تونس: تحذيرات متكرّرة من الإفراط في استخدام المضادات الحيوية

03 فبراير 2025
صورة تعبيرية خاصة باستهلاك المضادات الحيوية، 9 يناير 2022 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حذّرت وزارة الصحة في تونس من الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية دون استشارة طبية، مما يؤدي إلى مقاومة البكتيريا وجعل الأدوية غير فعّالة.
- منظمة الصحة العالمية حذّرت من مقاومة مضادات الميكروبات بسبب الاستخدام المكثف في البشر والحيوانات، مما يهدد فعالية الأدوية.
- تونس تُعَدّ ثاني أكبر مستهلك للمضادات الحيوية عالميًا، حيث يُستخدم بشكل مكثف لعلاج نزلات البرد والالتهابات الجلدية، مما يزيد من خطر مقاومة البكتيريا.

حذّرت وزارة الصحة في تونس من تناول المضادات الحيوية عشوائياً من دون استشارة طبيب وبصورة مفرطة، إذ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى تشكيل مقاومة لها، الأمر الذي يجعلها غير فعّالها عند الحاجة الفعلية إليها. ودعت إلى اعتماد هذا النوع من الأدوية فقط بناءً على وصفة طبيب، بعد التأكّد من الحاجة إليه. وأوضحت الوزارة، في تدوينة نشرتها على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، أمس الأحد، أنّ "المضادات الحيوية هي أدوية تُستخدَم لعلاج الالتهابات البكتيرية ولا تعالج الفيروسات مثل الزكام أو نزلات البرد". وتتزامن تحذيرات الوزارة مع تسجيل زيادة في الإصابات بأمراض تنفسية، لا سيّما نزلات البرد الموسمية والإنفلونزا، التي يعالجها المواطنون ذاتياً عبر تطبيب أنفسهم وتناول المضادات الحيوية، من دون الخضوع لكشف طبي لازم من أجل تشخيص المرض، وذلك لأسباب مادية في معظم الأحيان.

في الإطار نفسه، تمضي منظمة الصحة العالمية في التحذير ليس من مقاومة المضادات الحيوية فحسب، وإنّما من مقاومة كلّ مضادات الميكروبات، التي تشمل مضادات الفطريات ومضادات الطفيليات ومضادات الفيروسات. بدورها، حذّرت مجموعة القياديين العالمية المعنيّة بمقاومة مضادات الميكروبات (غلوبال ليدرز غروب أون أنتيميكروبيال ريزيستنس) من مقاومة مضادات الميكروبات، التي تشمل المضادات الحيوية، لا سيّما مع الاستخدام المكثّف لهذه المنتجات الدوائية التي تعالج البشر والحيوانات أو تُستخدَم في مجال الأغذية، بحسب ما أوضحت في تقرير. 

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، يقول رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة نوفل عميرة إنّ "تونس تُعَدّ ثاني بلد في العالم، بعد تركيا، استهلاكاً للمضادات الحيوية قياساً بعدد السكان". يضيف أنّ "ثمّة قانوناً تونسياً يمنع بيع المضادات الحيوية من دون وصفة طبية لكنّه لا يُطبّق مثلما يجب"، مُرجعاً الأمر إلى "أسباب اجتماعية ومادية ناجمة أساساً عن ضعف التغطية الصحية للمواطنين". ويختار التونسيون عموماً المضادات الحيوية التي ينتشر استخدامها في فصل الشتاء، على الرغم من التحذيرات الطبيبة، بحثاً عن التعافي بأقلّ كلفة.

ويشير عميرة إلى أنّ المضادات الحيوية "أدوية متاحة في تونس بخلاف عدد كبير من الدول التي كبحت استعمالها". ويشرح أسباب اللجوء السهل والمكثّف إلى هذا النوع من الأدوية بأنّ "أسعارها رخيصة مقارنة بدول عديدة حول العالم"، لافتاً إلى أنّ "اللجوء المكثّف إلى هذا النوع من الأدوية لا يرتبط بالنزلات الموسمية الشتوية فحسب". ويبيّن أنّ "مستوى الإقبال على المضادات الحيوية يرتفع صيفاً كذلك لعلاج الالتهابات الجلدية أو الحساسية بسبب ارتفاع الحرارة والتعرّض للشمس". ويوضح رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة أنّ "المضادات الحيوية في تونس أدوية مجدولة ومن المفترض أن يخضع صرفُها لرقابة مشدّدة، لكنّ الواقع الصحي وكذلك الاجتماعي يدفعان نحو غضّ الطرف عن استخدامها بسبب ضعف التغطية الصحية للتونسيين وحاجتهم إلى علاج بأقلّ كلفة ممكنة".

وعلى الرغم من أنّ أكثر من ثلاثة ملايين تونسي يستفيدون من التغطيات الصحية المختلفة في البلاد، فإنّ المواطنين يتحمّلون ما لا يقلّ عن 30% من كلفة العلاج على نفقتهم الخاصة، في غياب صيغ استرجاع المصروفات من صندوق التأمين على المرض. وبحسب دراسة أعدّها معهد الاستهلاك الحكومي ونشرها في عام 2019، فإنّ 61% من التونسيين يشترون الأدوية مباشرة من الصيدليات من دون الحصول على وصفة طبية، ويرتفع الاستهلاك المفرط للأدوية خلال فصل الشتاء، إذ تؤدّي تقلّبات الطقس إلى ارتفاع نسبة الأمراض. يأتي ذلك في حين يتزايد الإقبال على التداوي الذاتي بين التونسيين في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع كلفة العلاج في القطاع الخاص وطول انتظار المواعيد في القطاع العام، بالإضافة إلى تأثّر قدرة المواطنين على التداوي بالأزمة الاقتصادية التي طاولتهم.

ويحذّر رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة من اكتساب التونسيين مناعةً ضدّ المضادات الحيوية وبالتالي مقاومتها، إذ من شأن ذلك أن يجعل هذه الأدوية غير مجدية لعلاجهم بصورة كافية عند حاجتهم إليها. وتتشكّل المقاومة من خلال الاستخدام المكثّف لهذا النوع من الأدوية، سواءً أكان ذلك عبر الاستخدام المباشر من خلال تناولها للعلاج أو وصولها إلى الأجسام من خلال استهلاك لحوم الدواجن وتلك الحمراء. ويشرح عميرة أنّ "مربّي الدواجن والأبقار يستخدمون المضادات الحيوية في سلسلة الإنتاج"، مشيراً إلى أنّ "هذه أدوية تبقى ترسباتها في اللحوم التي يستهلكها المواطنون، وتُضعف بالتالي قدرة الدواء على العلاج في وقت لاحق". وأفاد بأنّ منظمة الصحة العالمية سبق أن حذّرت من إمكانية فقدان المضادات الحيوية نجاعتها الدوائية في غضون عام 2050، بسبب المقاومة التي يكتسبها البشر من استخدامها المفرط.

المساهمون