استمع إلى الملخص
- بعد وقف إطلاق النار، استمرت معاناة اللبنانيين بسبب الأضرار الجسيمة، ووثقت المنظمة جرائم حرب مفترضة، داعيةً إلى تعويض المتضررين وضمان حقوقهم في السكن والتعليم.
- تعهدت الدول المانحة بتقديم مساعدات، لكن الأضرار المادية بلغت 3.4 مليارات دولار، مع تدمير 60 مدرسة و68 مستشفى، مما أثر على 1.5 مليون طفل.
أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بأنّ تدمير إسرائيل البنية التحتية المدنية الحيوية في لبنان في خلال عدوانها الأخير الذي تصاعد في سبتمبر/أيلول 2024، يمنع عشرات آلاف المواطنين من العودة إلى منازلهم. وكانت الاعتداءات الإسرائيلية التي بدأت عند حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قد طاولت خصوصاً محافظتَي الجنوب والنبطية (جنوب) ومحافظتَي بعلبك-الهرمل والبقاع (شرق) بالإضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية، لتصل كذلك إلى قلب العاصمة وإلى مناطق أخرى.
وتفيد بيانات المنظمة الحقوقية بأنّ الهجمات الإسرائيلية على لبنان قتلت، ما بين أكتوبر 2023 وديسمبر/كانون الأول 2024، "أكثر من أربعة آلاف شخص وهجّرت أكثر من مليون". من جهته، يبيّن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنّ "عشرات آلاف الوحدات السكنية والشركات والمؤسسات الزراعية تضرّرت في مختلف أنحاء لبنان"، وقد نتج قسم كبير من الأضرار عن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي "الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة" بحسب ما جاء في تقرير أخير نشرته "هيون رايتس ووتش" اليوم الاثنين.
Israeli attacks in southern Lebanon destroyed vast swathes of critical civilian infrastructure and public services, preventing tens of thousands of Lebanese from returning to their homes for lack of water, electricity, telecommunications, or healthcare. https://t.co/YGZ4BZDJuj
— Kenneth Roth (@KenRoth) February 17, 2025
ومنذ تاريخ سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أفادت التقارير ذات الصلة أنّ الهجمات الإسرائيلية على لبنان قتلت 57 شخصاً على أقلّ تقدير، من بينهم 26 شخصاً على الأقلّ كانوا يحاولون العودة إلى القرى التي ما زال الجيش الإسرائيلي يحتلها. وحتى الخامس من فبراير/شباط 2025، كانت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة قد أحصت نحو مئة ألف نازح في البلاد هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية. ورأت "هيومن رايتس ووتش" وجوب أن يتمكّن المتضررون من الحرب من الحصول على حقوقهم في التعويضات والسكن والتعليم والكهرباء والمياه والرعاية الصحية، من بين أمور أخرى.
ويقول باحث لبنان لدى "هيومن رايتس ووتش" رمزي قيس إنّ "تعمُّد إسرائيل هدم منازل المدنيين والبنية التحتية المدنية واستخدام الأسلحة المتفجّرة في المناطق المأهولة يجعل من المستحيل على كثيرين من السكان العودة إلى قراهم ومنازلهم"، يضيف: "حتى لو كانت منازلهم ما زالت موجودة، كيف سيعودون مع انعدام المياه والكهرباء والاتصالات والبنية التحتية الصحية؟". في الإطار نفسه، نقلت المنظمة عن مدير جمعية "إسعاف النبطية" مهدي صادق قوله إنّ "على الدول المانحة إعطاء الأولوية للخدمات التي تمكّن السكان من العودة والعيش في قراهم".
يُذكر أنّه في الوقت الذي كان فيه لبنان تحت النيران الإسرائيلية، في أكتوبر 2024، "تعهّدت الدول المانحة بتقديم أكثر من 750 مليون دولار أميركي مساعدات إنسانية لدعمه"، بحسب "هيومن رايتس ووتش". لكنّ تقديرات البنك الدولي، في نوفمبر 2024، أشارت إلى أنّ "أضرار البنى المادية وحدها" المرتبطة بالحرب تبلغ 3.4 مليارات دولار، مع تضرّر أو تدمير نحو مئة ألف وحدة سكنية في البلاد.
وبعد توقّف الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، زار باحثون من "هيومن رايتس ووتش" ضاحية بيروت الجنوبية ومدينتَي النبطية وصور في جنوب لبنان، أواخرَ نوفمبر 2024 وفي ديسمبر من العام نفسه. والتقوا 12 مواطناً من سكان تلك المناطق، من بينهم مسؤولون في المدينتَين وعمّال طوارئ ومديرو مدارس وموظفون في محطات مياه وأصحاب متاجر، حاولوا رسم الصّورة. وشرح صادق من "إسعاف النبطية"، في 30 نوفمبر الماضي: "لم نتمكّن في خلال الأيام الثلاثة الماضية (منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ) من العثور على أيّ شيء نأكله هنا. اختفت المتاجر والمطاعم، وكذلك البنوك وكلّ محلات المواد الغذائية والصيدليات"، وأردف أحد عمال الطوارئ في النبطية: "لا يمكن لأيّ كان العودة الآن"، متسائلاً "أين سيسكنون؟".
وتؤكد "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها الأخير، أنّ للقصف، سواءً الجوي أو المدفعي، الذي استهدف مختلف المناطق السكنية، "آثارٌ غير مباشرة طويلة الأمد"، أو "يتردّد صداها"، قد تخلّف أضراراً لدى المدنيين على مدى سنوات من "انتهاء النزاعات"، وتشرح أنّ "الأسلحة المتفجّرة تتسبّب في إتلاف البنية التحتية المدنية الحيوية أو تدميرها، ما يعرقل لاحقاً تقديم الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم، ما ينتهك بدوره حقوق الإنسان".
وقد وثّقت "هيومن رايتس ووتش"، بحسب ما تبيّن في تقريرها الصادر اليوم، "سلسلة من جرائم الحرب المفترضة والهجمات غير القانونية" التي شنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي، من بينها "هجمات تبدو متعمّدة على الصحافيين وقوات حفظ السلام والمسعفين والأعيان المدنيّة، بالإضافة إلى الاستخدام غير القانوني للأجهزة المفخّخة والفسفور الأبيض الذي أُطلق بالمدفعية على المناطق السكنية المأهولة".
ويرى قيس أنّه "مع الحرمان من السكن والمياه والكهرباء، تستمرّ معاناة مئات الآلاف في لبنان من جرّاء عواقب الحرب، ومع استمرار تعاون لبنان مع الدول المانحة في جهود إعادة الإعمار، ينبغي إعطاء الأولوية لإعادة بناء البنية التحتية الحيوية وتوفير الخدمات العامة بشكل شفّاف وخاضع للمساءلة وخالٍ من الفساد".
وضمّنت المنظمة الحقوقية تقريرها بيانات صادرةً عن وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية تُعنى بالشأن الإنساني. وأفادت، على سبيل المثال، بأنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بيّن تضرّر 83 مؤسسة تعليمية و36 منشأة صحية و40 منشأة مياه و18 منشأة اتصالات و36 منشأة كهرباء عامة في مناطق النبطية وبنت جبيل وصور جنوبي لبنان، وفي بعلبك شرقي البلاد، وبعبدا في الوسط، بالإضافة إلى 48% من المؤسسات التجارية في تلك المناطق.
في سياق متصل، نقلت "هيومن رايتس ووتش" عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أنّ طفلاً واحداً من كلّ ثلاثة أطفال في سنّ التعليم في لبنان انقطع عن المدرسة في خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وشدّدت "يونيسف" على وجوب أن تعطي حكومة لبنان الأولوية للتعليم والالتزام "بتخصيص ميزانية عادلة وكفوءة لضمان حصول كلّ طفل، لا سيّما الأكثر هشاشة، على تعليم آمن وعالي الجودة ويشمل الجميع".
وفي البيانات التي نقلتها "هيومن رايتس ووتش" عن منظمة "سايف ذا تشلدرن" (أنقذوا الأطفال)، فقد دمّرت إسرائيل 60 مدرسة على الأقلّ منذ سبتمبر 2024، فيما أُغلقت كلّ مدارس لبنان تقريباً في أثناء تصعيد جيش الاحتلال أعماله العدائية (سبتمبر-نوفمبر 2024)، الأمر الذي أثّر على نحو 1.5 مليون طفل، وأضافت "سايف ذا تشلدرن" أنّه ما بين سبتمبر 2024 ونوفمبر منه، توقّفت 77% من المدارس الحكومية عن العمل بسبب موقعها في مناطق النزاع أو بسبب استخدامها ملاجئ جماعية للنازحين.
كذلك نقلت "هيومن رايتس ووتش" عن وزارة الصحة العامة في لبنان أنّ إسرائيل قتلت أكثر من 240 عاملاً صحياً، وألحقت الضرر بـ68 مستشفى على الأقلّ و63 مركزاً للرعاية الصحية الأولية و177 سيارة إسعاف. وفي الإطار نفسه، تسبّبت 47% من الهجمات الإسرائيلية على مرافق الرعاية الصحية في لبنان بوفيات، وهي أعلى نسبة يسجّلها أيّ نزاع نشط آخر حالياً.