تاج محل.. جوهرة العمارة الهندية في مرمى الهندوس المتشددين

تاج محل.. جوهرة العمارة الهندية في مرمى الهندوس المتشددين

20 مايو 2022
تحوّل تاج محل إلى رمز عالمي للحبّ الأبدي ويتدفّق إليه الملايين (باوان شارما/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد ثلاثين عاماً من تدمير متشدّدين مسجداً عمره قرون في أيوديا، شمالي الهند، وقد أثاروا أعمال عنف طائفية دامية أسفرت عن مقتل آلاف الأشخاص، يستهدف متشدّدون هندوس مواقع إسلامية أخرى، من بينها ضريح تاج محل الذي يُعَدّ جوهرة معمارية ورمزاً للبلاد في عيون العالم.

يركّز أنصار "هندوتفا" (التفوق الهندوسي) حالياً على مسجد جيانفابي الذي أنشئ في القرن السابع عشر بمدينة فاراناسي القديمة (بيناريس أو كاشي سابقاً) في ولاية أوتار براديش، شمالي البلاد. ووفق تقارير صحافية، أجريت في الأسبوع الماضي حفريات بأمر محكمة في موقع المسجد كشفت عن "شيفا لينغا"، وهو تمثال لكائن يُعَدّ "رمزاً" للإله شيفا.

وقال الوزير كوشال كيشور، من حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الذي يتزعّمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إنّ "ذلك يعني أنّه موقع معبد" وأنّه لا بدّ من أن تُتاح للهندوس الصلاة فيه.

وباتت تُمنَع على المسلمين ممارسة طقوس الوضوء المعتادة في المكان الذي عُثر فيه على التمثال الهندوسي. ويخشى المسلمون من أن يشهد المسجد ما آل إليه مسجد بابري في مدينة أيوديا الذي شُيّد في القرن السادس عشر. فبعد تدمير هذا المسجد في عام 1992، اندلعت أعمال عنف طائفية تُعَدّ من بين الأسوأ في تاريخ الهند منذ استقلالها، قضى خلالها أكثر من ألفَي شخص، معظمهم من المسلمين. وهزّت تلك الأحداث الأسس العلمانية للبلاد وفرضت القومية الهندوسية قوّة سياسية مهيمنة، الأمر الذي مهّد لانتخاب مودي في عام 2014 لقيادة البلاد التي يعتنق 200 مليون من مواطنيها الإسلام.

الصورة
تاج محل وحراسة أمنية (باوان شارما/ فرانس برس)
تاج محل تحت حراسة أمنية (باوان شارما/ فرانس برس)

"هنا معبد شيفا"

منذ ثمانينيات القرن الماضي، دعم حزب "بهاراتيا جاناتا" بحماسة كبيرة بناء معبد مخصّص للإله راما (الصورة الرمزية لفيشنو) في موقع المسجد نفسه، وقد وضع مودي حجر أساسه في عام 2020. وبعدها، تحوّلت أنظار المتشدّدين الهندوس إلى ضريح تاج محل الذي شيّده المغول خلال حكمهم معظم أراضي شبه القارة الهندية في الفترة الممتدة ما بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر، علماً أنّه أُدرج على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي، وخاضوا تحرّكات من أجل الحصول على الحقّ بالصلاة فيه، بحجّة أنّه بني في موقع حرم قديم مخصّص للإله شيفا.

وبحسب ما يقول المتحدث باسم منظمة "ماهاسابها" الهندوسية المتشدّدة سانجاي جات لوكالة فرانس برس، فقد بُني تاج محل في أغرا بأوتار براديش (شمال)، فوق معبد مخصّص لشيفا "دمّره الغزاة المغول".

لكنّ الضريح الذي شُيّد ما بين عام 1631 وعام 1648 تلبية لطلب الإمبراطور المغولي شاه جهان لتخليد ذكرى زوجته الراحلة ممتاز محل، تحوّل إلى رمز عالمي للحبّ الأبدي وأحد المعالم السياحية الرئيسية في البلاد التي يتدفّق إليها الملايين سنوياً.

"سندمّر تاج محل"

لطالما أثارت حقيقة أنّ تاج محل يرمز إلى الهند في عيون العالم غضب الهندوس المتشدّدين، وصاروا يبوحون بغضبهم إلى درجة تهديد سلامته حالياً. ويؤكد جات لـ"فرانس برس": "سوف أواصل الكفاح من أجل ذلك حتى أموت. نحترم المحاكم، لكنّه إذا لزم الأمر، سوف ندمّر تاج محل ونثبت وجود معبد هناك"، مقراً ضمنيا بأنّ هذا الادعاء لا أساس له من الصحة.

وقد قدّم أحد أعضاء حزب "بهاراتيا جاناتا" في أوتار براديش، في شهر مايو/ أيار الجاري، التماساً لإجبار وكالة الآثار الهندية على فتح 20 غرفة في تاج محل يُزعم أنّها تحتوي على تماثيل هندوسية. لكنّ الهيئة نفت وجود تماثيل ورفضت المحكمة الالتماس.

وترى الأستاذة المساعدة في تاريخ جنوب آسيا بجامعة "روتجرز" الأميركية أودري تروشكي أنّ احتمال صحة تلك الادعاءات "مشابه تماماً للزعم بأنّ الأرض مسطحة". وتوضح تروشكي، لوكالة فرانس برس، أنّ أيّ "نظرية متماسكة" لم تُطرَح حول هذا الزعم بشأن تاج محل الذي تعدّه تعبيراً عن "فخر قومي غاضب وهشّ لا يسمح لأيّ شخص غير هندوسي بأن يكون هندياً ويطالب بمحو المساهمة الإسلامية في التراث الهندي".

وفي سياق متصل، وافقت محكمة هندية، أمس الخميس، على النظر في أحد الطلبات العديدة لتدمير مسجد شاهي إدجاه في ماتورا بأوتار براديش، ووُضعت الشرطة في حال تأهب مذاك. يُذكر أنّ المسجد شيّده الإمبراطور المغولي أورنجزيب بعدما غزا المدينة ودمّر معابدها في عام 1670، وفي جواره معبد بُني لاحقاً في مسقط رأس الإله كريشنا وفق الاعتقاد الهندوسي.

وتلفت المؤرخة رنا صفوي، متحدثة لـ"فرانس برس"، أنّ تلك الادعاءات ناتجة من معرفة "ضحلة" بالتاريخ الهندي، إلى جانب "شعور بالمظلومية" يغذّيه فيض المعلومات المضللة المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي.

(فرانس برس)

المساهمون