتاج إلى إمكانات كبيرة وتحفيزات وتسهيلات في ترويج المنتجات. وعلى الرغم من نجاح عشرات من الشباب في إطلاق مشاريع زراعية صغرى على غرار تربية المواشي أو الأبقار أو الزراعة، فإنّ معدل أعمار اليد العاملة النشطة في القطاع الزراعي يتجاوز الخمسين، وفق وزارة الفلاحة، نظراً لعزوف فئة الشباب عن العمل، غالباً، أو الاستثمار في هذا القطاع.

المساهمون