بيوت طينية في الحسكة السورية

بيوت طينية في الحسكة السورية

08 أكتوبر 2021
لا بدّ من الانتهاء من الترميم قبل فصل الشتاء (العربي الجديد)
+ الخط -

 

ابتداءً من سبتمبر/ أيلول من كلّ عام، تحرص العائلات السورية التي ما زالت تسكن في بيوت طينية في محافظة الحسكة، على ترميمها قبل حلول موسم الأمطار. فهذه البيوت تستلزم عناية دائمة.

ما زالت البيوت الطينية شاهدة على ثقافة توارثتها الأجيال في معظم مدن وبلدات محافظة الحسكة الواقعة شمال شرقي سورية. لكنّ صيانتها أمر لا بدّ منه، خصوصاً مع حلول فصل الخريف، بهدف سدّ الشقوق في الجدران ووضع أغطية بلاستيكية على الأسقف والتأكد من الدعائم. وعلى الرغم من التطوّر العمراني، فإنّ السوريين من سكان تلك البيوت لا يستطيعون التخلّي عنها، فهي كلّ ما يملكون. وهي تُبنى من مواد متوفّرة وسهلة المنال، وتُرمَّم بالمواد ذاتها وهي القشّ والتبن والتراب والماء ودعامات من الخشب والقصب.

محمد عبد السلام مواطن سوري خمسيني من مدينة القامشلي، شهد بناء بيوت طينية كثيرة وكذلك عمليات ترميم لها. يشرح لـ"العربي الجديد" عمليتَي البناء والترميم، فيقول: "يُخلط التراب والقش والتبن والحصى ثمّ يُجبل الكلّ بالمياه من خلال استخدام المعاول. من بعدها يُصَبّ المزيج يدوياً في قوالب من الخشب. وبعدما تأخذ اللبنات شكل القالب، توضع تحت أشعة الشمس حتى تجفّ وتصير صلبة. ثمّ تُستخدم في بناء جدران البيت. أمّا العتبات العلوية التي تُوضَع فوق النوافذ والأبواب فتُجهَّز من دعامات خشبية تتيح كذلك تركيب النوافذ".

يضيف عبد السلام أنّ "سقف البيت الطيني يُبنى من خلال تثبيت العوارض الخشبية بحسب مسافات محددة، ثمّ تُفرش فوقها حصر من القصب وفوقها قشّ وغطاء عازل من البلاستيك لمنع تسرّب مياه الأمطار. وهذا الإجراء الاحتياطي صار يُستخدم أخيراً، إذ إنّه لم يكن معهوداً في السابق، فالبناؤون كانوا يكتفون بالقش وفوقه مباشرة المزيج نفسه الذي تُصنّع به اللبنات". ويتابع أنّ "مزيج التراب والقش والتبن والحصى يوضع اليوم فوق الغطاء البلاستيكي، ويسوّى حتى يتماسك بشكل جيد ويمنع تسرّب المياه".

بيئة
التحديثات الحية

ويتحدّث عبد السلام عن خطوة أساسية عند الانتهاء من عملية تشييد البيت وهي "اللياسة أو توريق الجدران. وفي خلالها يُستخدم التراب المجبول بالتبن لتسوية جدران البيت من الخارج والداخل. وبعد الانتهاء منها، تُطلى الجدران بالكلس للحصول على اللون الأبيض. وفي الماضي، كان من الشائع ترك زخارف بسيطة على جدران البيوت الطينية على سبيل الزينة". ويشير عبد السلام أنّ "الترميم يكون بإعادة تلييس الجدران المتشقّقة وكذلك السقف"، موضحاً أنّ التشقّق أمر طبيعي يحدث مع الوقت ويسمح بتسرّب المياه. ويكمل أنّ "اللياسة الداخلية للبيت قد تتشقّق كذلك، بالتالي لا بدّ من ترميم كلّ شيء قبل حلول فصل الشتاء".

وثمّة أسباب كثيرة تمنع عائلات في عامودا والحسكة والقامشلي ومدن وبلدات أخرى عديدة، من مغادرة بيوتها الطينية واللجوء إلى أخرى أكثر حداثة. ومن بين تلك الأسباب ما هو مادي ومنها ما يرتبط برضى العائلات في ما يتعلّق بالسكن في هذه البيوت والتمسّك بها. لكنّ يونس أبو محمد الذي يعمل في بناء هذا النوع من البيوت في مدينة القامشلي يرى أنّ "مصير هذه البيوت هو الاندثار".

الصورة
ترميم بيوت من الطين في الحسكة في سورية 2 (العربي الجديد)
في هذا العمل متعة ما (العربي الجديد)

ويقول أبو محمد لـ"العربي الجديد" إنّ عمليات الترميم قديماً، كانت تبدأ في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول، أي في أواخر فصل الصيف وقبيل فصل الخريف، بهدف التهيؤ لفصل الشتاء، مشيراً إلى أنّ "الترميم كان يتطلّب وقتاً وجهداً". ويخبر أنّ "أسعار المواد ارتفعت اليوم وتغيّرت الأوضاع، خصوصاً في ما يتعلّق بالتبن والقشّ والخشب، علماً أنّ التراب الأسود كان يُجلب من القرى لكنّ ذلك لم يعد مسموحاً، هذا إن وُجد ذلك التراب". يضيف أبو محمد أنّ "العمل كان كثيراً وكذلك العمّال في القامشلي، وكانت عمليات الترميم تمتدّ نحو شهر في المدينة وريفها"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة من يبني وثمّة من يرمّم، بالكاد كنّا نرتاح في خلال هذا الشهر. فعملنا كان يزدهر في هذا الموسم". ويتابع أبو محمد أنّ "الناس اليوم صاروا يلجأون إلى صفائح التوتياء بدلاً من الخشب لبناء أسقف بيوتهم الطينية". ويؤكد أبو محمد أنّ "العمل تراجع بالتزامن مع التطوّر الحاصل في مجال البناء. فالبيت الطيني يحتاج إلى حصر وتبن وقش وتراب وخشب، وفي كل عام يحتاج إلى ترميم. كذلك فإنّ عدد العاملين في هذا المجال بالقامشلي بات قليلاً". ويذكر أنّ "العمل في الترميم ما زال قائماً في القرى، فالأهالي لم يتخلوا عن تلك البيوت كما في المدينة".

وفي حيّ الهلالية بمدينة القامشلي، ما زال خالد المحمود يقيم في بيت طيني على الرغم من تطوّر البنيان في المدينة. يقول لـ"العربي الجديد": "ارتبطت بهذا البيت منذ الصغر وكبرت فيه مع إخوتي وبقيت فيه. هو لا يقارن بالبيوت المبنية بالإسمنت التي لا تحتاج إلى صيانة دائمة. لكنّ ظروف الحياة جعلتني أبقى هنا. في النهاية، هو يقي من البرد والمطر شتاءً وفي الصيف إذ يكون الجو فيه منعشاً". ويؤكد المحمود أنّه يحرص على صيانة بيته سنوياً قبل موسم المطر.

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يرى محمد العثمان الذي يسكن مع عائلته في بيت طيني في مدينة الحسكة، أنّ البيت الطيني في الصيف يمنح انتعاشاً، وفي فصل الشتاء يحافظ على الدفء أكثر من البيت المبني بالإسمنت. يضيف لـ"العربي الجديد": "نحن مجبرون  على صيانة هذه البيوت قبل حلول الشتاء، ويقوم بذلك شبان العائلة، فيرممون السقف ويتأكدون من عدم تسريبه المياه في الشتاء. فأنا لم أعد قادراً على العمل كما في السابق، فأراقبهم وأعطيهم نصائح وقت الترميم".

تجدر الإشارة إلى أنّ عمليات ترميم البيوت الطينية تمتد ما بين سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني، لكنّ سكانها بمعظمهم يحرصون على القيام بذلك في سبتمبر لضمان جفاف الطين بشكل جيد وتماسكه. وإلى جانب القامشلي والحسكة وعامودا، ما زالت البيوت الطينية قائمة في المالكية وجزء من معبدة والشدادي ومعظم قرى وبلدات الريف الجنوبي والجنوبي الشرقي من محافظة الحسكة.

المساهمون