تشكيك بدراسة "ذا لانسيت": لبنان الأعلى في إصابات السرطان ووفياته؟

29 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 16:36 (توقيت القدس)
من تحرّك سابق لمرضى سرطان في لبنان وسط انقطاع الأدوية، ديسمبر 2023 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توقعت دراسة في مجلة "ذا لانست" زيادة كبيرة في وفيات السرطان عالميًا بحلول 2050، مع تسجيل لبنان أعلى نسبة زيادة. شككت وزارة الصحة اللبنانية في دقة الأرقام، مشيرة إلى أن السجل الوطني بدأ في 2017، مما يثير تساؤلات حول البيانات المستخدمة.

- أعربت جهات صحية لبنانية عن قلقها من الأرقام غير الدقيقة، داعية الوزارة لتوضيحها لتجنب القلق العام، حيث بدأ توثيق الحالات بعد 1990.

- رغم الأزمة الاقتصادية، شهد لبنان تطورًا في تشخيص وعلاج السرطان، لكن ارتفاع الوفيات قد يرتبط بصعوبات علاج المقيمين غير اللبنانيين. الدراسة تؤكد أهمية التمويل لمكافحة السرطان عالميًا.

في دراسة أخيرة نشرتها مجلة "ذا لانست" الطبية حول السرطان حذّرت فيها من ارتفاع حاد متوقّع في الوفيات بحلول عام 2050، ذكرت البيانات أنّ لبنان سجّل نسبة الزيادة الكبرى على الإطلاق بين الدول في المعدّلات المعيارية للإصابة بـالسرطان والوفيات الناجمة عنه لكلا الجنسَين، خلال 33 عاماً.

وتثير دراسة "ذا لانسيت"، التي نُشرت في 24 سبتمبر/أيلول الجاري والتي تأتي تحت عنوان "العبء العالمي والإقليمي والوطني للسرطان، 1990-2023، مع توقّعات حتى عام 2050: تحليل منهجي لدراسة العبء العالمي للمرض 2023"، تساؤلات عديدة منذ صدورها، في حين تتهيأ وزارة الصحة العامة في لبنان لتفنيد ما ذُكر عن نسبة 80% المسجّلة في البلاد.

ووصفت جهات لبنانية معنية بالصحة البيانات التي تضمّنتها الدراسة بـ"المقلقة"، وقد شكّكت بها. في هذا الإطار، بيّن مصدر بوزارة الصحة العامة في لبنان لـ"العربي الجديد" أنّ تدوين "السجلّ الوطني للسرطان" الرسمي في البلاد لم يبدأ إلا في عام 2017، متسائلاً بالتالي: "كيف استندت مجلة ذا لانسيت إلى أرقام تعود إلى عام 1990؟". وأشار المصدر نفسه إلى أنّ الوزارة سوف تعقد مؤتمراً صحافياً في القريب لتوضيح ما يجري تداوله، من دون ذكر أيّ معلومات إضافية.

وكانت وسائل إعلام عدّة حول العالم قد تناولت بيانات هذه الدراسة، وممّا نشرته في هذا الإطار حلول لبنان في صدارة قائمة الدول العشرين التي سجّلت نسبة الزيادة الأكبر في معدّلات وفيات السرطان. ولفتت وسائل الإعلام تلك، من بينها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إلى أنّ "الباحثين، وبعد الأخذ في عين الاعتبار عامل السنّ الذي قد يؤدّي إلى تحريف النتائج، وجدوا أنّ لبنان شهد أكبر زيادة في إصابات السرطان والوفيات الناجمة عنه، خلال فترة 33 عاماً، وذلك بنسبة 80%".

وبحسب ما قال أكثر من خبير وطبيب متخصّص بالأورام في لبنان لـ"العربي الجديد"، فإنّ البيانات التي تضمّنتها دراسة "ذا لانسيت" بشأن السرطان في لبنان "غير دقيقة"، وقد أكدوا أنّ الباحثين لم يحصلوا على بيانات رسمية في هذا الخصوص لا من وزارة الصحة العامة التي تصدر "السجل الوطني للسرطان" ولا من مراكز أبحاث طبية في البلاد. ودعا هؤلاء الوزارة إلى توضيح الأرقام المنشورة، من أجل تجنّب إثارة القلق بين المواطنين.

في هذا السياق، بدا الطبيب المتخصص بأمراض الدم والأورام أحمد شحرور، من مستشفى "سان جورج" في الحدت بضاحية بيروت الجنوبية، حاسماً، عندما قال إنّ الدراسة المنشورة "غير دقيقة". وتساءل شحرور عن "المعايير المستخدمة في المقارنات" التي تضمّنتها الدراسة، وأشار إلى أنّ "من غير الممكن مقارنة وضع دول لا تمتلك سجلات طبية أو خدمات صحية متطوّرة بدول أخرى تمتلك نظام توثيق ومتابعة"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ توثيق حالات السرطان في لبنان لم يبدأ إلا بعد نحو 17 عاماً من 1990 المذكور في الدراسة. من هنا، شدّد شحرور على أنّ "البيانات الخاصة بلبنان صادمة وغير مفهومة"، مضيفاً أنّ "لا نحن بصفتنا متابعين ولا مراكز أبحاث لبنانية شاركنا في هذه الدراسة، ولا نعلم مصدر الأرقام".

وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية في لبنان الممتدّة منذ أكثر من خمسة أعوام، أوضح شحرور أنّ "ثمّة تطوراً علمياً وطبيّاً يُسجَّل في البلاد في مجال تشخيص الأورام وعلاجها"، وأنّ "الوعي الصحي لدى المواطنين وإقبالهم على الفحوصات الدورية ساهم في الكشف المبكر عن حالات وتحسين احتمالات العلاج". ولفت إلى "دور وزارة الصحة العامة في دعم المرضى عبر توفير العلاجات المناعية وكذلك الموجّهة".

وعن احتمال ارتفاع الوفيات الناجمة عن السرطان في لبنان، فقد ربطه شحرور بـ"وجود أعداد كبيرة من المقيمين غير اللبنانيين في البلاد، الذين تحول ظروفهم الاقتصادية دون حصولهم على العلاج اللازم. وتبقى الرعاية الطبية الشاملة لكلّ المقيمين على الأراضي اللبنانية غير مفعّلة بالطريقة المطلوبة". وفي حين بيّن شحرور أنّ سرطان الرئة هو الأكثر شيوعاً في لبنان بسبب التلوّث البيئي والتدخين، أشار إلى أنّ "تأثير الحرب الأخيرة على الأجيال المقبلة لن تظهر إلا بعد سنوات".

وفي مقدّمة دراستهم، أفاد الباحثون بأنّ "السرطان يُعَدّ سبباً رئيسياً للوفاة عالمياً"، وشدّدوا على أنّ "المعلومات الدقيقة حول عبء السرطان أمر بالغ الأهمية من أجل تخطيط السياسات (الصحية)، في حين تفتقر دول عدّة إلى بيانات محدّثة بخصوص رصد السرطان". وشرح هؤلاء، في "ذا لانسيت"، أنّه "بهدف إثراء جهود مكافحة السرطان عالمياً، استخدمنا إطار دراسة العبء العالمي للأمراض والإصابات وعوامل الخطر لعام 2023، وذلك في إعداد تقديرات عبء السرطان وتحليلها في ما يخصّ 47 نوعاً أو مجموعة من أنواع السرطان بحسب السنّ والجنس، و204 دولة ومنطقة حول العالم بين عامَي 1990 و2023، بالإضافة إلى عبء السرطان المنسوب إلى عوامل خطر محدّدة بين العامَين المذكورَين وكذلك عبء السرطان المتوقَّع حتى عام 2050".

وأوضح الباحثون في دراسة "ذا لانسيت" المذكورة أنّ الإصابات الجديدة بالسرطان على الصعيد العالمي، منذ عام 1990، بلغت 18.5 مليون إصابة في 2023، فيما ارتفع عدد الوفيات بنسبة 74% ليصل إلى 10.4 ملايين وفاة. وكما المتوقَّع، كان سرطان الثدي الأكثر تشخيصاً بين الأمراض السرطانية، فيما عُدّت سرطانات الرئة والقصبة الهوائية الأكثر تسبّباً في الوفاة.

وشدّد الباحثون في دراستهم على ضرورة تأمين إجراءات وتمويلات كافية لمعالجة الأمراض السرطانية، إذ يُتوقَّع أن يرتفع عدد الإصابات الجديدة بالسرطان عالمياً بنسبة تقارب 61% في الأعوام الـ25 المقبلة، ليصل إلى نحو 30.5 مليون إصابة بحلول عام 2050، فيما رُجّح ارتفاع عدد الوفيات السنوية بنسبة 75% ليبلغ نحو 18.5 مليون وفاة. وبينما يأتي هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً، لفت الباحثون إلى أنّ عدد الإصابات الجديدة في عام 2050 قد يتراوح ما بين 22.9 و38.9 مليون إصابة، في حين قد يتراوح عدد الوفيات ما بين 15.6 و21.5 مليون وفاة.

المساهمون