استمع إلى الملخص
- يُعتبر التراجع في الاعتقال الاحتياطي تقدماً نحو تحقيق التوازن بين حماية المجتمع وضمان الحريات الفردية، مع تعزيز آليات المحاكمة العادلة وتطوير العقوبات البديلة مثل السوار الإلكتروني.
- رغم التقدم، تظل أزمة اكتظاظ السجون مقلقة، ويطالب الحقوقيون بتغيير القانون الجنائي ودمج العقوبات البديلة لضمان احترام حقوق السجناء.
لاقى تراجع الاعتقال الاحتياطي في المغرب بصورة غير مسبوقة في عام 2024 ترحيباً حقوقياً، في حين بيّن تقرير برلماني أنّ اكتظاظ سجون المغرب أزمة مستمرّة في ظلّ مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي من دون ترشيد وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنيّة. وكان الوكيل العام لملك المغرب محمد السادس لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، قد أعلن أنّ نسبة الاعتقال الاحتياطي بلغت 32.56% حتى نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، واصفاً إياها بأنّها "نسبة غير مسبوقة"، في مقابل نسبة 37.56% في الفترة نفسها من السنة الماضية. وأوضح الداكي، في كلمة ألقاها بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2025، أمس الأربعاء، أنّ هذا التحوّل يعكس "الاهتمام البالغ الذي توليه السلطة القضائية لموضوع ترشيد الاعتقال الاحتياطي، والبتّ في قضايا المعتقلين في آجال معقولة".
وفي المغرب، يدخل 20 ألف شخص السجون ويغادرونها بعد صدور أحكام بالبراءة في حقّهم، بعدما يقضون أشهراً في الاعتقال الاحتياطي، وفقاً لما أوضحه المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الدمج محمد صالح التامك في تصريحات سابقة. يُذكر أنّ المعنيّين بالاعتقال الاحتياطي، بحسب القانون المغربي، هم الأشخاص المودَعون في السجون من دون صدور حكم قضائي في حقّهم بعد، وذلك إمّا لاستكمال مرحلة التحقيق وإمّا في انتظار استكمال محاكمتهم.
في هذا الإطار، يقول رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية) عادل تشيكيطو لـ"العربي الجديد" إنّ "تراجع نسبة الاعتقال الاحتياطي في المغرب في عام 2024 يمثّل خطوة إيجابية من منظور حقوقي، ويعكس تحوّلاً في السياسات الجنائية نحو تعزيز حماية الحقوق الفردية والالتزام بمبادئ العدالة". ويوضح تشيكيطو أنّ "الاعتقال الاحتياطي، على الرغم من ضرورته في بعض الحالات، يبقى إجراءً استثنائياً في التشريعات الدولية والوطنية، ويجب ألا يُستخدَم إلا في حالات مبرّرة تتطلّبها خطورة الأفعال أو ضمان سير العدالة".
ويشرح تشيكيطو أنّ "من الناحية الحقوقية، يدلّ تخفيض نسبة الاعتقال الاحتياطي على وعي متزايد بضرورة تحقيق التوازن ما بين حماية المجتمع وضمان احترام الحريات الفردية"، لافتاً إلى أنّ "اكتظاظ السجون المغربية ارتبط على مدى سنوات طويلة بارتفاع معدّلات الاعتقال الاحتياطي، الأمر الذي أثقل كاهل المنظومة السجنيّة وأدّى إلى انتهاكات محتملة لحقوق السجناء". ويؤكد أنّ "التراجع المسجّل يُظهر تقدّماً في الحدّ من هذه المشكلة، ويعكس تحسّناً في تطبيق التدابير البديلة والرقابة القضائية"، ويحذّر من أنّ "على الرغم من ذلك، لا يمكن التغاضي عن التحديات التي ما زالت قائمة".
ويشدّد رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان على "ضرورة تعزيز آليات المحاكمة العادلة وضمان تسريع وتيرة البتّ في القضايا لتجنّب الاحتجاز الطويل، على أن تترافق هذه الخطوة مع تطوير منظومة العقوبات البديلة واعتماد تدابير فعّالة، من قبيل السوار الإلكتروني والخدمة المجتمعية، بما يضمن احترام حقوق الإنسان ويحقّق العدالة التصالحية". يضيف تشيكيطو أنّ "التقارير الحقوقية تشير إلى ضرورة مراقبة هذه الإجراءات للتأكد من شفافيتها وفعاليتها، مع تعزيز الرقابة المستقلة لضمان عدم تجاوز القواعد القانونية. كذلك فإنّ تخفيض الاعتقال الاحتياطي يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية شاملة لإصلاح منظومة العدالة بما يعزّز الثقة بها". لكنّ تشيكيطو يؤكّد أنّ "في المجمل، يُعَدّ تراجع نسبة الاعتقال الاحتياطي مؤشّراً إيجابياً إلى التزام المغرب بمعايير حقوق الإنسان، لكنّ ذلك يبقى خطوة تحتاج إلى متابعة مستمرّة لضمان ديمومتها وتحقيق أهدافها في إطار إصلاح عميق وشامل للعدالة الجنائية".
وكان تقرير برلماني قد نُشر في يوليو/ تموز من عام 2020 حول أوضاع السجون، شمل ثلاث مؤسسات سجنية، قد لفت إلى أنّ الاكتظاظ أزمة مستمرّة في ظلّ مواصلة اعتماد آلية الاعتقال الاحتياطي من دون ترشيد وعدم توفير بدائل للعقوبات السجنية. ويقول رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية) إدريس السدراوي لـ"العربي الجديد" إنّ "ظاهرة اكتظاظ السجون في المغرب صارت جدّ مقلقة، ولا يمكن حلّها ببناء مزيد من المؤسسات السجنية لأنّ ذلك يتطلّب ميزانيات ضخمة".
ويوضح السدراوي أنّ "الاعتقال الاحتياطي من أبرز أسباب هذه الظاهرة، بالإضافة إلى القانون الجنائي الذي يتضمّن عقوبات طويلة الأمد، وتغيب فيه مقاربة التصالح والعقوبات البديلة، الأمر الذي يؤدّي إلى صعوبة دمج السجناء وارتفاع نسبة العودة (إلى السجن)". يضيف أنّ "تقارير دولية عديدة صارت تشجب ذلك وتطالب الحكومة المغربية بإيجاد حلّ لهذا الاكتظاظ الذي يمسّ بحقوق السجناء وموظّفي السجون وعائلات السجناء خلال الزيارة". ويشير الحقوقي المغربي إلى أنّ "مع تأكيد المغرب التزامه بتجاوز المشكلة، فإنّ الأمور تزداد تفاقماً، على الرغم من بناء مؤسسات سجنية جديدة". ويرى أنّ هذا الوضع يقتضي "تغيير القانون الجنائي والمسطرة الجنائية من خلال دمج العقوبات البديلة وملاءمة القوانين الوطنية مع الالتزامات الدولية بمقاربة تشاركية مع كلّ الأطراف المعنيّة".