تشجير الجزائر... طوفان من مبادرات خضراء ومشاريع حكومية

02 يناير 2025
حملة تشجير في تيبازة، 21 نوفمبر 2020 (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد الجزائر تحولاً في الوعي البيئي مع تزايد المبادرات الخضراء بقيادة متطوعين مثل "الجزائر الخضراء"، وتهدف إلى تشجير المناطق المتضررة وتعزيز الثقافة البيئية بين الشباب.

- تدعم الحكومة الجزائرية هذه المبادرات من خلال مشاريع مثل إعادة بناء "السد الأخضر" واستحداث شركات شبابية، وتسعى للحصول على دعم مالي دولي لزيادة المساحات الخضراء إلى 4.7 ملايين هكتار بحلول 2035.

- تتزايد المبادرات الفردية والجماعية لمواجهة التغيرات المناخية، مثل مبادرات غرس الأشجار التي تعزز ثقافة التشجير وتدفع الشباب للاستثمار في مشاتل الأشجار.

تشهد الجزائر تحولاً لافتاً في الوعي الشعبي بالبيئة يترجمه تزايد حملات الناشطين وانضمام هيئات حكومية إليها. ويعكس ذلك أيضاً الشعور بالتغيّرات المناخية وتأثيراتها  

تشهد الجزائر منذ مدة طوفاناً من المبادرات الخضراء التي عمّت كل المدن والولايات، وتهدف إلى تشجير مساحات واسعة، بعضها في الصحراء، لحماية البيئة واستعادة التوازن فيها ومواجهة التغيّرات المناخية. 
وينفذ متطوعون وناشطون في مجال البيئة غالباً هذه المبادرات، التي تبنت بعضها هيئات حكومية شجعت على مواصلة تنفيذها للمساعدة في تعويض المساحات التي أتلفتها الحرائق في السنوات الأخيرة، والتي تجاوزت 140 ألف هكتار من الغابات.
وتعد مبادرة "الجزائر الخضراء" من بين الأبرز في المجال البيئي، وأطلقها الشاب فؤاد معلى الذي يتحدر من ولاية باتنة (شرق)، واستهلت بمشروع وطني بعنوان "أمام كل بيت شجرة"، ثم توسّع هذا المشروع، وبات يركز على تشجير المحيط العمراني في المدن والقرى والمناطق المحيطة بها، وزيادة الاهتمام بالبيئة في المناطق والأحياء السكنية.
ويجول فؤاد في مختلف مناطق الجزائر في إطار حملة توعية بأهمية الغابات وتشجير المناطق السكنية وغير السكنية، ويقدم نصائح حول طبيعة كل شجرة ومكانها المناسب، ويقود حملات لزراعة الأشجار والحفاظ على البيئة والغابات. وهو يستخدم بشكل جيد وسائل التواصل الاجتماعي، ويصوّر فيديوهات قصيرة عن الحملات البيئية ينهيها بجملة "خضراء بإذن الله" التي تحظى بشهرة كبيرة بين الناس. وساعدته وسائل التواصل الاجتماعي في إنشاء شبكة تضم نشطاء وجمعيات تستقبله في الولايات من أجل تنفيذ حملات غرس الأشجار.
ولقيت مبادرة فؤاد تشجيعاً منقطع النظير واهتماماً لافتاً، وحظيت بإطار قانوني ينظم عملها ونشاطها، وباتت تستخدم شاحنة مجهّزة لنقل شتل الأشجار الى الولايات البعيدة. ويقول فؤاد: "لاحظنا في الفترة الأخيرة ترسيخاً كبيراً للثقافة البيئية لدى الجزائريين. وحين نطوف البلاد، نرى مدى مساهمة كل الفئات، خاصة الأطفال والشباب، في عمليات غرس الأشجار، ما يعكس نتائج الجهد الكبير الذي نفذته الجمعيات الناشطة في المجال البيئي إلى جانب السلطات".
ويؤكد أن "السلطات تقدم مساعدات خاصة في مجال السقاية. وحالياً، لدينا مشتل خاص بالمبادرة في باتنة، كما نحصل على أشجار من محسنين ومتبرعين، ومن الجالية الجزائرية في الخارج التي تدعمنا وتوفر لنا تشجيعاً كبيراً. وقررنا إطلاق خطة لإنشاء مشتل في كل بلدية يسمح بتوفير أشجار في كل مكان وللجميع، علماً أننا نجحنا في تشجير غابات بأشجار مثمرة معمّرة مثل الزيتون والخروب، وهذه تجربة مهمة تمنح الغابات بعداً اقتصادياً إضافياً".

ومنذ مدة، أطلقت مبادرة "الجزائر الخضراء" حملة خاصة موجهة الى مدن الصحراء جنوبي الجزائر، بهدف غرس نصف مليون شجرة. وجرى غرس 20 ألف شجرة في الأسبوع الأول من إطلاقها، بينها 11 ألف شجرة في ولاية تقرت (جنوب شرق)، و12 ألف شجرة في ولاية ورقلة، وثلاثة آلاف شجرة في ولاية بشار. وهذه الولايات تقع في عمق الصحراء، وتحتاج إلى جهد بيئي مضاعف.
وتدرك الحكومة الجزائرية أن المبادرات البيئية التطوعية مهمة، لكن يجب تبنيها وفق مشروع يضع مسألة البيئة في صلب السياسات العامة. وفي منتصف إبريل/ نيسان الماضي، أعلنت الحكومة رسمياً قرار إعادة بناء "السد الأخضر" لوقف زحف الرمال، وأمر الرئيس عبد المجيد تبون بوضع خطة عاجلة لعملية إعادة بناء هذا السد، وتعميم الأشجار إلى مناطق الكثبان. 
وتلا ذلك اتخاذ الحكومة قرار استحداث شركات تضم شباناً تعمل في مجالي التشجير والريّ والعناية بالمساحات واستغلالها، وتتولى تنفيذ مشاريع لبناء مساحات بيئية، ودعت الجمعيات الأهلية والشبابية إلى المساعدة في تنفيذ الخطة، كما طالبت صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة ومنظمة الأغذية العالمية بمنح مبلغ 128 مليون دولار لتنفيذ مشروع "السد الأخضر" لزيادة غطاء الغابات إلى 4.7 ملايين هكتار بحلول عام 2035.

مساحة محترقة في منطقة القبائل (رياض كرامدي/ فرانس برس)
مساحة محترقة في منطقة القبائل (رياض كرامدي/ فرانس برس)

ويضم مشروع "السد الأخضر" الذي أطلقته الجزائر منتصف السبعينيات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، وأنجزته عبر جنود الخدمة الوطنية، جداراً من الأشجار ومحيطات بيئية تهدف إلى منع زحف الرمال إلى الشمال، وتثبيتها في مكانها، وزيادة استصلاح الأراضي، وتكثيف الغطاء النباتي في المناطق الصحراوية والسهوب التي تفصل بين الصحراء جنوبي البلاد والشمال. لكن السلطات المتعاقبة لم تجدد هذا السد الذي أدى تجاهله إلى مشكلات بيئية كبيرة، وسمح بتقدم رمال الصحراء إلى الشمال.
وقبل عامين، أطلق سمير فارس، وهو ناشط بيئي وإعلامي، مبادرة مع عدد من النشطاء لغرس مليون شجرة في ظروف صعبة تلت اندلاع حرائق مهولة. وحصلت المبادرة على تفاعل كبير، وتبنتها جهات عدة. ويبدي فارس سعادته الكبيرة بتبني الحكومة وإطلاقها مبادرة إعادة إنجاز وترميم "السد الأخضر"، خاصة في مناطق السهوب وسط البلاد والصحراء في الجنوب.
ويقول سمير لـ"العربي الجديد": "بعد تجارب عدة تتعلق بمبادرات المليون شجرة والمليون ونصف مليون شجرة، طرحت الدولة ممثلة بشركة سوناطراك مشروع إعادة إحياء السد الأخضر من خلال غرس 420 مليون شجرة  في السنوات العشر القادمة، في إطار رؤية بيئية واقتصادية واجتماعية مماثلة لما يحدث في بعض بلدان مثل السعودية وباكستان من أجل التقليل من حجم الانبعاثات، ومواجهة تحديات المناخ ضمن الالتزامات الدولية".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويصف سمير زخم المبادرات البيئية في كل المدن والبلدات في الفترة الأخيرة بأنه "صحوة كبيرة على المستوى الشعبي، وتجارب فردية وجماعية ناجحة في ولايات عدة، ويربطها بالتغيّرات المناخية التي بات يشعر بها الناس من اشتداد درجات الحرارة فوق معدلات فصل الصيف، وانتشار الحرائق بشكل غير مسبوق ما يتسبب في سقوط ضحايا في كل صيف، وهذا يجعلهم يشعرون بضرورة التحرك لمواجهة هذا الواقع الجديد".
ويقول: "انطلقت دعوات كثيرة لتشجير المساحات المحترقة، ثم توسّعت العملية، وأصبحت ثقافة في المجتمع، ونشأت جمعيات تعنى بهذا الشأن، واستثمر شبان كثيرون في مشاتل الأشجار بعدما صار هناك طلباً كبيراً عليها، وتخصص أشخاص في أنواع معينة مثل الخروب والزيتون".

المساهمون