بلا جواز سفر

بلا جواز سفر

15 نوفمبر 2021
شجرة النيم "صيدلية القرية" في الهند (مانجورات كيران/ فرانس برس)
+ الخط -

يصنع البشر وحدهم الحدود بين البلدان ويلتزمون بها، ويقاسون مرّ هذا الاختيار مثلما حدث لـ "عبد الودود" بطل فيلم "الحدود" الذي أبدعه محمد الماغوط تأليفاً ودريد لحام تمثيلاً وإخراجاً عام 1984. أما موجودات الكون الأخرى فلا تُولي الأمر اهتماماً، فالطيور تعبر القارات وتقطع المحيطات كما تشاء، وكما يشتهي السودانيون حالها حين يغنون "والله نحن مع الطيور الما بتعرف ليها خرطة.. ولا في إيدها جواز سفر".  
ها هي المياه تعبر الحدود دون أن يتغيّر شيء سوى أسمائها. فمن الهضبة الأثيوبية ينحدر نهر أبّاي ليتخذ مسمّى النيل الأزرق. وبعد 850 ميلاً يلتقي بشقيقه النيل الأبيض ليشكّلا نهر النيل. والنيل الأبيض نفسه هو نتيجة تلاقٍ لبحر الغزال وبحر الجبل الذي يتخلى عن اسمه قبل الحدود نيل ألبرت نسبة لبحيرة ألبرت سابع أكبر بحيرة أفريقياً على الحدود بين أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. أما نهر عطبرة أو الأتبراوي فيتخذ خلف الحدود مسمى تيكزي.  
في الحياة البرية دروس للبشر عن التعاطي مع الحدود، لأن ما يحدّد هجرة الحيوانات هي حاجتها للماء والمأكل والصيد، ثم الأمان، بعد انتشار الصراعات المسلحة.

موقف
التحديثات الحية

حين فارق الإنسان بيئة وجوده الأولى، عمل على نقل بعض الحيوانات بعد استئناسها وتدجينها، وكذلك الأمر مع أنواع الأشجار. ثم اعتمد استمرار هذه الأنواع في بيئاتها الجديدة على قدرتها على التكيُّف، وملاءمة البيئات الجديدة. فشجرة النيم مثلاً إحدى الأشهر التي جلبت من موطنها الأصلي في شرق آسيا، وانتشرت في كل البيئات السودانية من الصحراء حتى المناطق الاستوائية. ويذكر أحد علماء النبات الألمان أن هذه الأشجار ظلت تُزرع في السودان منذ عام 1921، وتسبب ظلها على مدى السنوات وميزة قدرتها على تنقية التربة من الأملاح وعمرها الذي يصل إلى 180 عاماً في انتشارها، قبل اكتشاف خصائصها المتعلقة بتأثيرها السام على الحشرات، خصوصاً الذباب والبعوض، في ظل نفث أزهارها روائح منفرة للحشرات لا يشعر بها البشر.  
من هنا سمّى الهنود هذه الشجرة بـ "صيدلية القرية" بعدما عرّوا خصائصها منذ أمد بعيد، واستخرجوا منها الكثير من المستحضرات التي تساعد في تضميد الجروح والحروق والندوب التي تصيب الجلد. ويؤكد الخبراء أنها كالأنسولين الذي يحمي الجسم من الإصابة بالسكري. وإلى جانب مساهمتها في تعزيز صحة الكبد، استخدمت لاحقاً في صنع مستحضرات تجميل ومنتجات للعناية بالبشرة والجسم ومساحيق الحمام والصابون والشامبو والكريمات، والمراهم وقطرات الدواء. 
ويبقى السؤال: هل كان لهذه الفوائد أن تعمّ لو أن للأشجار التزاماً بالحدود الجغرافية التي صنعها البشر؟
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون