تعليم غزة... مدارس بدوام جزئي لحماية مستقبل التلاميذ

12 يناير 2025
تلاميذ يدرسون في خانيونس، 7 يناير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة التعليم في غزة: بدأت المدارس في غزة استقبال الطلاب بدوام جزئي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم و"يونيسف"، مما أعاد الأمل للأطفال والأهالي. يتم تنظيم الدوام لثلاثة أيام أسبوعياً مع التركيز على المواد الأساسية، حيث أثبت التعليم الوجاهي فعاليته مقارنة بالتعليم الإلكتروني الذي يواجه صعوبات.

- التحديات اليومية: يواجه الطلاب والمعلمون تحديات مثل نقص المقاعد وتحول المدارس لمراكز إيواء. تُستخدم وسائل تعليمية متنوعة لدعم التعليم، ويظهر الأطفال إصراراً كبيراً على مواصلة التعليم رغم الظروف الصعبة.

- الصمود والأمل: التعليم يمثل صموداً في وجه التحديات، حيث تسعى الجهود الرسمية والمبادرات الفردية لتوفير التعليم رغم نقص الموارد. الانتظام في الدراسة يعزز نفسية الأطفال ويؤكد أهمية التعليم كوسيلة لمواجهة التحديات.

رغم العدوان المستمر على قطاع غزة، بدأ التلاميذ يعودون إلى الدراسة بدوام جزئي بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم وبدعم من "يونيسف"، ما أعاد الأمل إلى الأطفال والأهالي.

في كل صباح، تستمع شروق وليد، التي تسكن إلى جوار مدرسة تحولت إلى مركز إيواء بمدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، لأصوات طابور مدرسي ونشيد وطني، تتبعه أصوات مدرسين يراجعون الدروس لتلاميذ الابتدائي الذين يرددون خلف المدرس، وهي أصوات لم تكن تسمعها قبل نحو شهر ونصف الشهر، ما دفعها لإرسال ابنتها لانا (10 سنوات)، إلى المدرسة.
وفتحت عشرات المدارس أبوابها للتلاميذ بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم في غزة وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، وبدأت باستيعاب التلاميذ من كافة المراحل الدراسية وفق خطة دراسية تعتمد على الدراسة بصورة جزئية، بواقع انتظام الدوام المدرسي ثلاثة أيام أسبوعياً، إذ يمضي التلاميذ ساعتين في كل يوم دراسي، وتتم مراجعة المواد الأساسية كاللغة العربية، والرياضيات، والعلوم، واللغة الإنكليزية. 
تقول شروق لـ"العربي الجديد": "أصوات التلاميذ وهم يرددون خلف المدرسين الحروف والكلمات والجمل تجعلنا نشعر بالفرح والأمل، وبأن الحياة تستمر رغم الحرب والقصف المتواصل. هذه الأصوات افتقدناها بسبب الحرب وانقطاع التلاميذ عن المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء. جهود عودة التعليم، ولو بصورة جزئية، تساهم بشكل كبير في إنقاذ الجيل كله من الضياع، وترميم فجوة الانقطاع عن التعليم".
وتوضح: "التعليم الوجاهي أفضل من خطط وبرامج التعليم الإلكتروني في ظل ضعف الإنترنت وانقطاع الكهرباء. في التعليم الإلكتروني، نواجه صعوبات في تحميل الحلقات، وفي شرح الدروس. حالياً، تجلس ابنتي أمام مدرستها التي تشرح الدرس على اللوح، وتجري امتحانات ومراجعات مستمرة انعكست إيجاباً على مستواها".
بدورها، لمست حياة أبو العينين تحسناً كبيراً في مستوى طفلتها ليان (الثالث ابتدائي)، وتقول: "نسيت ابنتي المنهاج بسبب الانقطاع عن الدراسة، وبعد عودتها إلى المدرسة بشكل منتظم قبل شهر، بدأت تعرف قراءة الحروف والكلمات وتتذكر المنهاج الدراسي. ترددت كثيراً قبل إرسالها إلى المدرسة بسبب استهداف الاحتلال الإسرائيلي المدارس. لكن عندما لاحظت استفادتها وزيادة تحصيلها تشجعت. أصبحت ابنتي تنتظر موعد المدرسة، وتذهب مع أبناء أقاربنا وأبناء الجيران".

إصرار أطفال غزة على الالتحاق بالمدارس رغم كل العوائق

داخل أحد الفصول الدراسية تجلس ليان ولانا على الأرض بسبب عدم وجود مقاعد أو طاولات، وتحضر كل منهما سجادة صلاة من منزلها كي تجلس عليها. ويوجد في المدرسة العديد من النازحين، وتخصّص المدرسة جزءاً من الفصول الدراسية للتعليم، وفصولاً أخرى كمساكن للنازحين، ويستخدم المدرسون برامج ووسائل تعليمية متنوعة، منها التسجيلات الصوتية لإثراء العملية التعليمية، إضافة إلى لوحات ورسومات، ولا تخلو الدراسة من برامج ترفيهية للتلاميذ بهدف دعمهم نفسياً.
على بوابة مدرسة العلا بمدينة خانيونس، تتكئ الطفلة لين أبو صقر (10 سنوات)، على عكازين وتسير بخطى متثاقلة بقدم مبتورة بعد انتهاء الدوام المدرسي، جراء إصابة تعرضت لها في 3 يناير/ كانون الثاني 2024 بقصف الاحتلال لمنطقة نزحوا إليها في جنوب مدينة خانيونس.
في البداية، لم تستدعِ حالتها البتر وركب لها مثبت عظام (بلاتين). لكن مع تفاقم حالتها وحدوث غرغرينا بترت القدم للحفاظ على حياتها. استيقظت الطفلة بعد زوال الألم لتصرخ: "وين رجلي؟"، فكان جواب أمها أن الأطباء سيعيدون القدم مرة أخرى إلى موضعها، لتفهم الطفلة بعد ذلك أن الجزء المبتور لا يعود.

دراسة في الخيام في خانيونس، 25 ديسمبر 2024 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
دراسة في خيام خانيونس، 25 ديسمبر 2024 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

يقول والدها فراس أبو صقر لـ"العربي الجديد": "حتى اللحظة لم تعتد على العكازين، وكثيراً ما تقع وهي تحاول السير بهما.  قبل التحاقها بمدرسة العلا، كانت لين تدرس في مدرسة مجاورة لمجمع ناصر الطبي، وقد لاحظت إصرارها على تحدي إصابتها والانخراط بالدراسة. تحسنت حالة ابنتي النفسية مع الالتحاق بالمدرسة، وبدأت تنتبه إلى مستقبلها، وتتكيف مع إعاقتها، حتى أنها تصر على الذهاب إلى المدرسة قبل الذهاب إلى المستشفى لمتابعة وضعها الصحي".
يضيف: "لين قوية، وعلمتنا دروساً في الصبر، ولا زالت متمسكة بأحلامها، والآن تتمنى أن يركب لها طرف صناعي كي تذهب إلى المدرسة بلا عكازين. ما يعيقني عن مساعدتها هو أنني عاطل، ولديها أشقاء يذهبون إلى المدرسة، ويحتاجون إلى دفاتر أسعارها مرتفعة، ولا أستطيع توفيرها للجميع".
تجلس أم إبراهيم الفقعاوي أمام فرن الطين بجوار منزلها كي تساعد زوجها في توفير مصدر دخل، وبجانبها سلسبيل (14 سنة)، وإبراهيم (17 سنة)، اللذان تراجع معهما أوضاع دراستهما. وتقول لـ"العربي الجديد"، وهي تضع الخبز بداخل الفرن: "لدي خمسة أبناء، وجميعهم سعداء بانتظامهم الدراسي، ولو بصورة جزئية. إحدى بناتي توصيني بإيقاظها في ساعات معينة في الليل أو قبل الفجر لمراجعة دروسها، وبعدما ينتهي العمل هنا، أصعد لأجدهم منشغلون بحل واجباتهم، وهذا يعطينا الأمل. لمست فيهم شغفاً بالدراسة أكثر مما كانوا عليه قبل الحرب، وربما يعود ذلك إلى طول فترة انقطاعهم الدراسي، وشوقهم لأجواء المدرسة، كما أنهم يثنون على جدية المدرسين في الشرح، ما يعني أن الدراسة ليست شكلية".

الظروف الصعبة لا تمنعهم من الدراسة، خانيونس، 7 يناير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
الظروف الصعبة لا تمنعهم من الدراسة، خانيونس، 7 يناير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

وتلفت ابنتها سلسبيل إلى أن مدرستها تحولت إلى مركز إيواء، وأن أربعة فصول فقط خصصت للدراسة، فيما بقيت بقية الفصول مساكن للنازحين، وهذا يسبب تشويشاً بسبب الأطفال النازحين الذين يدخلون الفصل، أو الحركة المستمرة في المكان. رغم ذلك، تتفهم الظروف القاهرة وأوضاع النازحين، لكنها تؤكد أن الدوام لمدة ساعتين غير كاف لشرح الدروس.
يدرس شقيقها إبراهيم في التوجيهي، وقد وجد في انتظام الدراسة فرصة للاستفادة من شرح المدرسين وتقليل مواد الدروس الخاصة لتخفيف الأعباء عن كاهل أبيه. ويقول لـ"العربي الجديد": "المدرسة ساعدتنا في الفهم، لكن الأمر الذي يفقد التوجيهي خصوصيته أن المدرسة تضم تلاميذ من كافة المراحل الدراسية".
ومن المقرر إجراء اختبارات التوجيهي لتلاميذ قطاع غزة من مواليد عام 2006 في فبراير/ شباط المقبل. أما التلاميذ من مواليد 2007، فمن المقرر إجراء اختباراتهم في يونيو/ حزيران المقبل، وهي فترة يراها إبراهيم مناسبة للاستعداد للامتحانات النهائية.
في شارع البحر، وهو أحد الطرق المركزية بمدينة خانيونس، تسير الطفلة عبلة أبو جراد (10 سنوات)، وهي نازحة من مدينة غزة، مع زميلتها زينة أبو العيش، النازحة من مدينة رفح، ولين أبو حطب ابنة مدينة خانيونس، تحملن حقائب مدرسية زرقاء قدمتها لهن منظمة "يونيسف"، وقد تعرفن إلى بعضهن في المدرسة، وأصبحن صديقات.
تحكي عبلة أبو جراد لـ"العربي الجديد"، عن صعوبة توفير كتب دراسية للمنهاج الفلسطيني، ما يعيق متابعة المنهاج مع المدرسين. وتقول: "نداوم ثلاثة أيام في الأسبوع، وقد استفدت كثيراً. نتعلم بشكل مكثف، ونتعلم أشياء كثيرة، ومن الجميل أنني بعد شهر سأنتهي من الصف الرابع وأصعد إلى الصف الخامس، لكن ما يعيقنا هو توفير الكتب، والدفاتر التي ارتفعت أسعارها كثيراً".

وفي منطقة عبسان، شرقي مدينة خانيونس، تبقى صابرين عبد الفتاح في حالة قلق حتى يعود أبنائها من المدارس إلى خيمتهم المقامة على ركام منزلهم المدمر. تقول لـ"العربي الجديد": "لدي ستة أبناء يذهبون إلى المدارس، أحدهم يذهب إلى مدرسة بعيدة، وكل فترة تحدث استهدافات، والمسيّرات تحوم في سماء المنطقة، ما يسبب القلق. لكن في الوقت نفسه، نرسلهم إلى المدرسة حتى لا تضيع سنة دراسية ثانية عليهم، ونتحمل فوق طاقتنا من قرطاسية أسعارها مرتفعة، ولا أستطيع توفيرها لستة أبناء".
بات مشهد التلاميذ وهم يذهبون إلى المدارس مألوفاً لدى الناس في شوارع المدينة، باعتبار ذلك جزءاً من عودة روتين الحياة، رغم تدمير الشوارع، واختلاف الأماكن، وظروف التلاميذ القاسية. وتقول الخبيرة التربوية والنفسية ختام أبو عودة لـ"العربي الجديد"، إن "انتظام التلاميذ بالدراسة يخرجهم من أجواء روتين قاسٍ فرضته الحرب، يشمل مساعدة الأهل في توفير القوت، والاصطفاف على أبواب التكيات الخيرية وآبار المياه. يعد ذلك نوعاً من الصمود ومواجهة التحديات والمعوقات، وتأكيداً على أهمية التعليم رغم قصف مراكز الإيواء، ما ينعكس إيجاباً على نفسية الطفل الذي يذهب إلى المدرسة، ويتعرف إلى أصدقاء جدد، ويمارس الصمود التعليمي أمام حرب التجهيل".
وسبقت الجهود الرسمية مبادرات تعليمية فردية في مراكز الإيواء، لكن أبو عودة تقلل من أثرها على التحصيل العلمي للتلاميذ مقارنة بخطط وزارة التربية والتعليم. وتوضح: "هناك تحديات تواجه الجهود الرسمية للتعليم الإلكتروني سببها ضعف الإنترنت، وعدم وجود أدوات مساعدة كالهواتف والحواسيب لدى العائلات، وتحديات تواجه التعليم الوجاهي مثل عدم توفر مقاعد وطاولات، أو حتى مدارس كافية، وفي أحسن الأحوال، يتم تخصيص عدة فصول في المدرسة، أو خيام تعليمية".

المساهمون