استمع إلى الملخص
- يواجه السكان تحديات يومية بسبب تدفق مياه الصرف الصحي وتكدس القمامة، مع صعوبة إدخال المعدات اللازمة لحل هذه المشكلات بسبب القيود المفروضة.
- يشدد الخبراء على ضرورة تدخل المجتمع الدولي لدعم خطة "فينيق غزة" لإعادة الإعمار، حيث تقدر الكلفة الأولية بنحو 51 مليار دولار لتحسين الوضع البيئي والصحي.
يعيش سكان قطاع غزة كارثة بيئية حقيقية بفعل تداعيات العدوان الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع على مدار أكثر من 15 شهراً، ما أدى إلى تكدس أطنان من النفايات الصلبة، إضافة إلى إلحاق الضرر الكبير بالبنية التحتية، لا سيّما شبكات المياه والصرف الصحي.
ووفق إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال دمّر غالبية البنية التحتية في القطاع خلال الحرب، من بينها 655 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، وأكثر من 2 مليون متر طولي من شبكات الطُّرق.
يعيش الفلسطيني أحمد زيدان (38 سنة) في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، ويقول إنه يعاني من انتشار القمامة على جانبي الطريق، ما ينذر بكارثة صحية على أطفاله الثلاثة، لا سيّما أن أحدهم أُصيب بأمراض جلدية قبل عدة أسابيع. ويضيف لـ"العربي الجديد": "أعاني أيضاً من تدفق مياه الصرف الصحي (المياه العادمة) منذ ساعات غروب الشمس إلى صباح اليوم الذي يليه، الأمر الذي يعوق التنقل من مكان إلى آخر، إضافة إلى انتشار القوارض والحشرات. نعيش على هذا الحال منذ أكثر من 11 شهراً، على أمل أن تُحل المشكلة".
ويوضح زيدان أنه "جرى التواصل مع مسؤولين في السلطات المحلية في القطاع من أجل تلك المشكلات، لكن لم يجر حلها بسبب منع الاحتلال إدخال المعدات والآليات اللازمة، وأملنا أن تنتهي الأزمات البيئية خلال الفترة القريبة القادمة، في ظل سريان اتفاق وقف إطلاق النار".
يعاني الفلسطيني عرفات جمال (35 سنة) من الأزمة ذاتها، ويقول لـ"العربي الجديد": "مياه الصرف الصحي تتسرب يومياً في الشارع الذي أعيش به في وسط مدينة غزة، وينتج عنها مستنقعات مائية في وسط الشارع الذي تعرّض لخراب ودمار من جراء القصف الإسرائيلي، وتزداد المعاناة مع هطول الأمطار. المياه العادمة تجرف معها أكواماً من القمامة المتكدسة في وسط وعلى جانبي الطريق، ما يؤدي إلى إغلاق الطرق وإعاقة الحركة، بالإضافة إلى الأمراض التي تسببها للأطفال، وعلى الجهات المعنية التعامل سريعاً مع هذه الكارثة الصحية والبيئية".
أما الفلسطيني محمود مهدي (33 سنة)، الذي يقطن في منزل بالقرب من بركة الشيخ رضوان، بوسط مدينة غزة، فتزداد مُعاناته في ظل ارتفاع منسوب المياه في البركة، وعدم القدرة على تصريفها، بسبب الدمار الذي أحدثه الاحتلال في مصارفها. ويقول لـ"العربي الجديد": "الرائحة الكريهة المنبعثة من مياه الصرف الصحي وأكوام القمامة المُحيطة بها تثير حالة من الضجر والقلق، إضافة إلى الانتشار الكبير للحشرات والقوارض والبعوض، وكلها تنهش أجساد أطفالي، وتسبب لهم الأمراض. نعيش في كارثة صحية وبيئية متفاقمة".
ويشكو أبو محمد جبر (63 سنة) من تدفق مياه الصرف الصحي وتجمعها كمستنقعات في الشوارع يومياً، إضافة إلى أكوام القمامة المتراكمة، ويزيد انزعاجه تكرار البعض حرق النفايات وانبعاث الدخان السام منها. ويقول لـ"العربي الجديد": "نأمل أن تُحل هذه الكارثة البيئية التي تعصف بنا، وذلك بضغط الجهات المعنية، من أجل إدخال المعدات والآليات اللازمة لإصلاح شبكة الصرف الصحي".
بدوره، يرى رئيس قسم البيئة وعلوم الأرض في الجامعة الإسلامية سابقاً، سمير حرارة، أن "تكدس القمامة وتسرب مياه الصرف الصحي من بين الكوارث الصحية والبيئية التي تسببت بانتشار الأمراض طيلة فترة العدوان الإسرائيلي، خصوصاً لدى المواطنين القاطنين في مخيمات النزوح". ويوضح لـ"العربي الجديد": "دمر الاحتلال أكثر من 80% من البنية التحتية في قطاع غزة، ما أدى إلى عدم تصريف المياه العادمة، وجعلها تتدفق في الشوارع والطرقات، وبات هذا يشكل خطراً على حياة الفلسطينيين".
يتابع: "أصبحت بيئة غزة غير صالحة للحياة، فقد تدمّرت غالبية البنية التحتية، وباتت الأحياء مكاناً لانتشار الأمراض والأوبئة، نتيجة تكدس النفايات الصلبة والمياه العادمة"، مشدداً على ضرورة "إعادة بناء وإصلاح البنية التحتية، من أجل تفادي الإصابة بمزيد من الأمراض والأوبئة، خصوصاً التي تُصيب الأطفال، وهم الفئة الأكثر عرضة للمرض. يمكن إصلاح البنية التحتية في القطاع خلال الفترة القليلة القادمة في حال جرى السماح بإدخال السولار والمواد والمُعدات اللازمة لعمليات الإصلاح".
ويقول المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظتي غزة والشمال، عبد الرحيم أبو القمبز لـ"العربي الجديد": "بلغ حجم النفايات الصلبة المُكدسة في محافظتي غزة والشمال أكثر من 250 ألف طن منتشرة في جميع الشوارع، وأدى تدمير البنية التحتية للقطاع إلى جعل الكثير من الخدمات غير متوفرة".
ويؤكد أبو القمبز، أن "تكدس الكميات الكبيرة من النفايات الصلبة في محافظتي غزة والشمال ناجم عن عدم وجود تدخلات من المؤسسات الدولية لإنهاء الكارثة التي حلّت ببيئة قطاع غزة. نسبة التدخلات الخارجية بشأن البيئة في القطاع لا تتجاوز 10% من الاحتياجات، وهذا مؤشر خطير".
ويوضح أنه جرت بعض التدخلات من البلديات والمؤسسات الدولية والأهلية، وجرى جمع نحو 20% من القمامة المُكدسة في وسط المدن، والتي تسببت في مكاره صحية للسكان، خصوصاً النازحين. مضيفاً: "بيئة القطاع مُدمرة، وتستغيث من كل النواحي، صحياً وبيئياً، وأزمة النفايات والصرف الصحي متفاقمة، ما يشكّل ضغطاً هائلاً، ويؤدي إلى انتقال الأمراض الناجمة عن التلوث، وانتشار الحشرات والقوارض والذباب والبعوض، وكل هذه مكاره صحية خطرة".
ويذكر أبو القمبز أن "قطاع غزة بحاجة إلى تدخلات سريعة من المجتمع الدولي لمساعدة أجهزة البلديات على إزالة النفايات المكدسة، وإصلاح شبكات الصرف الصحي، وذلك من خلال مشاريع إغاثية طارئة، ومن خلال التعاقد مع القطاع الخاص، مع ضرورة تزويد أجهزة إدارة النفايات بالمواد التي تحتاجها لتنفيذ مهامها، وتوفير قطع الغيار للشاحنات، وكميات السولار اللازمة لتشغيل المعدات والمستلزمات الثقيلة، إضافة إلى الضغط على الاحتلال لفتح مكبات النفايات في منطقة جحر الديك في وسط قطاع غزة، ومنطقة صوفا في مدينة رفح (جنوب)، تفادياً لتفشي المزيد من المكاره الصحية".
وأطلق اتحاد بلديات قطاع غزة، مؤخراً، خطة عمل أطلق عليها "فينيق غزة" لإعادة إعمار القطاع، بعد حرب الإبادة الإسرائيلية التي طاولت شتى المجالات الحياتية. وتفيد الاحصائيات الدولية والمحلية بأن الكلفة الأولية لإعادة بناء المنازل والمرافق العامة وشبكات المياه والكهرباء وإصلاح الطرق تقدر بنحو 51 مليار دولار.