"بيني فارذينغ"... دراجات العصر الفيكتوري تعود إلى بريطانيا

"بيني فارذينغ"... دراجات العصر الفيكتوري تعود إلى بريطانيا

28 يناير 2021
في وسط لندن قبل أيام (دانيال ليل - أوليفاس/ فرانس برس)
+ الخط -

من المستغرب، في عصرنا الحاضر، مشاهدة تلك الدراجة التي لها عجلة كبيرة جداً من الأمام، وأخرى صغيرة في الخلف، تجوب شوارع بريطانيا. فبينما كان هذا المشهد مألوفاً في نهايات القرن التاسع عشر، تغير كلّ شيء في الأعوام المائة والثلاثين الماضية، فبحلول العام 1890 باتت تلك الدراجة المرافقة لعصر الملكة فيكتوريا (حكمت من 1837 إلى 1901)، والمعروفة باسم "بيني فارذينغ"، قديمة الطراز، بعدما جرى تطوير الدراجة الحديثة، التي روج لها على أنّها "دراجة الأمان"، إذ وفّرت أماناً أكبر لراكبيها بسبب ارتفاع الراكب الضئيل عن سطح الأرض، وتدني مستوى الخطر في حال السقوط عنها.
لكن، ها نحن نشهد إقبال الناس في بريطانيا على شراء هذه الدراجات الفيكتورية مجدداً، خلال الأشهر الأخيرة، بشكل أسرع مما يمكن للمصنّعين إنتاجه. وها هي تعود إلى شوارع البلاد، منذ اجتاح وباء كورونا العالم، إذ ارتفع الطلب عليها بشكل غير متوقع، وبزيادة أكثر من الضعفين عن السنوات السابقة.
أدّى ارتفاع مبيعات هذه الدراجة القديمة، إلى عجز الشركة الرئيسية التي تصنّعها "يو دي سي" عن تلبية الطلب. يقول مالك الشركة، روجر دايفيز، إنّ الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يشترون هذه الدراجة، هم من الرجال الذين بلغوا منتصف العمر، مع وجود عدد قليل من النساء. لكنّه سجّل أفضل مبيعاته لهذه الدراجات في عام 2020، إذ بات يتلقى طلبات يومية.
وليس واضحاً من أين يأتي الاهتمام المفاجئ بالدراجة غير العملية بشكل لا لبس فيه، لكن ربما كان لحماسة جيريمي فاين، المذيع في "بي بي سي"، دور في انتشارها الفائق، إذ اقتناها وجال بها في الشوارع، وانتشرت صوره وأخباره في الفترة الماضية. ولم يجرِ تصميم الدراجة الفيكتورية بشكل يتلاءم مع الطرقات المزدحمة اليوم بالسيارات. وباتت قيادتها تتطلب الكثير من الحذر وتحمل مخاطر جمّة، بسبب عدم وجود فرامل، ما يعني أنّ سائقيها بحاجة إلى توخي الحذر في الحكم على المسافة والسرعة المطلوبة.

وفي السياق، يقول الراغبون بعودة هذه الدراجات إلى الشوارع، إنّ الإصدارات الحديثة منها أكثر أماناً من إصدارات العهد الفيكتوري. ويصل سعرها إلى 1295 جنيهاً إسترلينياً (1778 دولاراً أميركياً)، للأحجام التي يراوح ارتفاعها بين 122 سنتيمتراً و142 سنتيمتراً، فيما يبلغ 200 جنيه إسترليني (275 دولاراً)، لتلك المخصصة للأطفال.
في الماضي، عُرفت "بيني فارذينغ" باسم العجلة العالية، وكانت أول آلة يطلق عليها اسم "بايسكل" (الدراجة ذات العجلتين). وكانت منتشرة في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، إذ توفر عجلتها الأمامية الكبيرة سرعات عالية، بعد بذل جهد كبير. وتوفر العجلة الكبيرة أيضاً امتصاصاً أكبر للصدمات. أمّا اسمها فيأتي من العملتين النقديتين المعدنيتين، البنس والفارذينغ البريطانيتين. وعلى الرغم من أنّ الاسم "بيني فارذينغ" هو الأكثر شيوعاً الآن، يُعتقد أنّه لم يُستخدم إلا بعدما أصبحت هذه الدراجات قديمة الطراز، وكانت تُعرف ببساطة باسم "بايسكل".

يُعتبر أوجين ماير، من العاصمة الفرنسية باريس، أب الدراجة العالية، وإن أضاف الإنكليزي جيمس ستارلي بعض التعديلات عليها، إذ تمكن من تخفيف وزنها وجعل ركوبها أكثر سلاسة. حصل ماير على براءة اختراع لعجلة شدّ ذات قضبان سلكية مع قضبان قابلة للتعديل بشكل فردي عام 1869. وعندما جرى عرضها في بريطانيا، كانت تسمى عجلات "العنكبوت". في المقابل، كان ستارلي مسؤولاً عن جعل التصميم شائعاً في بريطانيا. إذ واصل إنشاء نموذجه الخاص، الذي أطلق عليه اسم "آرييل". وانطلقت شركة "ستارلي" في مدينة ألبورن بولاية ساسكس في بريطانيا، وكانت واحدة من أكثر شركات صناعة الدراجات نجاحاً وابتكاراً في التاريخ. وكان طراز "آرييل" الخاص بستارلي يحتوي على إطار معدني وعجلات ذات قضبان سلكية، وجرى تسجيل براءة اختراعها عام 1874. كما ابتكرت شركة "ستارلي" أيضاً دراجات ثلاثية العجلات مدفوعة بسلسلة (جنزير). 
إلى ذلك، يتطلب ركوب الدراجة الفيكتورية مهارة، إذ ينبغي للراكب أن يمسك المقود أولاً ويضع قدماً واحدة على وتد أعلى العجلة الخلفية. ثم عليه أن يدفع الدراجة للأمام لاكتساب الزخم، فيقفز سريعاً عندها إلى المقعد، مع الاستمرار في توجيه الدراجة، والحفاظ على التوازن. وعلى الرغم من سهولة قيادتها ببطء بسبب ارتفاع مركز كتلتها، تبقى "بيني فارذينغ" عرضة للحوادث، فأيّ توقف مفاجئ أو سقوط في حفرة أو اصطدام بأيّ عائق آخر، يمكن أن يشكل خطراً على الراكب.

المساهمون