تصاعد جرائم الأحداث في العراق: مشاريع لتطوير مراكز التأهيل

تصاعد جرائم الأحداث في العراق: مشاريع لتطوير مراكز التأهيل ودعوات لقانون ضبط جديد

15 فبراير 2022
الظاهرة نتاج سنوات طويلة من الإرهاب والفوضى الأمنية (مروان نعماني/فرانس برس)
+ الخط -

تواجه قوات الأمن العراقية في بغداد وعدد من مدن البلاد الرئيسة، تصاعداً ملحوظاً في نسبة الجرائم التي يتورط بها أحداث دون سنّ الثامنة عشرة، وتتنوع هذه الجرائم بين السرقة والقتل وتجارة الممنوعات والتورط بأعمال إرهابية وأخرى ضمن أنشطة مليشيات، انتهاءً بالشجار المفضي إلى جروح وإصابات.

وشهدت الأشهر الماضية تنظيم ورش عمل وندوات في جامعات ومراكز بحثية ودوائر أمنية، بالتعاون مع منظمات محلية وحقوقية لبحث الظاهرة ووضع حلول لها ورصد أسباب تناميها، لكنّ مسؤولين في وزارة الداخلية العراقية يؤكّدون أنّ تفشي الظاهرة إحدى نتائج سنوات طويلة من الإرهاب والفوضى الأمنية التي تلت الغزو الأميركي للبلاد، وما أفرزه ذلك من ظواهر كثيرة كان لها مردود سلبي على المجتمع العراقي.

وأمس الاثنين، أعلنت الشرطة العراقية في بغداد، مقتل امرأة على يد ابنتها. ووفقاً لتقرير أولي صدر عن الشرطة، فإنّ سيدة من مواليد عام 1981، قضت بإطلاق نار على يد ابنتها بعد سحب الضحية جهاز الهاتف من ابنتها عقوبةً لها.

وأضافت الشرطة، وفقاً لتقارير إعلامية عراقية، أنّ الفتاة اعتُقِلَت وأُودِعَت التوقيف، مع الإشارة إلى أنها بحالة نفسية غير مستقرة.

بينما قالت الشرطة في محافظة نينوى شماليّ البلاد، إنها اعتقلت 8 أشخاص متورطين بتجارة المخدرات، بينهم فتى في السادسة عشرة من العمر، خلال عملية ترويجهم لحبوب مخدّرة وبيعها في الموصل.

وسبق لوزارة العدل العراقية إعلان إطلاق سراح 90 حدثاً بعد انتهاء فترة محكوميتهم في السجن، الشهر الماضي، قالت إنّ من بينهم 10 أحداث أُطلِق سراحهم بالإفراج الشرطي، وذلك لحسن سلوكهم، وفقاً لبيان صدر عن الوزارة ونُشر على موقعها الإلكتروني.

وفي هذا السياق، تحدّث مسؤول عراقي في وزارة الداخلية ببغداد، عن أنّ نحو 25% من الجرائم يتورّط بها أحداث دون سنّ الثامنة عشرة، وهي تتضمن غالباً عمليات سرقة، إلى جانب جرائم أخرى خطرة مثل القتل والإرهاب وتجارة الحبوب المخدّرة والتسوّل والنصب والاحتيال والشجار باستعمال آلات حادة، وجرائم اعتداء، إضافة إلى التحرّش الجنسي.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الظاهرة لا تقتصر على منطقة أو مدينة معيّنة، بل هي تشمل كلّ مناطق العراق، بما فيها إقليم كردستان.

ويكشف المسؤول ذاته، أنّه "تمّ إصدار أحكام بعدد كبير من المتورّطين في تلك الجرائم، بينما تواجه السلطات في وزارة العدل، مشكلة تتركز حول خطورة دمج الأحداث في السجون مع مَن هم أكبر منهم، أو عدم فرز الأحداث حسب الجرائم التي ارتكبوها وطبيعة التأهيل الذي يتلقونه داخل السجن خلال فترة محكوميتهم، لذا هناك مشاريع لبناء مراكز تأهيل جديدة كافية لاستيعاب المشكلة".

ويؤكّد مختصون ومحامون عراقيون أنّ سبب تنامي ظاهرة الجريمة بين الأحداث، يعود بالمجمل إلى مشاكل نواتها الأولى العائلة، ومنها التفكّك الأسري وعمالة الأطفال المبكّرة والزجّ بهم في الشارع والانقطاع عن الدراسة.

ويقول الباحث في الشأن المجتمعي، وعضو جمعية "رفق" لحقوق الإنسان في بغداد، باسل الحلفي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن الجهات المسؤولة أن تتحدث عن أسباب ودوافع الجرائم فقط، وتتجاهل المعالجات والمسؤوليات التي تقع على عاتقها".

ويضيف الحلفي: "هناك عوامل كثيرة تدخل في تلك الجرائم، أكثرها يتعلّق بالأسرة ذاتها، وأغلب من تورّطوا بالجرائم كانت لهم أسر مفكّكة بطلاق الوالدين أو وفاة أو غياب أحدهم، أو ممّن نزلوا للشارع للعمل مبكراً وتعلّموا أسلوب ولغة الشارع وتركوا الدراسة. وللأسف، فإنّ السبب يبقى محصوراً في تقصير الوالدين بالتربية الصحيحة للأطفال والانشغال عنهم، وتركهم يعملون بمفردهم من الشارع دون نصح".

وشدد الحلفي على أنّ "هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدولة أيضاً، وخاصة المؤسسات التعليمية والتربوية والأمنية والإعلامية، في هذا الإطار".

ولفت إلى أنّ "جرائم الأحداث في تزايد، وهذا يعني أنّ هناك خطراً يهدد المجتمع، لذا فإننا نحتاج إلى تعاون مشترك، ما بين الشرطة المجتمعية والقضاء والأسرة والمنظمات المدنية وغيرها، لتثقيف المجتمع وتحذير الأسر، وزيادة وعيها التربوي والتعليمي، فضلاً عن إقامة ندوات في المدارس والجامعات، للتعريف بالجرائم المجتمعية، ومخاطرها وكيفية تحصين الأحداث من الانجرار وراءها".

وأشار الحلفي إلى أنّ "البيئة في البلاد، بشكل عام، باتت تنمي فكر العنف، ولا سيما لدى الشباب الذين هم أشد تأثراً، وذلك من خلال أعمال العنف اليومية، ووجود العصابات والفصائل المسلحة، وانتشار السلاح خارج إطار الدولة، ووجود قنوات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة لعصابات وفصائل مسلّحة، كلّها تعرض عمليات عنف وقتل وغير ذلك". ودعا الحكومة إلى "أخذ دورها بتحجيم تلك المخاطر التي تدفع الحدث إلى ارتكاب جرائم".

وفي تصريح سابق لمدير سجن الأحداث في بغداد، ولي الخفاجي، اعتبر أنّ "أهم أسباب تزايد جرائم الأحداث تعود إلى التفكك الأسري من جانب، وأصدقاء السوء من جانب آخر، وأنّ هذين الجانبين هما اللذان دفعا أغلب المتورطين بجرائم الأحداث، إلى ارتكابها".

ويضيف الخفاجي: "البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية، يمنعان العوائل من توفير الحياة الملائمة لأبنائهم، وهو ما يؤثر سلباً بتربيتهم وتعليمهم".

وأضاف: "كذلك إنّ انشغال الأهالي بأعمالهم وارتباطاتهم وابتعادهم عن أبنائهم، يدفعهم إلى اللجوء للمقاهي ومرافقة أصدقاء السوء الذين يقفون وراء 90% من جرائم الأحداث، بحسب دراسة أُعِدَّت أخيراً".

ويستعمل القانون العراقي المعروف بقانون العقوبات رقم 111، عبارة "جنوح الأحداث"، في التعامل مع الجرائم المرتكبة من هذه الفئة دون سن الثامنة عشرة، ويعطي القضاء صلاحية تحديد العقوبة المناسبة للجريمة وإخضاع المتورط فيها للتأهيل النفسي مع إكمال دراسته في الحبس.

لكن قانونيين يؤكّدون أنّ العراق بات بحاجة إلى قانون جديد للتعامل مع الظاهرة، يواكب التطورات الاجتماعية في البلاد. ويقول المحامي عباس الحسيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ تشريع قانون خاص بالتعامل مع الأحداث وحماية الأطفال عموماً من عمليات الاستغلال بمختلف أشكاله، بما فيها العمالة أو إهمالهم والتقصير معهم بالتعليم أو تعنيفهم، "هو حاجة".

وأضاف أنّ "القوانين الحالية لا تواكب التطوّر الحالي في المجتمع، ولا تعالج مشاكل وظواهر كثيرة طرأت بالسنوات الأخيرة وتسبّب جنوح الأحداث، إذ إنّ آخر تعديل على القانون كان سنة 1983".

المساهمون