استمع إلى الملخص
- هناك تحول في التفكير الاجتماعي بين الأجيال، حيث ينتقد الشباب والفتيات بعضهم البعض بسبب الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية، مما يعكس تغيرات في القيم الاجتماعية المتعلقة بالزواج.
- تأخر الزواج أصبح ظاهرة اجتماعية تؤدي إلى ارتفاع متوسط سن الزواج وزيادة العزوبية، مما يسبب شعوراً بالوحدة والإحباط وقد يؤدي إلى اضطرابات نفسية ومشاكل اجتماعية.
تعتبر البيئة الاجتماعية في العراق الزواج مرحلة محورية في مسار الحياة وركناً أساسياً في بناء الأسرة، لكن أخيراً بدأت ملامح تغيير تظهر، إذ لم يعد الزواج استحقاقاً طبيعياً يُقبل عليه الشباب في بداية العشرينات بثقة وتفاؤل، وتحوّل إلى مشروع مؤجل، بل حتى معلّق إلى أجل غير مسمى في كثير من الأحيان.
يشعر شبان كثيرون بعجز أمام متطلبات الحياة المتزايدة، والفتيات بأن الزمن يمر وهن ينتظرن خطوات جدية من شركاء محتملين. يقول سعد حميد (34 سنة)، وهو موظف حكومي في دائرة خدماتية ببغداد لا يزال بلا زواج لـ"العربي الجديد": "أتابع دائماً أخبار أصدقائي المتزوجين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأفرح كثيراً لسعادتهم لكن غصة تنتابي لأنني غير قادر على الزواج وتكوين أسرة لأنني لا أملك بيتاً وأعيش مع أهلي في بيت صغير متواضع، وراتبي لا يكفي حتى لاستئجار شقة بسيطة. لا أملك سوى اسمي ودوامي. كيف أطرق باب شخص وأطلب يد ابنته؟". يتابع بنبرة فيها من الأسى أكثر من الشكوى: "كلما جمعت مبلغاً بسيطاً واجهت ظرفاً طارئاً، حتى بتّ أشعر أن الزواج يحتاج إلى معجزة، وليس إلى نية صادقة فحسب".
ليست حالة سعد فريدة، بل تعكس واقع شريحة واسعة من الشباب العراقي، أحدهم عبد الله فاضل (33 سنة) الذي حاول شق طريقه خارج إطار الوظيفة عبر إطلاق مشروع صغير لبيع ملابس مستوردة على الإنترنت، والذي تعثر بعد فترة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وزيادة تكاليف الاستيراد. ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أظن أنني أسابق الزمن. أردت تأمين مصدر دخل جيد ثم التقدم لخطبة فتاة أحبها لكنها لم تنتظرني. قالت لي إنني أعيش على وعود وهمية، ورحلت. أشعر أنني على أرض مهزوزة، وكل خطوة تحتاج إلى دعم لا أملكه".
يضع شبان أمامهم تكاليف واحتياجات الزواج وتكوين أسرة، ويرون أنها تشكل عائقاً كبيراً إذا فكروا بالزواج في سن مبكرة. ويتفق شبان في سن العشرين تحدثوا لـ"العربي الجديد" على أن "من يعيش فقط وسط أسرة ميسورة يستطيع الزواج في سن مبكرة وتكوين أسرة بالاعتماد على دعم والديه، أما غير ذلك فلعبة حظ". ويقول مهند علي (18 سنة) وهو في المرحلة الأخيرة من الدراسة الثانوية: “لن أتزوج قبل أن أبلغ الخامسة والثلاثين وربما أكثر. نحن جيل وُلد في الحروب وكبر في الأزمات".
يضيف: "راتب أبي لا يكفي، وأعمل بدوام جزئي فقط لتأمين مصاريفي ومصاريف أختي وهي طالبة جامعية. ربما يلعب الحظ لعبته يوماً وأجد عملاً يدر ربحاً وفيراً وأتزوج قبل سن الخامسة والثلاثين".
هذه الرؤية التشاؤمية لدى الشباب تقابلها ردود غاضبة من فتيات يرين تغييراً في شباب اليوم عن الأجيال السابقة، ويتهمونهم بالاتكالية وعدم السعي الجدي لتطوير قدراتهم وإمكانياتهم للزواج في سن مناسبة وتكوين أسرة.
تقول هديل حسين (31 سنة)، وهي موظفة في القطاع الصحي، لـ"العربي الجديد": "لا أزال عزباء لأن الشباب يهربون من المسؤولية، ويضعون شماعة لكل شيء. صحيح أن الحياة صعبة، لكن ذلك حال الجميع. يريد الشبان زوجات لا تطالبهم بشيء، ويشكون من التكاليف حتى قبل أن يفكروا بالزواج".
وتضع ميس راضي (29 سنة)، وهي عزباء تعمل في شركة اتصالات، اللوم على ما تصفه بـ"ثقافة الاتكال التي ترسخت لدى بعض الشباب"، وتقول لـ"العربي الجديد": "يريد جيل كامل بيتاً جاهزاً ووظيفة مضمونة، وحتى زوجة لا تسأله عن شيء. هذا غير واقعي، ونحن لا نقبل أن نبقى ننتظر رجلاً يخاف من المستقبل، لذا يجب ربما أن نعيد التفكير في شكل العلاقة التقليدية".
وبحسب وزارة التخطيط تبلغ نسبة الفقر 17.5% والاكتظاظ في الوحدات السكنية بحسب معيار وجود أكثر من ثلاث أشخاص في غرفة واحدة 29%.
ويقول الباحث الاجتماعي أحمد كامل لـ"العربي الجديد": "تأخر الزواج ليس فقط مجرد خيار فردي، بل ظاهرة اجتماعية عميقة الجذور يعود جزء منها إلى الضغوط الاقتصادية، وجزء آخر إلى تبدّل في أنماط التفكير والثقافة المجتمعية. وتشير الإحصاءات إلى أن متوسط سن الزواج في العراق ارتفع خلال العقد الأخير بنسبة ملحوظة، خصوصاً لدى الذكور وسط تصاعد نسبة العزوبية، وتآكل دور العائلة بوصفها مؤسسة اجتماعية. ومن الناحية النفسية، ينتج التأخير الطويل للزواج شعوراً بالوحدة والإحباط والعزلة قد يؤدي في بعض الحالات إلى اضطرابات في المزاج أو التفكير السلبي تجاه الذات والمجتمع. وهذا التأخير من بين أسباب رفع نسبة المشاكل بين الأفراد وداخل الأسر في العراق".