تحذيرات أممية من وفيات أطفال السودان.. وناجون من الفاشر يروون قصص الهروب والجوع
استمع إلى الملخص
- تشهد مدينة الفاشر صراعاً عنيفاً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف ونقص حاد في الإمدادات الغذائية، مما أجبر البعض على تناول علف الحيوانات.
- يواجه الناجون من الفاشر أوضاعاً إنسانية صعبة، مع تفشي الأمراض ونقص الإمدادات الطبية، بينما يروي الناجون قصصاً مروعة عن الهروب من العنف.
متحدث أممي: السودان يواجه أكبر أزمة غذائية في العالم
أكثر من 3.2 ملايين طفل يعانون من سوء تغذية حاد بالسودان
20 منطقة في السودان معرضة لخطر المجاعة
قال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ريكاردو بيريس، الثلاثاء، إن الأطفال في السودان يموتون يومياً لأسباب يمكن الوقاية منها، مثل الأمراض، ونقص المياه الآمنة، وغياب إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية، إضافة إلى استمرار الاشتباكات.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندماير، في مكتب الأمم المتحدة بجنيف. وأوضح بيريس أن السودان يواجه أكبر أزمة غذائية في العالم. وأضاف أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 3.2 ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد بالسودان، فيما يعاني أكثر من 772 ألف طفل من سوء تغذية حاد شديد، ما يتطلب علاجا عاجلا لمنع الوفاة.
بدوره، قال ليندماير إن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابع للأمم المتحدة أكد وجود مجاعة في الفاشر، التي تشهد اشتباكات في السودان، وفي كادوقلي جنوبي كردفان. وأضاف أن 20 منطقة أخرى في السودان معرضة لخطر المجاعة. وتابع "التقديرات تشير إلى أن نحو 21.2 مليون شخص في السودان، أي 45% من السكان، سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في سبتمبر/ أيلول 2025".
ويشهد السودان منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 صراعاً عنيفاً بين الجيش وقوات الدعم السريع المدعومة من جهات خارجية. وبعد قتالٍ عنيف، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور غربي البلاد في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ووثقت مقاطع فيديو نشرها عناصر من قوات الدعم السريع لحظات تهجير المدنيين قسراً، وقتل وتعذيب عدد كبير من الأشخاص العزَّل في المدينة التي فرّ منها عشرات الآلاف من الأشخاص.
ناجون من الفاشر يروون قصص الهروب والجوع
في إحدى العيادات الطبية بولاية شمال دارفور في السودان، حيث يرقد عشرات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية على أسرّة نقالة ورجال مصابون بجروح تغطيها الضمادات بانتظار الخضوع لعمليات جراحية، تحدّث المرضى عن رحلات الهروب البائسة من مدينة الفاشر، بعد أن استولت عليها قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي.
وهؤلاء بعض من بين ما يصل إلى عشرة آلاف شخص وصلوا إلى طويلة، بعد فرارهم إثر استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر القريبة، ويتلقون حالياً العلاج في العيادة التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود.
كانت مدينة الفاشر، التي تفشّت فيها المجاعة، آخر معقل للجيش السوداني في إقليم دارفور شاسع المساحة بغرب السودان، قبل أن تسقط في يد قوات الدعم السريع بعد حصار دام 18 شهراً. وأفاد شهود بوقوع عمليات قتل جماعي عقب استيلاء الدعم السريع على الفاشر، ولا يزال عدد من سكان المدينة في عداد المفقودين.
شكّلت السيطرة على الفاشر نقطة تحول في الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام بين قوات الدعم السريع والجيش. فقد أدى الحصار إلى قطع الإمدادات الغذائية، ما أرغم عدداً من السكان على تناول علف الحيوانات أثناء بحثهم عن ملاذ للاحتماء من الطائرات المسيرة والقصف.
الفرار على عربات تجرها الحمير
إضافة إلى أولئك الذين وصلوا إلى طويلة، يُعتقد أن أكثر من 60 ألف شخص آخرين فرّوا من الفاشر، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، على الرغم من أن أماكن وجودهم غير واضحة. وقد يكون ما يصل إلى 200 ألف شخص ما زالوا محاصرين داخل المدينة، وفقاً لتقديرات سكان.
ودعا قائد قوات الدعم السريع مقاتليه إلى حماية المدنيين، وقال إن الانتهاكات ستُلاحق قضائياً. وكانت جماعات حقوقية ومسؤولون أميركيون قد اتهموا قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بالتطهير العرقي في دارفور في وقت سابق من النزاع.
ووصف اثنان من المرضى في عيادة منظمة أطباء بلا حدود الأوضاع المزرية داخل الفاشر في روايات لرويترز. وقالت إحداهما، والتي أوضحت أن اسمها فطومة، إنها عُهد إليها برعاية ثلاثة أطفال تيتّموا بعد مقتل والديهم وشقيقهم في غارة لطائرة مسيرة بينما كانوا يحضّرون وجبة طعام. وكان أصغرهم، وهو رضيع نحيف لا يتجاوز عمره 40 يوماً، يرقد بين ذراعيها باكياً. وكانت أخته التي تجلس بالقرب منه قد أصيبت في ساقها بشظية أثناء فرارها في محاولة الاختباء.
أخرجت فطومة الطفلين من المدينة على عربة يجرّها حمار مع مصابين آخرين قبل سقوط الفاشر مباشرة، لكنها صادفت جنود قوات الدعم السريع على الطريق. قالت: "أجبرونا على وضع الطفل الرضيع على الأرض وأجبرونا جميعاً على الانبطاح أرضاً، وأخذوا كل ما لدينا". تمكنت في النهاية من إحضار الطفل إلى عيادة منظمة أطباء بلا حدود.
المجاعة وسوء التغذية
قال المنسق بمنظمة أطباء بلا حدود، سيلفان بينيكو، إن حوالي 170 طفلاً آخرين وصلوا إلى طويلة من دون مرافقين، وكان جميع الأطفال الذين فحصتهم المنظمة يعانون من سوء التغذية. وأضاف "يصل الناس وهم يعانون من الهزال الشديد". ووجد مرصد عالمي لمراقبة الجوع، أمس الاثنين، أن الفاشر كانت تعاني من المجاعة قبل سقوطها، وأن من المتوقع أن تستمر هذه الظروف حتى يناير/ كانون الثاني.
وقالت منى حنبلي، وهي عضو في فريق منظمة أطباء بلا حدود، إن العيادة استقبلت ما يقرب من ألف حالة إصابة ناجمة عن الهجمات على الطريق، وكذلك من داخل الفاشر. وكان آخر مستشفى قائم في المدينة يتعرض لهجوم مستمر وقد حُرم من المضادات الحيوية والشاش، وهي أوضاع ترتب عليها عدم استقرار الكسور والتهاب الجروح، ما يتطلّب عمليات جراحية جديدة.
وأفاد مريض آخر يُدعى عبد الله إنّه هرب من الفاشر وسط القصف المكثف وإطلاق النار. وأضاف "خرج الناس في حالة من الفوضى، يحملون الأطفال، بعضهم في عربات تدفع باليد، والبعض الآخر على عربات تجرها الحمير، وآخرون سيراً على الأقدام. وأوضح "لم يكن هناك أحد غير مصاب، الجميع كانوا مصابين".
وقال عبد الله، الذي ينتظر إجراء عملية جراحية في عيادة منظمة أطباء بلا حدود بعد إصابته بعدة طلقات نارية، إنه رأى ما يقدر بأكثر من ألف جثة على الطريق. وأضاف "هناك من قتلهم العطش، وآخرون مرهقون، وناس قتلهم الجروح والنزيف". ولم تتمكن رويترز من التحقق من روايته بشكل مستقل.
وصرّح موظفو أطباء بلا حدود بأنه مع وصول عدد صغير جداً فقط ممن بقوا في الفاشر إلى طويلة، لا تزال الإمدادات الطبية متوفرة بكثرة ولكن المياه والمراحيض أقل. وكانت الكوليرا قد تفشّت في طويلة خلال موسم الأمطار، وقال بينيكو إنه سُجلت حالة جديدة يوم الأحد، رغم أنه لم يتضح ما إذا كانت حالة معزولة أو نتيجةً لتفشي المرض من جديد.
(الأناضول، رويترز)