تعدد الزوجات... حقوقيات مغربيات يطالبن بالمساواة وكشف "الحيل"

تعدد الزوجات... حقوقيات مغربيات يطالبن بالمساواة وكشف "الحيل"

24 نوفمبر 2020
هل يرضين بالتعدّد؟ (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

تجدّد الجدال في المغرب حول تعدّد الزوجات نتيجة لتسجيل البلاد ارتفاعاً في نسبة التعدد، وذلك بعد نحو 16 عاماً على إقرار مدونة الأسرة، التي اعتُبرت بمثابة ثورة في مجال الأحوال الشخصية. وفي الوقت الذي تبدو فيه مدوّنة الأسرة المغربية واضحة لجهة تقييد تعدد الزوجات، فلا يُتاح بالمبدأ إلا لحالات استثنائية، برزت في الآونة الأخيرة "حيَل" يلجأ إليها الرجال الراغبون في التعدد هرباً من ذلك التقييد والظفر بإذن قضاء الأسرة بالتعدد.
وتقول رئيسة شبكة إنجاد ضد عنف النوع التابعة للرابطة الديمقراطية للدفاع عن حقوق المرأة، نجية تازروت، إنه بدا لافتاً إقدام بعض الأزواج، أخيراً، على الالتفاف على قيود التعدد من خلال تطليق الزوجة الأولى وإبرام زواج جديد، ثم اللجوء إلى المحكمة لطلب إرجاع الزوجة الأولى التي جرى تطليقها. وتشير إلى حكم أصدره قضاء الأسرة في المحكمة الابتدائية في مدينة الدار البيضاء في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يسمح بالاستجابة لطلب تقدم به زوج لإرجاع زوجته الأولى، التي فارقها بمقتضى حكم تطليق بالشقاق، معللاً طلبه برغبته في الحفاظ على الأسرة وعلى الأبناء، بالإضافة إلى قدرته على إعالة أسرتين من الناحية المادية. 
وبحسب المحامية والناشطة الحقوقية فتيحة اشتاتو، فإنّه "بعد وقف العمل بدعوى ثبوت الزوجية، أصبحت الرغبة في لمّ شمل الأسرة والأبناء مدخلاً جديداً لتعدد الزوجات في البلاد"، واصفة الأمر "بالانتهاك الصريح لكرامة المرأة وإنسانيتها، لما يتركه ذلك من آثار نفسية تنعكس على صحتها، وقد يؤدي بها إلى اليأس والانتحار أحياناً". تضيف أنه "من أسباب مطالبتنا بمنع تعدد الزوجات هو سوء تقدير القضاء للمبرر الموضوعي الاستثنائي المنصوص عليه في المادة 41 من مدونة الأسرة عبر اعتماد الشيخوخة أو المرض أو عدم القدرة على الإنجاب او العمل المنزلي مبرراً لمنح التعدد للزوج، نظراً إلى تعارضه مع الكرامة الإنسانية، لما يخلفه من آثار سلبية على الأطفال وتوازنهم النفسي واستقرارهم الاجتماعي".

شروط صارمة؟
تفيد مدوّنة الأسرة بأن الإذن بالتعدد يتوقف على شروط صارمة تتمثل في توفّر الموارد الكافية للزوج حتى يؤدي واجبه في الإنفاق على زوجاته، وتوفّر مبرر موضوعي واستثنائي وراء رغبته في التعدد، واستدعاء الزوجة الأولى لحضور جلسة المحكمة التي تبحث معها موافقتها أو عدمها. وفي حال موافقة الزوجة الأولى على اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها، فإنّ المحكمة تحفظ القضية للتداول بها والحكم بالقبول إذا استوفى الطلب كلّ العناصر ورأت المحكمة أنّها موجبة للتعدد، أو الحكم بالرفض في حال لم تجد المحكمة أنّ الطلب يستوفي العناصر اللازمة.

المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)
هناك مطالبة بتغيير شامل لمدونة الأسرة (فاضل سنا/ فرانس برس)

أمّا في حال رفض الزوجة الأولى اقتران زوجها بامرأة أخرى إلى جانبها وألحّ الزوج على طلبه، فإنّ المحكمة تحاول مصالحتهما، لكنّها قد لا توفّق في مسعاها ويصرّ الطرفان على موقفيهما. عندها، إذا طلبت الزوجة الطلاق، حُكم لمصلحتها بمستحقات يتعيّن على الزوج إيداعها صندوق المحكمة خلال سبعة أيام، وإلا عُدّ متراجعاً عن طلب الإذن بتعدد الزوجات. وإذا لم تطلب الزوجة الطلاق، فإنّ المحكمة تطبّق مسطرة الشقاق (تُعطى المحكمة الأولوية في البتّ وقد تنتهي بالصلح واستمرار العلاقة الزوجية من دون تعدد أو قد تنتهي بالتطليق) تلقائياً.
كما تنصّ على أنّ الإذن لا يُعطى للرجل الذي ينوي الاقتران بزوجة ثانية إلا بعد إشعارها من قبل القاضي بأنّ من يريد الزواج بها متزوّج بغيرها ويسألها عن رضاها بذلك.

الحاجة إلى التغيير
ما تتضمنه مدوّنة الأسرة في المغرب يبدو واضحاً لناحية تقييد تعدد الزوجات. فلا يُتاح بالمبدأ إلا لحالات استثنائية، بيد أنّ الأرقام المعلنة تكشف أنّ الرجال المغاربة ما زالوا يصرون على تقديم طلبات للزواج بامرأة ثانية، وينجح كثيرون بذلك إمّا نتيجة موافقة الزوجة الأولى أو من خلال اعتماد الحيلة. أخيراً، كشف وزير العدل المغربي محمد بنعبد القادر، أن عدد طلبات الإذن بالتعدد المقدمة أمام المحاكم الابتدائية خلال عام 2019 بلغت ما مجموعه 4355 طلباً، وتمت الاستجابة لـ2073 طلباً، في وقت رُفض 2282 طلباً.

وترى اشتاتو أنه "آن الأوان لتغيير شامل لمدونة الأسرة وإعادة صياغتها صياغة قانونية واضحة تحترم كرامة المرأة، وتضمن انسجام بنودها، وحذف كل الأفعال المبنية على التمييز بسبب الجنس والدين والمس بالكرامة الإنسانية للنساء،  بالإضافة إلى جعلها قانوناً متناسقاً ومنسجماً يضمن استقرار الأسر والمساواة بين الزوجين في الحقوق والرعاية والمسؤوليات، وتوحيد القوانين المطبقة وطنياً بشأن قضايا الأسرة، وإغلاق الباب أمام الأعراف التي تكرس الدونية، وعدم النص على أي استثناء بصفة قانونية حتى يكون القانون هو الناظم الوحيد".
من جهتها، تطالب تازورت، في حديثها لـ"العربي الجديد"، بـ"تغيير شامل لمدونة الأسرة التي أثبت التطبيق عدم انسجامها مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب ودستور المملكة، الذي يقر بسمو التشريعات الدولية على القوانين الوطنية عند التعارض أو الاصطدام من أجل رفع كل أشكال العنف والتمييز المبنيين على النوع". 
تتابع: "لا بد من سن نصوص واضحة وصريحة لمنع ظاهرة تعدد الزوجات وإلغائها نهائياً، لأنها لا تحترم شعور المرأة وإنسانيتها، ولا تحمي الأسرة والأطفال، وإنما هي قوانين مجحفة في حق النساء والأطفال والأسرة، خصوصاً أن الأمر مرتبط بعقليات وتقاليد متوارثة إلى جانب الظروف الاقتصادية".
وترى تازورت أنّ "عوامل عدة تحول دون المنع النهائي لتعدد الزوجات في المجتمع المغربي، إذ ما زالت نساء يخترن بمحض إرادتهن تزويج أزواجهن لضمان بقاء الزوجة الأولى مديرة لشؤون البيت وأماً الأولاد. كما أن تمسك بعض النساء المغربيات بالمرجعية الإسلامية، يجعلهن يأذَنّ لأزواجهن بالتعدد".

المساهمون