استمع إلى الملخص
- لا يزال الجيش الإسرائيلي في مناطق أخرى بجنوب لبنان، ويمنع الجيش اللبناني الأهالي من دخول الناقورة حفاظاً على سلامتهم، مما يعوق العودة للحياة الطبيعية.
- يعيش النازحون في مراكز إيواء بمدينة صور، ويطالبون بحل نهائي ينهي الحروب المتكررة، معبرين عن رغبتهم في الاستقرار والعيش بسلام.
في بلدة الناقورة اللبنانية الواقعة عند ساحل البحر الأبيض المتوسط والتي تُعَدّ من القرى الحدودية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، اختفت معالم الحياة بين البيوت المدمّرة وساد السكون، فأهلها لم يتمكّنوا من العودة إليها بعد على الرغم من اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وقبل أيام من انتهاء تطبيق شروط اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، ليل 26-27 يناير/كانون الثاني الجاري، ينتشر الجيش اللبناني في البلدة، وذلك منذ انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منها في السادس من يناير الجاري.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، يتوجّب على جيش الاحتلال سحب قواته خلال 60 يوماً من جنوب لبنان، بالتزامن مع تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوّة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). وفي حين انسحب الجيش الإسرائيلي من الناقورة ومن كلّ مناطق القطاع الغربي لجنوب لبنان، إلا أنّه ما زال ينتشر بمناطق أخرى، لا سيّما في القطاع الشرقي. ويمنع الجيش اللبناني الأهالي من دخول الناقورة حفاظاً على سلامتهم، ونادراً ما يسمح بجولات تفقدية. لكنّ رئيس بلدية الناقورة عباس عواضة تمكّن من الدخول إلى البلدة، أوّل من أمس الأربعاء، لتفقّد الأضرار.
من أمام مبنى البلدية المتضرّر، يقول عواضة لوكالة فرانس برس إنّ "الناقورة صارت بلدة منكوبة... مقوّمات الحياة غير موجودة فيها"، الأمر الذي يجعل إعادة البناء أمراً بعيد المنال حتى الآن، لا سيّما مع عدم توفّر أيّ تمويل بعد. يضيف: "نحتاج إلى ما لا يقلّ عن ثلاثة أعوام لإعادة البناء"، في حين تعمل جرّافة صغيرة لإزالة الردم في محيط المبنى. في الجهة المقابلة، شجرة معمّرة اقتلعتها قوات الاحتلال من جذورها، وبيوت متضرّرة استحالت هياكل، أمّا الشارع فتحوّل إلى طريق ترابي وعر.
ويفيد رئيس بلدية الناقورة بأنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي "دخل البلدة بعد وقف إطلاق النار" في 27 نوفمبر الماضي و"دمّر المنازل"، مشيراً إلى أنّه "قبل وقف إطلاق النار كانت نسبة الدمار 35%، لكن بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ امتدّ الدمار إلى نسبة 90%". ويوضح عواضة أنّ الدمار حصل من خلال "التفجير اليدوي وعبر الجرّافات".
وعلى مقربة من مقرّ قوة اليونيفيل في الناقورة، ما زالت البيوت على حالها. لكن عند التقدّم أكثر، يتكشّف حجم الدمار الهائل بين تلك التي تركها أصحابها على عجل، تاركين وراءهم أثاثهم وملابسهم وكتبهم. وبين الركام، تظهر بزّات عسكرية سوداء، فيما خُطّت على جدران أحد المنازل كتابات باللغة العبرية. أمّا مدرسة البلدة، فقد تصدّع مبناها كلياً، فيما ذبلت بساتين الموز، وبقيت ثمار الليمون على الأشجار من دون أن يقطفها أحد، فتطغى رائحتها على رائحة الموت. يُذكر أنّ الدفاع المدني اللبناني أعلن، يوم الثلاثاء الماضي، عن انتشال جثّتَين من تحت الأنقاض. من جهتهم، عثر جنود من الجيش اللبناني على صاروخ غير منفجر بين مبنيَين خلال دورية لهم في البلدة.
في الطريق من مدينة صور إلى بلدة الناقورة الواقعة عند الحدود مع فلسطين المحتلة مباشرة، تسيّر قوة اليونيفيل دوريات لها في حين أقام الجيش اللبناني نقاط تفتيش. وفي نقطة الجيش الأخيرة قبل الطريق المؤدّي إلى الناقورة، يُمنع دخول أيّ سيارة مدنية غير مصرّح لها بالعبور، إلا أنّ محاولات الأهالي اليومية لا تتوقّف. وعند عبور النقطة، تختفي حركة السير ويسود هدوء تام الطريق الساحلي.
على بعد نحو 20 كيلومتراً من الناقورة، تنتظر فاطمة يزبك (61 عاماً) بفارغ الصبر العودة إلى بلدتها. تخبر المرأة وكالة فرانس برس، من مركز إيواء للنازحين في مدينة صور، أنّها خرجت من الناقورة "في بداية الأحداث"، أي قبل أكثر من عام. تضيف: "منذ ذلك الحين، لم أزرها، ولا أعرف ما فيها". وتتذكّر يزبك "الحزن" الذي اجتاحها عندما شاهدت صور منزلها المدمّر، وتقول "هذا البيت ربّيت فيه أولادي... فيه ذكريات جميلة جداً... البيت لا يعني لي شيئاً إنّما الذكريات التي يحملها... صور أولادي وصور زوجي المتوفّى".
بدوره، يترقّب علي مهدي (45 عاماً) العودة، فهو نزح من الناقورة إلى صور حيث تطوّع في مركز لإيواء النازحين. يقول لوكالة فرانس برس إنّ منزله دُمّر بعد سريان الهدنة، عند دخول قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى البلدة. ويلفت الرجل إلى أنّ "بيتي كان متضرّراً من الخارج فقط، وكان بإمكاني العودة إليه وترميمه والعيش فيه"، لكنّ "الإسرائيليين دخلوا (إلى البلدة) بعد الهدنة وتمادوا بجرف البساتين والطرقات وتخريب البيوت وتحطيمها".
في سياق متصل، يشير مصطفى السيد (54 عاماً) لوكالة فرانس برس إلى أنّه ينتظر منذ أكثر من عام العودة إلى قريته بيت ليف، وهو حتى اتّضاح معالم المستقبل يلازم مع زوجته وأطفاله غرفتهم في مركز إيواء بصور. وإذ يذكر أنّه نزح كذلك من بيته خلال حرب تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان، يسأل "هل سوف نضطر إلى حمل عائلاتنا كلّ عشرين عاماً والهرب؟". ويشدّد: "نريد حلاً نهائياً. نريد أن ننتهي من الحروب. لم نعد نحتمل. هل يعقل أن يعيش الإنسان حروباً كلّ حياته ويحمل ثياب أولاده ويرتحل؟".
(فرانس برس)