تونس: سوق سوداء للنفايات البلاستيكية تُهدّد البيئة

30 ابريل 2025
عاملة بشركة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية بالعاصمة تونس، نوفمبر 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه منظومة "إيكولف" في تونس تحديات كبيرة بسبب انسحاب الشركات من النشاط المنظم نتيجة المنافسة مع السوق السوداء وارتفاع تكلفة البلاستيك المستعمل، مما يهدد بآثار بيئية خطيرة.
- يساهم الفقراء في جمع البلاستيك وبيعه لإعادة التدوير، لكن السوق السوداء تستحوذ على معظم النفايات بسبب تقديمها أسعاراً أعلى، مما يضعف القطاع المنظم.
- انهيار منظومة التدوير يهدد التوازن الإيكولوجي، خاصة في المناطق الساحلية، ويطالب الخبراء بإعادة تنظيم القطاع وتطوير سياسات جديدة لضمان ديمومة الموارد.

يشكّل تراجع أداء منظومة تجميع وتدوير النفايات البلاستيكية في تونس خطراً متزايداً على البيئة، خاصة بعد انسحاب عشرات الشركات من النشاط الرسمي الذي أُنشئ قبل نحو 20 عاماً، بفعل المنافسة غير المتكافئة مع السوق السوداء. وتعتمد تونس، منذ عام 2004، على منظومة "إيكولف" وهي جزء من استراتيجية وطنية تهدف إلى الحد من تأثيرات البلاستيك على البيئة والتنوع البيولوجي، حيث جرى تأسيس أكثر من 180 مؤسسة تنشط في مجالي التجميع والتدوير. ودقّ مهنيون عاملون في قطاعات تجميع وتدوير المواد البلاستيكية، مؤخراً، ناقوس الخطر، مُحذرين من إمكانية انهيار المنظومة الرسمية برمتها بعد انسحاب أكثر من ثلثي الشركات من النشاط المنظم وظهور سوق سوداء لا تخضع للإجراءات الصحية والقانونية اللازمة لممارسة هذه المهنة.

وقال رئيس الغرفة الوطنية لمجمعي البلاستيك، حمزة الشاوش، إن منظومة "إيكولف" التي تنشط منذ عام 2004 في قطاع تجميع وتدوير النفايات البلاستيكية فقدت القدرة على الصمود، حيث تراجع عدد المشتغلين فيها من 180 مؤسسة سنة 2004 إلى 30 مؤسسة حالياً، محذراً من تداعيات بيئية خطيرة قد تحصل بسبب انهيار المنظومة. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن منظومة "إيكولف" تواجه جملة من الإشكاليات التي تُهدّد استدامتها، بسبب ارتفاع تكلفة التزود بالبلاستيك المستعمل ومنافسة القطاع الموازي، داعياً إلى ضرورة تعديل أسعار القبول المحددة، من قبل الدولة من أجل تحسين مردودية هذه المؤسسات التي تقدم خدمات اقتصادية وبيئية.

وفسّر رئيس الغرفة أسباب فقدان مؤسسات التجميع والتدوير القدرة على الاستمرار في نشاطها، بفوارق سعر قبول النفايات المجمعة بين القطاع المنظم والسوق السوداء، مؤكداً أن العاملين في السوق السوداء يعرضون أسعاراً تفوق 100% عن الأسعار المعتمدة من قبل القطاع المنظم. وبحسب المتحدث، تحدد وكالة التصرف في النفايات (حكومية) أسعار قبول النفايات البلاستيكية المجمعة داخل القطاع المنظم، بينما يعمل القطاع الموازي دون أي قيود ما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة بين الناشطين في القطاع. وقال: "يستحوذ القطاع الموازي حالياً على القسط الأكبر من كميات النفايات البلاستيكية المجمعة نظراً لفارق السعر بين السوق المنظمة والسوق السوداء". وتوفر منظومة "إيكولف" لتجميع وتدوير النفايات البلاستيكية أكثر من 25 ألف فرصة عمل بمعدل كسب يومي للمجمعين يزيد عن 15 دولاراً، وفق أرقام أعلنت عنها الغرفة الوطنية لمجمعي البلاستيك.

ويساهم الفقراء في تونس بشكل كبير في حماية البيئة، مع تصاعد أعداد مجمعي البلاستيك من مكبات النفايات وبيعها، بهدف إعادة التدوير في بلد ينتج سنوياً أكثر 2.7 مليار قارورة ماء و2,4 مليار كيس بلاستيكي. ويلاحظ في أحياء تونس انتشار مكثّف لجامعي البلاستيك الذين زاد عددهم مع ارتفاع نسب الفقر في البلاد خلال العامين الأخيرين، فيما تغيب الإحصائيات الرسمية عن عدد العاملين في هذا النشاط.

ويقول الخبير البيئي، مهدي العبدلي، إن انهيار منظومة تجميع وتدوير البلاستيك تخلف خسائر بيئية كبيرة وتزيد من تدهور التوازن الإيكولوجي، ما يهدد باندثار كائنات بحرية وبرية. ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السلطات مطالبة بإعادة تنظيم القطاع وتطويره والوقوف إلى جانب الشركات التي تنشط في تدوير البلاستيك لتفادي كوارث بيئية تنجم عن انتشار النفايات في الطبيعة. وأقرّ الخبير البيئي بالدور الكبير لمجمعي النفايات البلاستيكية في حماية الطبيعة، ولا سيما منها القوارير التي يصل معدل تدويرها إلى أكثر من 90%، وفق تأكيده.

وتبيّن المؤشرات الإحصائية للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، أن أكثر من 150 ألف شخص ينشطون في مجال النفايات من بينهم ما يناهز 70 ألف منقب عن النفايات، ينتشر أكثر من نصفهم بالأحياء ذات الكثافة الشعبية بالعاصمة، على غرار حي التضامن ودوار هيشر وبرج شاكير.

ويرى العبدلي أنّ النفايات أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على التوازن الإيكولوجي في تونس، ولا سيما في المناطق الساحلية التي تأثرت بشكل واضح من تسرّب النفايات إلى السواحل، ما أدى إلى نفوق مكثف لبعض الكائنات المائية على غرار السلحفاة البحرية.

ويصف المتحدث ظهور قطاع مواز في قطاع تجميع وتدوير النفايات البلاستيكية بالأمر الخطير، نظراً لعدم امتثال هذا النشاط لكراس شروط ممارسة هذه المهنة، مرجحّاً أن يؤدي ذلك إلى ظهور مخاطر بيئية جديدة، وانتشار المكبات العشوائية. وأضاف "تفرض التحولات المناخية وتدهور الوضع البيئي سياسات جديدة في التعامل مع النفايات والموارد الطبيعية من أجل ضمان ديمومة الموارد للأجيال القادمة".

ويشكل البلاستيك ما بين 10 و15% من النفايات القابلة للتدوير. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن تونس تنتج سنوياً نحو 3 ملايين طن من النفايات المنزلية يجري استقطابها في 11 مكباً مراقباً قانونياً، تتصرف فيه ثلاث شركات خاصة، إذ تدير شركتان فقط عشرة مكبات، في حين لا تتوفر أرقام رسمية عن عدد المكبات العشوائية.

 

المساهمون