تجفيف التين... مهنة متوارثة في أرياف الجزائر

18 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 02:00 (توقيت القدس)
موسم سنوي لقطاف التين وتجفيفه (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُمارس تقليد جني وتجفيف التين في المناطق الجبلية بتيبازة وتيزي أوزو وبجاية وسطيف، حيث يجمع التين الناضج ويُجفف تحت الشمس لضمان جودة المنتج.
- مع تزايد أهمية تجفيف التين كمورد مالي، انتقلت بعض العائلات لاستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الأفران والمجففات الكهربائية لتحسين الجودة والنظافة.
- يُعتبر التين المجفف ذا قيمة غذائية واقتصادية كبيرة، والجزائر تمتلك إمكانيات لتطوير صناعته بفضل البرامج الحكومية، مما يعزز فرص التصدير.

في سفوح جبال بني مناصر وبني ميلك في ولاية تيبازة التي تبعد 120 كيلومتراً من غرب العاصمة الجزائرية، وأعالي مناطق القرى الجبلية بمحافظات تيزي أوزو وبجاية وسطيف (شرق)، تنتشر مع نهاية فصل الصيف وبداية فصل الخريف، رائحة التين الناضج الذي تجمعه عائلات من الحقول في ساعات الصباح الباكر، ويوضع في أكياس ثم  يُفرز في الفترة المسائية لانتقاء "الحبات الذهبية" التي تجفّف صباحاً تحت أشعة الشمس فوق أسطح البيوت أو في ساحات واسعة مفروشة بقش أو حصير.
مثل كل المنتجات الفلاحية التي ارتبطت بالإنسان وبطبيعة العيش في الريف، يبدأ الفلاحون موسماً جديداً مليئاً بالتحدي واللمّة العائلية لانتقاء حبات التين من الحقول تمهيداً لتجفيفها في عملية متوارثة منذ عشرات السنين.
ويبدأ موسم جني التين في معظم المناطق الجزائرية في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، بحسب النوع المخصص للتجفيف. من منطقة إيعزابن بمحافظة تيبازة، يقول حكيم مواسي لـ"العربي الجديد": "يُنقل التين إلى فناء المنزل حيث يجتمع أفراد العائلة لاختيار الحبات المناسبة، ثم تنتقل العملية إلى مرحلة التجفيف التقليدي، حيث يُفرش التين فوق السطح على حصائر من قصب أو قماش لأيام تحت أشعة الشمس. وقد تبدو عملية التجفيف سهلة وبسيطة، لكنها تتطلب مهارة خاصة في اختيار التين المناسب وتنظيفه ومراقبة درجة التجفيف لتجنّب تعفنه".
ومن منطقة سيدي عيش في بجاية، يقول سعدي مزاحم لـ"العربي الجديد": "تعلمنا هذا العمل من آبائنا وأجدادنا، وحافظنا عليه بمثابة تراث. لا نحتاج إلا إلى الشمس والنية، والباقي تفعله الطبيعة. نختار التين الناضج تماماً من دون أن يكون مهترئاً، ونحرص على أن تكون الثمار سليمة وخالية من الحشرات". يضيف: "تُغسل الثمار برفق لإزالة الغبار والسلق الخفيف، كما يغطس لثوانٍ في ماء ساخن يضاف إليه قليل من الزيت أو الملح من أجل قتل البكتيريا وتسريع التجفيف، وبعدها توضع الثمار على حصائر من الديس والصب الرقيق، أو على أسرة خشبية في مكان مشمس وجاف. كما تغطى الثمار بشباك دقيقة أو قماش شفاف لحمايتها من الحشرات، وتُقلب يومياً لضمان حصول عملية جفاف متجانس. وتختلف مدة التجفيف من منطقة إلى أخرى بحسب درجة الحرارة وسطوع الشمس والتقلبات المناخية، وهي تتراوح غالباً بين 15 و20 يوماً".

المنتجات الفلاحية التقليدية ذات قيمة غذائية واقتصادية، 8 إبريل 2011 (Getty)
المنتجات الفلاحية التقليدية ذات قيمة غذائية واقتصادية، 8 إبريل 2011 (Getty)

وباعتبار أن هذا النشاط أصبح مورداً مالياً مهماً لكثير من العائلات، فقد خرج من دائرة التقليد، وبات يعتمد على التكنولوجيا. يقول المستثمر في القطاع الفلاحي، محمد عواد، لـ"العربي الجديد": "تستخدم عملية تجفيف التين، مثل الطماطم والمشمش والبرقوق، أساليب التجفيف الصناعي التي تستعمل الأفران أو المجففات الكهربائية.
وجلبت مؤسسات ناشئة آلات تجفيف صناعي ضمن مشاريع صغيرة أنشأتها. وتُضبط الأفران على درجة حرارة  بين 50 و60 درجة مئوية لمدة تتراوح بين 10 و20 ساعة، والنتيجة سرعة التجفيف، ونظافة أعلى، وقدرة أكبر على التحكم في الجودة، لكن تكلفة الاستثمارات مرتفعة. وبعد التجفيف تُترك الثمار كي تبرد، وتُخزّن في أكياس قماشية أو صناديق خشبية، وأيضاً في جرار زجاجية مع قليل من الزيت أو أوراق الغار لحمايتها من الحشرات".
وعلى غرار العديد من المنتجات الفلاحية التقليدية يعتبر التين ذا قيمة غذائية واقتصادية كبيرة، ومن بين الفواكه المطلوبة للوجبات الصحية الكاملة، بسبب غناه بالفيتامينات والمواد الطبيعية وبالألياف والكالسيوم والحديد ومضادات الأكسدة التي تساعد الجسم على النمو السليم في ظل الانتشار الكبير للأمراض الناجمة عن الاستهلاك المفرط للوجبات السريعة والمحفوظة التي تحتوي على مضافات كيميائية.

ومع ارتفاع الطلب العالمي على الأغذية الطبيعية والصحية، أصبح التين الجزائري بفضل نكهته المميزة وجودته العالية منافساً لمنتجات في بلدان رائدة، مثل تركيا والمغرب، ما يجعله مطلوباً في الأسواق المحلية والدولية. ويُباع الكيلوغرام الواحد من التين المجفّف بأسعار تتراوح بين 15 و20 دولاراً بحسب الجودة والمنطقة.
ويرى الخبير الفلاحي محمد طاهر سالم أن الجزائر تملك إمكانيات كبيرة لتطوير صناعة التين المجفف، في ظل توفر المناخ الملائم ووفرة الإنتاج، خاصة في ظل البرامج التي اتبعتها الدولة لتشجيع سكان المناطق الجبلية على العودة لخدمة الأرض، والقرارات المتخذة في ما يتعلق باستغلال أراضي الغابات في الفلاحة الجبلية. ويؤكد عواد أن الاستثمار في التجفيف الصناعي والتسويق الحديث قد يحوّل هذا المنتج إلى سلعة تصدير مربحة تضاهي نظيراتها من تركيا أو تونس.

المساهمون