تزايد ملحوظ لأعداد المهاجرين الغرقى قبالة سواحل ليبيا
استمع إلى الملخص
- تتباين مواقف السلطات الليبية بين الشرق والغرب، حيث يُتهم الشرق باستخدام المهاجرين للضغط على أوروبا، بينما يحاول الغرب إظهار قدرته على إدارة الأزمة، وسط انتقادات لتسييس القضية.
- يحذر المحامي الليبي أبو بكر بلوزة من تحول ليبيا إلى مخزن للمهاجرين، مشددًا على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية للهجرة بدلاً من إدارة الأعراض فقط.
شهدت الشواطئ الليبية في الفترة من مطلع يوليو/تموز الماضي حتى أوائل أغسطس/آب الحالي، سلسلة متتالية من مآسي غرق المهاجرين التي تكشف عن زيادة تدفقهم عبر الحدود المفتوحة للبلاد، في مشهد يطرح تساؤلات حول فعالية الإجراءات المتخذة، مع تأكيدات حول تأثير العوامل السياسية على سبل إدارة الأزمة.
وفي 3 أغسطس الحالي، أعلنت الإدارة العامة لأمن السواحل الليبية إنقاذ 58 مهاجراً من جنسيات أفريقية تقطعت بهم السبل قبالة سواحل مدينة زوارة في أقصى الغرب، بعد تعطل قاربهم لأربعة أيام، قبل العثور عليه في عرض البحر، ونقل من كانوا على متنه إلى أحد موانئ العاصمة طرابلس.
وقبل يوم واحد، تمكنت السلطات الليبية بالتنسيق مع سفن إنقاذ دولية من إنقاذ 37 مهاجراً، أغلبهم من الجنسية السودانية، كانوا على وشك الغرق على متن قارب مطاطي، ونقلوا إلى إحدى سفن الإنقاذ الدولية لتلقي الرعاية، قبل أن يتسلمهم خفر السواحل الليبي.
وفي نهاية يوليو الماضي، غرق قارب مهاجرين قبالة مدينة طبرق، ما أسفر عن مقتل 18 مهاجراً على الأقل، واختفاء نحو 50 آخرين، مع العثور على عشرة ناجين فقط، ووصفت المنظمة الدولية للهجرة الحادث بأنه "تذكير صارخ بالمخاطر المميتة التي يجبر المهاجرون على خوضها"، مشيرة إلى استمرار ليبيا "نقطة عبور رئيسية".
وفي 27 يوليو، أعلن فرع أمن السواحل في طبرق، انتشال 15 جثة لمهاجرين غرقى بعد انقلاب قاربهم وإنقاذ 10 آخرين، وكان غالبية الضحايا من مصر والسودان.
وشهدت السواحل الغربية عدة عمليات إنقاذ من دون وقوع وفيات، إذ أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، في 25 يوليو الماضي، إنقاذ 54 مهاجراً قبالة شواطئ القربوللي. وفي 6 يوليو، أعلنت إنقاذ 22 مهاجراً من جنسيات مختلفة قبالة ساحل الزاوية غرب طرابلس، وفي اليوم الذي سبقه أُنقِذ 39 مهاجراً قبالة ساحل شرقي طرابلس. وأشارت الوزارة إلى أن هذه الوقائع جاءت في إطار خطة لتكثيف الدوريات البحرية خلال فصل الصيف.
ويلفت المحامي المهتم بقضايا الهجرة السرية، أبو بكر بلوزة، إلى تباين واضح في الوقائع بين الساحلين الشرقي والغربي، معتبراً أن أزمة المهاجرين باتت تأخذ منحى تصاعدياً في الاستغلال السياسي لها. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "سلطات حفتر تتحكم بالحدود الجنوبية التي يعبر من خلالها المهاجرون، ما يستلزم مسؤوليتها عن ضبطها، لكنها لا تفعل، بات واضحاً أنها تتخذ المهاجرين وسيلة للضغط على أوروبا".
وأعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في بنغازي، في 4 يوليو الماضي، تشكيل غرفة أمنية مشتركة مع خفر السواحل التابع لحكومة الشرق، بهدف "وضع آلية تنسيقية متكاملة للحد من الهجرة غير الشرعية". لكن المحامي بلوزة يصف هذا الاجراء بأنه "ذر للرماد في العيون"، مستشهداً بإعلان حكومة مجلس النواب طرد وفد أوروبي رفيع كان على رأسه المفوض العام لشؤون الهجرة بالاتحاد الأوروبي، بزعم عدم وجود تأشيرات لدخولهم، رغم أن الوفد جاء إلى بنغازي قادماً من طرابلس بعد مناقشات حول التعاون في ملف الهجرة مع مسؤولين حكوميين هناك.
وتكررت اتهامات مسؤولين إيطاليين ويونانيين لسلطات قوات حفتر بالوقوف وراء ارتفاع أعداد المهاجرين المتجهين إلى شواطئ البلدين الأوروبيين، مع إشارات إلى استغلال الملف في الابتزاز السياسي.
لكن الأمر لا يقتصر على سلطات الشرق، فالسلطات في غرب البلاد أيضاً متهمة باستغلال ملف الهجرة، ويشير بلوزة إلى أن "خطط الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، والتي أظهرت تعاملاً يأخذ منحى عمليات الإنقاذ، هي محاولة لإرسال رسائل تبرز قدرتها على التعامل مع الملف في إطار مصالحها".
ويضيف المحامي الليبي: "الطرفان يحاولان تسييس مآسي المهاجرين، ويتجاهلان ما يتعرضون له خلال رحلتهم، والأسباب التي تدفعهم للمخاطرة بحياتهم، وهو ما لا تلتفت إليه أيضاً الدول الأوروبية التي تدعي أنها تنشر سفن الإنقاذ قبالة الشواطئ الليبية، بينما مهمتها هي اعتراضهم، وإعادتهم إلى ليبيا، حيث يودعون في مراكز إيواء مكتظة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، أو يعاد استغلالهم من قبل المهربين بإعادتهم إلى نقطة بداية رحلة الهجرة".
ويختتم بتحذير مفاده أن "ليبيا هي الأكثر تضرراً من الأزمة، إذ تتحول إلى مخزن كبير للمهاجرين يتضخم يومياً، وقد ينفجر الوضع في أي لحظة، وعندها ستكون السيطرة عليه مستحيلة، وعند محاولة إدارته ستتزايد مآسي المهاجرين الذين لن يجدوا سبيلاً للعيش، ما لم تتحول الجهود من إدارة الأعراض إلى معالجة الجذور، بعيداً عن حسابات القوة وصراعات النفوذ".