استمع إلى الملخص
- يتضمن البرنامج تعديلات قانونية لتمويله عبر صندوق تشجيع التضامن، ويشمل منح مالية للمولود الأول والثاني والثالث، مع إجراءات صارمة ضد المعلومات غير الصحيحة، وتشجيع الزواج عبر قروض ومنح.
- تسعى الحكومة لتعزيز استقرار الأسرة بإعلان عام 2025 عامًا للأسرة، وتقديم تسهيلات تشمل استشارات للأزواج، ودعم سكني، وخدمات رعاية الأطفال، لتعزيز الروابط بين الأجيال واستقرار المجتمع.
تبدو الخيارات محددة ومحدودة أمام تركيا في مواجهة مخاطر الشيخوخة والدولة العجوز بعدما تراجعت نسبة الإنجاب والنمو السكاني مقابل زيادة نسب الطلاق، ما أثار مخاوف من تغيّر وجه تركيا الشاب ومواجهتها مشكلات تتعدى التغيّر الديمغرافي وانحسار شريحة الشباب إلى انخفاض الإنتاج وزيادة تكاليف الإنفاق على كبار السن. ودفع ذلك حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إطلاق برنامج جديد أقرّه البرلمان لدعم الولادة يمنح حوافز مالية للعائلات التي تستقبل مواليد بدءاً من مطلع العام الحالي.
وجرى تعديل المادة المتعلقة بمساعدات الولادة ضمن "قانون خدمات الشباب والرياضة" وقوانين ومراسيم أخرى من أجل تمويل البرنامج عبر صندوق تشجيع التضامن والمساعدات الاجتماعية من دون فرض أي ضرائب أو استقطاع مبالغ من المساعدات المقدمة. وتمنع التعديلات حجز هذه الأموال لأي سبب من خلال منح الرئيس صلاحية تعديل مبالغ المساعدات وزيادتها وفق الحاجة.
تصف الباحثة في جامعة محمد الفاتح، عائشة نور، في حديثها لـ"العربي الجديد"، البرنامج الجديد بأنه "خطوة استراتيجية وضرورية تضمن التوازن الديمغرافي بعدما زادت ملامح تراجع الإنجاب وارتفاع نسبة المسنين، ما يُعيق، في حال استمر هذا المنحى، معظم أهداف تركيا التي تتطلع إلى احتلال مراكز متقدمة عالمية في مجالات التعليم والإنتاج والابتكارات".
وتشرح عائشة آلية الحصول على الدعم المالي للإنجاب، بالقول: "بعدما أعلنت وزيرة الأسر والخدمات الاجتماعية ماهنور أوزدمير غوكطاش البرنامج، وأنه تحوّل إلى قانون أقرّه بالبرلمان ونشر في الجريدة الرسمية، بات يستطيع أي مواطن الإفادة منه والحصول على مبلغ 5 آلاف ليرة (130 دولاراً) لمرة واحدة، للمولود الأول، و1500 ليرة (40 دولاراً) للمولود الثاني كل شهر، و5000 ليرة للمولود الثالث شهرياً. ولا يشمل ذلك من يعيشون في الداخل فقط، بل يستفيد منه الأتراك في خارج البلاد بعد تقديم الوثائق المطلوبة للسفارات والقنصليات".
تضيف: "من يقدم معلومات غير صحيحة بهدف الحصول على المساعدة سيُلزم بإعادة المبالغ التي حصل عليها مع فوائد تأخير. وفي حال عدم التسديد خلال شهر تتولى مديريات الضرائب تحصيل المستحقات بموجب القانون رقم 6183". وتوضح أن "نسبة العنوسة تزداد في تركيا، كما أن نهج إنجاب طفل أو طفلين بدأ يسري على الأسر جراء ارتفاع تكاليف المعيشة، لذا أقرّت المنح الخاصة بتشجيع الإنجاب وميزات أخرى تتعلق بالرعاية الصحية والضمان، وذلك بالتوازي مع تشجيع الزواج عبر قروض ومنح وخفض أسعار الأثاث المنزلي وتقسيطه. وتؤكد أن صندوق الأسرة والشباب في الولايات التركية الـ81 يُقدم قروضاً بنحو 150 ألف ليرة (3941 دولاراً)، وأيضاً قروضاً معفية من الفوائد من المصارف، كما يدعم تجهيز المنازل".
ويُجمع أتراك على أن ارتفاع التكاليف سبب أساسي في العزوف عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة وانتشار المساكنة، فتلك لتوفير منزل وفرشه بأثاث تزيد عن 500 ألف ليرة (13.200 دولار)، بحسب ما تقول ميراي ألتن باش التي تسكن في حي بيلك دوزو بإسطنبول. تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد": "ارتفاع أسعار المنازل والإيجارات وتلك للأثاث والأدوات الكهربائية أعذار طبيعية لتأخير الشبان الزواج، وأيضاً لتردد الأهل في دعم أولادهم للإقدام على الخطوبة رغم أن هواجس ارتفاع قيمة المهر ليست من طباع الأتراك".
وتذكر أن "عادة نقوط الأصدقاء والأقرباء في حفل العرس من أهم العوامل التي تشجع الزواج بحسب العادات الاجتماعية المستمرة، وقد تغطي معظم نفقات العرس وأحياناً تأسيس المنزل". وقد لاحظت الحكومة التركية أخيراً أن ارتفاع أسعار الأثاث المنزلي يُعيق الإقدام على تأسيس منزل والزواج، فوقعت وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية بروتوكولات مع القطاع الخاص لإطلاق حملات تخفيضات واسعة في قطاعات الأثاث والأدوات المنزلية والأجهزة الصغيرة. وبلغت نسبة هذه التخفيضات 35% على الأثاث ونحو 50% على الأدوات المنزلية والكهربائية.
وتشمل "باقات الزواج" غرف النوم والطعام والجلوس بأسعار تراوح بين 80 ألف ليرة (2120 دولاراً) و195 ألف ليرة (5140 دولاراً)، كما أن هناك حسومات بنسبة 10% على هذه الباقات، بينما تصل الحسومات على باقي الأثاث إلى 35% لصالح الأزواج الجدد. ويقول رئيس اتحاد جمعيات الأثاث في تركيا، أحمد غوليتش، إن "جميع الأعضاء سيدعمون الحملة، وقد تختلف نسب الحسومات بين الشركات، لكنها ستُطبَّق لصالح الشبان المقبلين على الزواج، علماً أن إبريل/ نيسان الجاري هو موسم بدء حفلات الزفاف".
أيضاً أعلن رئيس جمعية تجار الأدوات المنزلية مسعود أكسوز إطلاق حملة تخفيضات باسم "مهرجان تجهيزات العرائس"، وقال إنه "سيُصبح حدثاً سنوياً في إبريل يشهد تقديم شركات حسومات تصل إلى 50%، ويشبه موسم التخفيضات المعروف باسم الجمعة السوداء".
ولم تستثن التخفيضات والمساعدات التي تستهدف المقبلين على الزواج قطاع النقل، إذ أعلنت شركات الحافلات بين المدن حسومات تصل إلى 40% للمسافرين الذين يحملون اسم العائلة نفسه أو يمكنهم إثبات علاقتهم العائلية شرط أن يراوح عددهم بين شخصين وأربعة أشخاص. كما بدأت الخطوط الجوية التركية تقديم حسم بنسبة 15% على الرحلات الداخلية حتى نهاية العام الحالي.
ويقول الباحث في مركز إسطنبول للدراسات، محمد كامل ديميريل، لـ"العربي الجديد": "التوازن السكاني ومواجهة العنوسة وشيخوخة الدولة أمور استراتيجية. ولا يقتصر الدعم على المال والقروض الميسرة، بل يشمل خدمات إضافية من بينها تقديم استشارات للأزواج ودعم سكني، وتوسيع خدمات رعاية الأطفال المجانية أو منخفضة التكلفة للآباء العاملين، والأهم تعزيز العمل المرن وعن بُعد لتسهيل التوازن بين الحياة الأسرية والمهنية، إضافة إلى توفير إمكانيات طبية لتشجيع الإنجاب".
يضيف: "استشعار المخاطر على الأسر التقليدية دفع الدولة إلى إعلان 2025 عام الأسرة لتعزيز استقرار المجتمع، ومواجهة التحديات المتزايدة في ما يتعلق بالنمو السكاني والتركيبة الديمغرافية، ومعالجة انخفاض معدلات الخصوبة والزواج، وتقوية الروابط بين الأجيال في مواجهة تحديات العصر".
يتابع: "إذا استثنينا مخاطر تحييد النوع الاجتماعي من شذوذ جنسي وانحرافات ومساكنة وسواها التي تهدد بنية الأسرة، فلا بدّ من أن ندق ناقوس الخطر من انخفاض معدل الخصوبة الذي تراجع من 2.38 عام 2001 إلى 1.51 اليوم، بينما يبلغ مستوى التجدد السكاني المطلوب 2.1، في حين انخفض معدل النمو السكاني السنوي من 7 بالألف عام 2022 إلى 1.1 بالألف العام الماضي. ويحصل ذلك بالتوازي مع ارتفاع نسبة المسنين إلى 10% بتركيا للمرة الأولى، ومتوسط العمر إلى 34".
وفي شأن تشجيع الزواج ودعم الإنجاب الحكومي وتسهيلات القطاع الخاص، يرى ديميريل أن تركيا أعلنت هذه الاستراتيجية بعدما ارتفع سن زواج النساء إلى 26 عاماً والرجال إلى 28 عاماً، في حين تجاوزت سن الأمومة الأولى 29، وأيضاً بعدما ارتفعت نسب الطلاق وصولاً إلى 33.4% خلال السنوات الخمس الأولى للزواج، و21.7% بين العامين السادس والعاشر من الزواج.
وكانت غوكطاش أكدت خلال إطلاق عام الأسرة أن "الإجراءات تستند إلى الدستور الذي يعتبر الأسرة المؤسسة الأساسية للمجتمع، ويؤكد ضرورة اتخاذ الدولة كل التدابير المطلوبة لضمان رفاه الأسرة واستقرارها، لأن التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها العصر الحالي، وبينها تلك الديمغرافية وزيادة النزعة الفردية، تؤثر مباشرة على بنية الأسرة ووظائفها، ما استدعى وضع سياسات متكاملة ومستدامة لحمايتها وتعزيزها".
وأشارت الوزيرة إلى أن الخطة تعتمد على تنفيذ وثيقة رؤية حماية وتعزيز الأسرة وخطة العمل (2024-2028) التي أُعدت بموجب التعميم الرئاسي رقم 6 الصادر عام 2024. وتعمل هذه الوثيقة لمواجهة المخاطر التي تهدد الأسرة، وتعزيز بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، وزيادة الوعي المجتمعي بأهميتها". وقالت: "يلعب مجلس تنسيق حماية وتعزيز الأسرة الذي يضم وزراء العدل والداخلية والصحة ورئاسة الشؤون الدينية، دوراً محورياً في ضمان التكامل بين مختلف الجهات، كي يصبح عام 2025 محطة محورية لتعزيز القيم العائلية ودعم الشباب وتطوير سياسات شاملة تساهم في استقرار الأسرة التركية وتحقيق رفاهيتها على المدى البعيد".