استمع إلى الملخص
- زادت حملات التفتيش والاعتقالات للمهاجرين غير الشرعيين، مما أثر على الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على العمالة المهاجرة، حيث يعيش أكثر من 11 مليون مقيم غير موثق في خوف دائم.
- توسعت وزارة الأمن الداخلي في استخدام "الإبعاد السريع"، مما أثر على المهاجرين من مختلف الجنسيات وزاد من عدم الاستقرار والقلق بين المجتمعات المهاجرة.
تستهدف إدارة الرئيس دونالد ترامب إبعاد مئات آلاف المهاجرين الذين صدرت ضدهم أوامر ترحيل، ومن بينهم آلاف العرب، إضافة إلى مقيمين دخلوا إلى البلاد خلال العامين الأخيرين، وحصلوا على "إفراج مؤقت".
قبل أقل من عام، وصل أحمد من موريتانيا إلى حدود المكسيك، في رحلة استغرقت عدة أشهر قطعها مع رفاقه بمساعدة عصابات تهريب البشر في مقابل آلاف الدولارات التي استعارها هو وأسرته من آخرين، والتي لم يكن يعرف كيفية سدادها حال أصيب بمكروه خلال رحلة الهجرة.
فور وصوله إلى الحدود، سلم أحمد نفسه لإدارة الهجرة الأميركية، من دون أن يعرف ما الذي سيحدث لاحقاً، ليجري تحديد موعد جلسة محكمة له، وإطلاق سراحه ضمن ما يعرف ببرنامج "إطلاق السراح المشروط"، والذي يلزمه بحضور جلسة المحكمة للنظر في أمر طلبه باللجوء، ثم وصل إلى ولاية فيرجينا، وبدأ العمل في أحد محلات الحلاقة، في فرصة عمل وفرها صديق له جاء قبل أشهر فقط بنفس الطريقة.
منذ تولى دونالد ترامب الرئاسة، يخشى أحمد مغادرة الحجرة التي يقيم فيها مع مهاجر آخر، وقد سمع خلال الأيام الماضية بقرارات وزارة الأمن الأميركية التي تلغي برنامج "إطلاق السراح المشروط" بأثر رجعي، ما يؤثر على مئات الآلاف ممن سمحت لهم إدارة بايدن بدخول البلاد ضمن وعد بالنظر في حالاتهم، والذين حصلوا على رقم الضمان الاجتماعي، وبدأوا العمل في انتظار قرار المحكمة، ثم وجدوا أنفسهم فجأة تحت مقصلة أوامر الرئيس ترامب.
يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "لسنا مجرمين، ولم نفعل أي شيء يخالف القانون. قيل لنا إنه يمكننا الدخول عبر الحدود، والحصول على جلسة أمام المحكمة، وفجأة سمعنا أن الأوراق الرسمية التي حصلنا عليها من إدارة الهجرة لا تحمينا من الاعتقال. سمعت عن أشخاص قرروا التوجه إلى مكاتب إدارة الهجرة للسؤال عن أوراقهم، فتم القبض عليهم، وسألت أحد المحامين، وكانت إجابته أن الإجراءات تتغير سريعاً، وبالتالي علينا انتظار المعلومات الدقيقة".
ترحيل المهاجرين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية
ومنذ وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، تستهدف إدارته الوفاء بوعده الانتخابي الخاص بترحيل المهاجرين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، والذين يصفهم ترامب بـ"المجرمين" و"مغتصبي النساء".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت إدارة الهجرة بناء على طلب من الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب حينها، رصداً بأعداد الذين صدرت ضدهم أوامر نهائية بالترحيل، أي أنهم مسجلون، ولدى الحكومة عناوينهم وبيانتهم، لكنهم ليسوا محتجزين، وصدرت أوامر ترحيلهم لأسباب منها عدم استيفاء شروط اللجوء، أو ارتكاب جريمة، وتجاوز العدد 1.445 مليون. كما تم استهداف مجموعات أخرى ممن دخلوا البلاد خلال العامين الأخيرين، وتجاوز عددهم مليوني مهاجر.
وتصدرت دولة هندوراس قائمة المهاجرين الصادرة ضدهم أحكام بالترحيل بـ261 ألفاً و651 شخصاً، تلتها غواتيمالا بـ253 ألفاً و413، ثم المكسيك بـ252 ألفاً و44، والسلفادور بـ203 آلاف و822، ثم نيكاراغوا بـ45 ألفاً و995 مهاجراً. في حين بلغ عدد مواطني الدول العربية الذين صدرت أوامر بترحيلهم نحو 13 ألفاً، على رأسهم نحو 4 آلاف من الصومال، و3800 من موريتانيا، و1660 من الأردن، و1450 من مصر، و1299 من العراق، و1055 من لبنان، و1012 من السودان، و337 من السعودية.
أما المهاجرون المعرضون للترحيل من الدول الأوروبية فمن بينهم 1157 من المملكة المتحدة، و3103 من تركيا، و120 من السويد، و402 من فرنسا، و45 من الدنمارك، و571 من ألمانيا، و355 من إيطاليا، إضافة إلى 1708 من أفغانستان، و17940 من الهند، و2618 من إيران، و4267 من إندونيسيا، و1229 من كوريا، و7760 من باكستان.
وبالنسبة لمهاجري أفريقيا، فهناك 1689 من السنغال، و3690 من نيجيريا، و3228 من غانا، و1713 من إثيوبيا. وكان من بين المفاجآت أن هناك 1290 كندياً صدرت ضدهم أحكام ترحيل، وأيضاً 1148 إسرائيلياً، و3518 روسياً.
وتسببت حملات ترامب في مختلف الولايات في حالة من الرعب بين المهاجرين السريين، قرر عشرات الآلاف البقاء في منازلهم، خاصة مع تنفيذ إدارتي الهجرة وأمن الحدود حملات تفتيش، والسؤال عن تصاريح العمل.
توضح مهاجرة طلبت عدم ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أنها جاءت من غواتيمالا عبر الحدود قبل نحو ثلاث سنوات، لكنها قررت أخيراً عدم الذهاب إلى العمل بسبب الخوف من ترحيلها، خصوصاً بعد القبض على أحد أصدقائها من المكسيك في مكان العمل. تقول: "لم يكن لديه تصريح عمل، وهو مقيم من دون أوراق، ولا نعرف تفاصيل ما سيحدث معه بعد القبض عليه".
وتقدر الأرقام الرسمية وجود أكثر من 11 مليون مقيم لا يحملون أوراقاً ثبوتية داخل الولايات المتحدة، ويعمل هؤلاء في الوظائف الدنيا التي لا يعمل فيها الأميركيون من أصول بيضاء، مثل أعمال رصف الطرق، وتوصيل الطلبات للفنادق والمنازل، والزراعة، ورعاية الأطفال وغيرها، ويحصلون على مرتبات ضئيلة مقارنة بالجهد الذي يبذلونه.
ورغم أن القانون الأميركي لا يسمح بترحيل من قضوا سنوات داخل البلاد من دون اللجوء إلى القضاء، إلا أن محامين كشفوا عن حالات ترحيل مشابهة. يقول محمد عصمت، وهو محام أميركي من أصول تركية، إنه ينصح جميع المهاجرين بأن يحملوا أي أوراق تثبت أنهم مقيمون في البلاد لمدة تتجاوز العامين، وأن يتركوا نسخاً منها لدى آخرين، وبالتواصل مع المنظمات الحقوقية حال القبض عليهم.
من جانبه، طالب "مركز قوانين الهجرة" في مذكرة توضيحية، المهاجرين بعدم الإجابة عن الأسئلة التي تخص حالاتهم، والاستعانة بمحام أو إحدى المنظمات التي لديها محامون متطوعون، وقال المركز: "لا تدع موظفي الهجرة يدخلون منزلك، ولا تخرج إليهم. يجب أن يكون لدى الموظف مذكرة موقعة من قاضٍ. لا تصدق قولهم إنهم يحققون في جريمة، أو يحتاجون إلى إلقاء نظرة سريعة، أو الدخول للتحدث. ننصح المهاجرين حال وجودهم في العمل بعدم الكذب، وعدم الهرب، وعدم الإدلاء بمعلومات عن أوضاعهم، خاصة أن القانون لا يلزمهم بالإجابة عن أسئلة قوات إنفاذ القانون".
ولا يتحدث الكثير من المهاجرين القادمين من الدول اللاتينية أي لغة غير الإسبانية، وكثيرون ليس لديهم أموال للاستعانة بأحد المحامين. يحكي خوسيه، القادم من المكسيك لـ"العربي الجديد"، أنه يعمل في أحد مطاعم العاصمة واشنطن، وأنه توقف عن العمل منذ تولي الرئيس ترامب خشية الترحيل. يقول: "توقف العديد من العمال عن الذهاب إلى العمل. الأعمال تضررت كثيراً، فالأميركيون من أصول لاتينية يشعرون بالرعب، لذا لا يذهبون للأكل في المطاعم، ما يؤثر على مستوى دخل صاحب المطعم".
بدوره، يشير طارق، وهو أميركي من أصول مصرية يعمل بأحد المحال في ولاية فيرجينيا، إلى أنه لاحظ قلة ذوي الأصول اللاتينية الذين يترددون على المحل، ويرجع الأمر إلى حالة الذعر المنتشرة بينهم، والتي تسببت فيها قرارات ترامب.
وتسببت الأوامر التنفيذية الخاصة بترحيل المهاجرين في حالة من العزوف عن السفر الداخلي، رغم سماح بعض الولايات بحصول المقيمين الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية على رخص قيادة وبطاقة هوية، وتزامن هذا مع قرارات لوزارة الأمن الداخلي التي وسّعت استخدام ما يُطلق عليه "الإبعاد السريع"، والذي يسمح بترحيل سريع للمهاجرين الذين دخلوا إلى البلاد عبر الحدود من دون الحصول على تأشيرة، وذلك من دون السماح لهم بالحق في المثول أمام قاضي الهجرة.
وفي العادة، حين تقوم هيئة إنفاذ قوانين الهجرة الأميركية، وهيئة الجمارك وحماية الحدود باعتقال الأشخاص داخل الولايات المتحدة، فإن هذا الشخص يخضع للقوانين الأميركية، وبالتالي تكون لديه فرصة اللجوء للقضاء قبل ترحيله، غير أن الصلاحيات الجديدة تسمح للهيئتين بترحيل المهاجرين من دون رؤية قاض على الإطلاق.
وكانت الهيئتان تستخدمان سلطة الإبعاد ضمن مسافة 100 ميل فقط من الحدود، وخلال مدة أسبوعين من الوصول إلى الولايات المتحدة، غير أن الصلاحيات الجديدة تسمح بترحيل أي مقيم لا يمتلك أوراقاً ثبوتية، ولا يستطيع إثبات وجوده في الولايات المتحدة لمدة عامين قبل اعتقاله.
كما بدأت وزارة الأمن الداخلي التوسع في استخدام سلطة الترحيل، ليس فقط ضد الأشخاص الذين دخلوا عبر الحدود من دون أوراق ثبوتية وليس لهم وجود على النظام، وإنما أيضاً ضد هؤلاء الذين منحتهم قرار "الإفراج المشروط"، والذي يعني أن هؤلاء حصلوا على سماح مؤقت بالدخول الفعلي أو البقاء في الولايات المتحدة، وكان يتم منحه لكل حالة على حدة لأسباب إنسانية أو منفعة عامة.