تونس: جسور من الخردة تفك عزلة سكان الأرياف

تونس: جسور من الخردة تفك عزلة سكان الأرياف

30 ديسمبر 2021
مشاريع كريم عرفة تسهّل حياة الريفيين (العربي الجديد)
+ الخط -

يتكبّد سكان غالبية المناطق الريفية في تونس مشقات التنقل عبر الأودية والمسارات الوعرة، خصوصاً في فصل الشتاء حين تعزل السيول هذه المناطق، ويرتفع منسوب المياه في أوديتها، ما يجعل عبور الطرقات أمراً صعباً تحديداً لتلاميذ المدارس الذين توفي عدد منهم بسبب حوادث سقوط.
وبادرت جمعيات عدة خلال السنوات الأخيرة إلى جمع تبرعات لإقامة جسور فوق الأودية والمسارات الصعبة، فيما نفذ متطوعون من سكان في مناطق داخلية مبادرات لتشييد جسور انطلق بعضها من واقع معايشتهم الحوادث. 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

تطوع
أطلق الشاب كريم عرفة (36 عاماً) المتحدر من محافظة سليانة (شمال) عمله التطوعي في المدارس منذ سنوات، بالاعتماد على إعادة تدوير خردة المقاعد قديمة، وتجديدها لاستعمالها مجدداً داخل المدارس أو في الحدائق العامة. وشملت مبادراته أكثر من عشر مدارس في مناطق مختلفة، كما إنشاء أحواض غسيل من براميل قديمة وضعها في طرقات وشوارع منذ ظهور فيروس كورونا. وفي مرحلة ثانية، حوّل كريم قطع خردة معدنية إلى أغطية بالوعات غير مغطاة، وأصلح أخرى قديمة باتت غير صالحة للاستخدام، وتشكل مصدر خطر على المارة، علماً أن أشخاصاً توفوا نتيجة سقوطهم في بالوعات مفتوحة للصرف الصحي في تونس في السنوات الأخيرة. ويشرح أنّه يصنع شبكات من حديد في شكل دائري توضع تحت أغطية البالوعات كي تمنع تسرب الفضلات داخل مجراها، وتجنب وقوع أشخاص فيها. و"أنا أصنع أغطية البالوعات من الخردة الحديدية الصلبة التي تلقى في الشوارع، أو في مراكز لتجميع الخردة".

الصورة
جسور الخردة تمنع غرق تلاميذ في الشتاء (العربي الجديد)
جسور الخردة تمنع غرق تلاميذ في الشتاء (العربي الجديد)

واليوم، يركز كريم عمله على إقامة جسور باستخدام بقايا الخردة من خشب وقطع معدنية من أجل فك عزلة المناطق، وتسهيل انتقال التلاميذ إلى المدارس. وهذا العام، شيّد جسراً حديدياً ربط في منطقة وادي البلوط بمنطقة بمحافظة جندوبة، وذلك بهدف جعل التلاميذ يتوجهون إلى المدرسة، وربط بعض الطرق. وقد تعامل كريم مع متطوعين آخرين وأفراد من المجتمع المدني في تنفيذ المشروع الذي فك عزلة التلاميذ، وسهّل انتقالهم إلى المدارس من دون الاضطرار إلى شق الوادي والتعرّض لخطر ارتفاع منسوب المياه، وهو ما أفرح الأهالي.
يقول عياشي الرابحي أحد سكان المنطقة لـ"العربي الجديد": "نعيش في شبه عزلة على غرار مناطق عدة في الريف، بسبب عدم توفر الطرقات والمسارات. ونحن غير قادرين على التنقل براحة للتسوق، كما لا يستطيع أطفالنا الانتقال إلى المدارس بأمان، ونسلك جميعاً طرقات وعرة خطرة تنعدم فيها أبسط مقومات السلامة، خصوصاً لدى عبور الأودية. وقد حلّ إنشاء الجسر مشكلة كبيرة كانت تقلق السكان الذين سبق أن قدموا شكاوى لدى مسؤولي المنطقة لكنّهم لم يلقوا أي جواب، فأقاموا جسراً من أغصان الأشجار بمفردهم لتجنب غرق الأولاد في الأودية، أما الجسر الذي أنجزه كريم فقد حلّ المشكل، ونرجو تعميم مبادرته في كل المناطق الريفية المعزولة". 
مسارات آمنة
أيضاً، بنى كريم بمساعدة متطوعين جسورا أخرى في بعض مناطق الريف. وهو يؤكد أنّ هذا العمل سيستمر لزيادة المسارات الآمنة للتلاميذ، ويوضح أنّ آلياته تشمل في في مرحلة أولى جمع الخردة الحديدية خصوصاً تلك التي كانت تستعمل في الطاولات والكراسي والأسرّة، والتي تتميز بأنّها خشنة وشديدة الصلابة، وتصلح لإقامة جسور قادرة على الصمود لسنوات". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويساهم عمل كريم في تخليص مناطق من تكدّس نفايات الخردة فيها، والتي يستثمرها في صنع جسور يقوم مع بعض المتطوعين بتحديد شكلها وطولها وعرضها في مرحلة أولى، قبل أن يبدأوا بالتعاون مع السكان أيضاً في جمع الكميات اللازمة من الحديد والخشب لتنفيذ المشروع، وإنجازه في وقت وجيز. ويقول: "يقدم الجميع المساعدة بحسب خبرتهم وجهدهم وإمكاناتهم لتحقيق المصلحة الجماعية في حل مشاكل المناطق الريفية. وأحيانًا نطالب شركة السكك الحديدية بتوفير عوارض حديدية يتجاوز طولها ستة أمتار كي نستطيع مدّ الجسور". 
وبعدما نجح كريم في الاستثمار في استخدام الخردة والنفايات الصلبة لإصلاح مقاعد مدارس وصنع بالوعات وتشييد جسور بسيطة فكت عزلة مناطق ريفية عدة، يطمح إلى تأسيس مشروع لزيادة الاستثمار في الخردة، وفتح أبواب لتشغيل عدد من الشباب، وتحويل أشياء مضرة للبيئة إلى قطع صالحة للاستعمال.

المساهمون