تعميم حول احترام حصانة المحامين والقضاة يثير جدالاً في سورية

24 مارس 2025
وزير العدل في الحكومة السورية الانتقالية شادي الويسي، السويداء، 29 ديسمبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أصدرت وزارة العدل السورية تعميماً لاحترام حصانة المحامين والقضاة بعد انتهاكات موثّقة، لكن التعميم يفتقر إلى آلية لملاحقة العناصر الأمنية المتورطة، مما أثار انتقادات.
- المحامي عارف الشعال أشاد بالتعميم لكنه شكك في فعاليته بسبب عدم تدريب عناصر الأمن، بينما انتقد محام من السويداء التعميم لعدم اتخاذ إجراءات قانونية.
- الناشطة سلام عباس ترى أن التعاميم تهدف لتحسين الصورة الدولية دون تغيير حقيقي، مشيرة إلى أن الأزمات تضعف سلطة القانون وتحتاج إلى إرادة سياسية ودعم دولي.

أصدرت وزارة العدل في الحكومة الانتقالية السورية تعميماً رسمياً، اليوم الاثنين، يقضي بضرورة احترام حصانة المحامين والقضاة، وذلك بعد انتهاكات طاولت محامين وشخصيات قانونية، من بينها اقتحام مكاتب واعتقالات تعسفية، وفقاً لشكاوى موثّقة. ويأتي التعميم في سياقٍ معقّد تشهد فيه سورية تصاعداً في التحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول جدوى الإجراءات الرسمية في ظلّ غياب آليات التطبيق الفعلي.

وأشار التعميم، الذي اطّلع "العربي الجديد" عليه، إلى أنّ المادة 78 من قانون تنظيم مهنة المحاماة في سورية تنصّ على أنّ "المحامين يتمتّعون بحصانة وظيفية تمنع تفتيشهم أو استجوابهم من دون اتّباع الإجراءات القانونية". أضاف أنّ هذه الحصانة، على الرغم من أنّها إجرائية ولا تمنع المساءلة في حال ثبوت الجرم، فإنّها تهدف إلى حماية المحامين والقضاة من الادعاءات الكيدية، وبالتالي ضمان استقلال القضاء في البلاد. لكنّ التعميم لم يحدّد آلية لملاحقة العناصر الأمنية المتورّطة في الانتهاكات السابقة، الأمر الذي أثار انتقادات بين المحامين، رأى عدد منهم أنّ الإجراء "ترقيعي" يهدف إلى تهدئة الاحتجاجات المهنية من دون معالجة جذرية لاختلالات السلطة.

وفي إطار التعليق على التعميم، أشاد المحامي عارف الشعال به، ووصفه بأنّه "خطوة في الاتجاه الصحيح" في منشور على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك. لكنّ المحامي الدمشقي سرعان ما راح يشكّك في فعاليته، مشيراً إلى أنّ عناصر الأمن الآتين من الشمال السوري ليسوا مدرّبين على عمل الشرطة ولا يعترفون بأوامر القضاة المرتبطة بالنظام السابق. أضاف الشعال أنّ وزير العدل، المنتمي إلى فصائل إدلب، اضطرّ إلى تعيين رؤساء عدليات ونواب عامين من خلفيّته لضمان انصياع عناصر الأمن لأوامرهم، وقد عدّ التعميم "فرماناً" ملزماً لهؤلاء العناصر الذين لا يعترفون إلا بسلطة جماعتهم. وختم الشعال: "علينا الانتظار لرؤية ملامح دولة القانون"، في إشارة إلى أنّ الطريق ما زال طويلاً.

في المقابل، ينتقد محام من محافظة السويداء جنوبي سورية التعميم، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته. ويقول لـ"العربي الجديد": "لا نحتاج إلى تعاميم، بل إلى ملاحقة قضائية للمعتدين. الحصانة القانونية موجودة أصلاً، وإصدار التعميم يشبه ذرّ الرماد في العيون". يضيف أنّه "كان يتوجّب على نقابة المحامين رفع دعاوى قضائية ضدّ المعتدين بدلاً من التوجّه إلى وزارة العدل"، ويرى أنّ التعميم "يناقض نفسه"، إذ إنّ الحصانة المذكورة فيه "وظيفية" وليست "قانونية" مثلما ينصّ القانون الأساسي، الأمر الذي يفتح الباب لتأويلات تخدم الأجهزة الأمنية.

وبينما تكشف تعليقات المحامي الشعال عن شرخ عميق في بنية السلطة السورية، إذ تتنازع الفصائل الآتية من إدلب التي ترفع شعارات الثورة مع بقايا مؤسسات النظام السابق، فإنّ هذا الانقسام يُضعف هيبة الدولة ويجعل التعميمات الرسمية حبراً على ورق طالما أنّ الأجهزة الأمنية تعمل بموجب أجندات متضاربة.

في السياق نفسه، ترى الناشطة الحقوقية سلام عباس أنّ تعاقب الأزمات أدّى إلى تآكل الثقة بين المجتمع والمؤسسات الرسمية، إذ ثمّة من يرى أنّ إصدار التعاميم يأتي لتحسين الصورة الدولية من دون تغيير حقيقي، مضيفة "لم يعد الناس يصدّقون وعود الإصلاح". وتوضح عباس وجهة نظرها لـ"العربي الجديد"، قائلةً أنّ لانعدام الأمن ولغياب الضابطة الشرطية المدّربة والمهنية وكذلك للفقر أدواراً في إضعاف سلطة القانون. وتتابع أنّ سورية تعاني انهياراً أمنياً واجتماعياً واقتصادياً غير مسبوق، الأمر الذي يحوّل التركيز الشعبي نحو تأمين لقمة العيش على حساب القانون، وفي هذا السياق يصبح "استقلال وحصانة القضاء" ترفاً في نظر المواطن فيما تُستخدَم السلطات الأمنية سيفاً على رقاب الجميع.

وتقول عباس، في تحليل قانوني، إنّ "المشكلة ليست في النصوص، بل في البيئة السياسية المسيطرة. لا يمكن فصل استقلال القضاء عن التوازنات الأمنية، خصوصاً مع وجود مليشيات مسلّحة خارج سيطرة الدولة". وتتابع: "أظنّ أنّ التعميم محاولة لاستيعاب الضغوط الدولية، خصوصاً مع مفاوضات إعادة الإعمار، لكنّه يفتقر إلى الإرادة السياسية لتجفيف منابع الفساد المنظّم والانفلات الأمني".

من جهة أخرى، يصف المحامي بشار منذر التعميم بأنّه "ممتاز" ومطابق لقانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 30 لعام 2010، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّه "صدر أساساً نتيجة الاعتداءات والتجاوزات الحاصلة بحقّ المحامين، بدءاً من تفتيشهم قبل دخولهم إلى قصور العدل، ولا ينتهي الأمر مع إلقاء عناصر من الأمن العام القبض على ثلاثة محامين بتهمة الاحتيال والتزوير، بالإضافة حلق شعر هؤلاء المحامين الموقوفين كلياً، من دون اتّباع إجراءات الحصانة التي نتمتّع بها بموجب القانون". يضيف أنّ "بالنسبة إلى القضاة، فقد اعتُدي قبل مدّة على قاضٍ في عدلية حلب ووُجّه كلام بذيء إليه بعد اقتحام مكتبه".

تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التعميم صدر بعد أخبار متداولة عن توقيف ثلاثة محامين في طرطوس جنوب غربي سورية، على خلفية ادّعاء عليهم من موكّل سابق، وقيام عناصر الأمن العام بحلق شعر رؤوسهم في أثناء احتجازهم، فيما لم يصدر أيّ بيان نقابي أو حقوقي يؤكّد أو ينفي صحة الواقعة المذكورة.

وعلى الرغم من أنّ التعميم الجديد يقرّ رسمياً بوجود انتهاكات، فإنّ غياب الآليات الواضحة للمحاسبة واستمرار هيمنة الفصائل المسلحة على مقاليد الأمور يُثيران شكوكاً حول إمكانية ترجمة النيات إلى واقع. وفي ظلّ التحديات الأمنية، يبدو أنّ استعادة هيبة القانون تحتاج إلى أكثر من تعاميم بل تحتاج، بحسب نشطاء، إلى إرادة سياسية تضع حداً للفوضى ودعم دولي لا يقتصر على الشعارات.

المساهمون