تعثر المصالحة الوطنية في ليبيا... من المسؤول؟

22 يناير 2025
الصراع السياسي يتحكم بملف المصالحة في ليبيا، 17 يوليو 2024 (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جمود جهود المصالحة الوطنية: تعاني ليبيا من جمود في جهود المصالحة الوطنية بسبب الصراعات السياسية بين الأطراف المختلفة، وفشل محاولات عقد "المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية"، مما دفع الاتحاد الأفريقي لدعوة الأطياف الليبية لمؤتمر في أثيوبيا.

- الصراع على إدارة ملف المصالحة: بعد توحيد السلطة التنفيذية في 2021، أُوكلت مهمة المصالحة إلى المجلس الرئاسي، لكن الصراع بينه وبين مجلس النواب أدى إلى تعقيد الأمور وضياع أمل إنجاز المصالحة.

- التحديات الداخلية والخارجية: يدعم المجلس الرئاسي تفعيل مفوضية المصالحة العامة، بينما تحاول أطراف دولية التأثير في الملف، وتواجه المصالحة الوطنية عقبات بسبب تورط الفاعلين الليبيين في أعمال عنف ووجود شخصيات مثل خليفة حفتر.

يراوح استحقاق المصالحة الوطنية في ليبيا مكانه منذ سنوات من دون أن تنجز فيه اللجان والمجالس الاجتماعية أي خطوات، خاصة بعدما دخل وسط صراعات بين أطراف سياسية ترغب في حيازة الملف وإدارته لتحقيق غايات ومصالح خاصة.

وبعدما فشلت مساعيه لعقد "المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية" داخل ليبيا، وتحديداً بمدينة سرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دعا الاتحاد الأفريقي ممثلي الأطياف والشرائح الليبية لحضور المؤتمر المقرر في أثيوبيا في فبراير/شباط المقبل، وذلك بعدما التقى مسؤولوه قادة ليبيين.

وقد تأسست العديد من الهيئات والمجالس الاجتماعية التي كُلّفت الإشراف على عقد مصالحات وطنية لرأب الصدع الاجتماعي الذي أحدثته النزاعات منذ عام 2012، لكنها فشلت جميعها بسبب تعنّت أطراف النزاع وتصاعد الانقسام السياسي إلى حدّ اندلاع حروب امتدت سنوات. وبعدما وحدت الحوارات السياسية السلطة التنفيذية عام 2021، أوكلت مهمة إنجاز المصالحة الوطنية إلى المجلس الرئاسي الذي شكل المفوضية العليا للمصالحة الوطنية بعد أربعة أشهر من توليه السلطة، لكن الخطوات الإيجابية لم تتجاوز حدّ تشكيل المفوضية، ودخل ملف المصالحة الوطنية في ساحة المناكفات بين مجلس النواب والمجلس الرئاسي

وبعدما أصدر مجلس النواب في أغسطس/آب الماضي قرار إنهاء ولاية المجلس الرئاسي نقل اختصاصات هذا المجلس وصلاحياته إليه، ومن بينها ملف المصالحة. ونظم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي "ملتقى المصالحة الوطنية" في مدينة بنغازي وشارك فيه زعماء قبائل وقيادات شعبية أكدوا اختصاص مجلس النواب بملف المصالحة، وطالبوه بضرورة إصدار قانون المصالحة الوطنية. في المقابل، تمسّك المجلس الرئاسي باختصاصه في ملف المصالحة، ونظم أخيراً ملتقى موازياً باسم "ملتقى الأعيان والمشايخ" الذي أكد صلاحية المجلس الرئاسي في إدارة ملف المصالحة، وطالب بأن يكون إنجاز المصالحة طريقاً لإجراء الانتخابات.

وبين الطرفين ضاع استحقاق المصالحة الوطنية وأمل إنجازه، بحسب ما يقول أبو بكر النعيري، عضو مجلس المصالحة الذي شارك في ملتقى الأعيان والمشايخ والحكماء لـ"العربي الجديد". يضيف: "يدعم المجلس الرئاسي تفعيل مفوضية المصالحة العامة باعتبارها الطرف الأقل تدخلاً وتأثراً بالصراعات السياسية القائمة. تحاول أيضاً أطراف دولية، من بينها بعثة الأمم المتحدة على ليبيا، التأثير في الملف من خلال الحديث عن لجان وطنية للحوار، لكن الخوف يزداد من تسلل الخارج إلى ملف خاص جداً مثل المصالحة".

تضع جرائم مقابر ترهونة عثرات أمام جهود المصالحة، 27 سبتمبر 2021 (ندى حارب/ Getty)
تضع جرائم مقابر ترهونة عثرات أمام جهود المصالحة، 27 سبتمبر 2021 (ندى حارب/Getty)

يُضيف النعيري، في حديثه لـ"العربي الجديد": "صحيح أن الضرر والاقتتال نتجا من أبنائنا الذين شكلوا أطراف الصراع والحرب، لكن من زودهم بالسلاح وقدم لهم الدعم؟ أليست قوى الخارج. من هنا لا بدّ من أن يتحكم الليبيون باستحقاق المصالحة، وأن يعمل أشخاص بينهم لتحقيق نتائج تنتج من واقعهم وليس من إملاءات دولية".

من جهته، لا يأمل الناشط المدني عقيلة الأطرش في انعقاد أي مصالحة وطنية في المستقبل المنظور "لأن الفاعلين الليبيين تورطوا بأعمال عنف وجرائم تجعل إنجاز المصالحة طريقاً لكشف تورطهم، لذا أرى أن أي قائد محلي لن يسمح بالمصالحة إلا إذا حصلت بحسب خططه، وتناسبت مع هدفه الرئيسي في الحصول على عفو عبر اتفاقات المصالحة".

ويلفت الأطرش، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "المصالحة الاجتماعية بين القبائل والمناطق والمدن يمكن أن تحصل بسهولة في أقرب وقت وبأقل الإمكانيات، وتحقق نتائج جيدة ومضمونة، لكن الثقافة المحلية المتوارثة تفرض إنصاف المتضرر قبل قبول المصالحة، وأي قائد مجموعة مسلحة لن يعترف بأنه أوقع ضرراً بالآخر، كما أن تكاليف جبر الضرر كبيرة جداً بالنسبة لبعض الأشخاص".

يتابع: "مثلاً لن تحصل مصالحة وطنية بوجود قائد المليشيات في شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر لأسباب عدة، أولها أنه لا يرى نفسه في موقع تصالح ويتعامل بتعالٍ مع الجميع، والسبب الثاني أن المصالحة ستفتح ملفات فاضحة بالنسبة له، من بينها السجون والمغيبون قسراً فيها، ومجهولو المصير أو من جرت تصفيتهم علناً وسُلّمت جثثهم لذويهم".

ويؤكد الأطرش أن "ملفات كبيرة لا تزال تقف في طريق المصالحة بسبب حجمها الخطر على شخصية حفتر وشخصيات أخرى، مثل ملف جرائم مقابر ترهونة وبنغازي ودرنة. وعلى الأقل أصبح ملف جرائم مقابر ترهونة ملف رأي عام دولي، وستكون هناك عثرات حقيقية أمام أي جهود مبذولة للمصالحة. وإذا جرى تجاوز قضية المقابر الجماعية فنتائج أي مصالحة ستكون موضع شكوك لدى المؤسسات الدولية والإنسانية والحقوقية".

المساهمون