بطش المستوطنين يهجّر أهالي بلدة الطيبة الفلسطينية.. "ملجأ المسيح"
استمع إلى الملخص
- التحديات الاقتصادية والاجتماعية: انخفض عدد سكان الطيبة من ثلاثة آلاف إلى 1250 نسمة بسبب الهجرة الناتجة عن الصعوبات الاقتصادية والسياسية. تراجع السياحة أثر سلبًا على الاقتصاد المحلي، وتسعى الكنيسة لتوفير فرص عمل وبناء وحدات سكنية للحد من الهجرة.
- الوضع الأمني والسياسي: الطيبة محاطة بمستوطنات إسرائيلية وتتعرض لاعتداءات متكررة، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. يفتقد السكان للأمن ومصادر الدخل الثابتة، ويأملون في إنهاء الظلم وتحقيق الأمن للشعب الفلسطيني.
الطيبة بلدة فلسطينية تقع شرق مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، نزع عنها المستوطنون الإسرائيليون أمنها وسلامها وحوّلوها بهجماتهم المتكررة إلى مكان يفقد أبناءه يوميا، وذلك باللجوء إلى الهجرة طمعا في حياة كريمة آمنة. بعد أن كانت هذه البلدة منذ القدم ترمز إلى الأمن والطمأنينة، إذ يُروى أن نبي الله عيسى المسيح لجأ إليها بعدما خرج من القدس للنجاة من مؤامرة قتله، فلجأ إلى البرية التي تعرف اليوم بالطيبة، حيث الأمان. لكن الطيبة اليوم لم تعد كذلك، حيث يتعرّض سكانها، وجميعهم مسيحيون، لاضطهاد المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، ما يدفع المواطنين إلى الهجرة بما يهدد المكوّن المسيحي في فلسطين.
في يوليو/ تموز 2025 أحرق مستوطنون الجهة الخلفية من كنيسة الخضر التاريخية، واعتدوا على مساكن ومركبات الفلسطينيين بالحرق وخطّوا شعارات عنصرية باللغة العبرية تهدد أهالي البلدة، منها "الموت للعرب، شعب إسرائيل حي". يقول سكان البلدة إن "الطيبة اليوم تعيش مخاضا من الصعوبات والتحديات، ولم تعد ملاذا للمضطهدين" كما كانت عبر التاريخ.
يقول بشار فواضلة، راعي كنيسة الفادي للاتين في البلدة، لـ"الأناضول"، إن "الطيبة تعيش اليوم حالة صعبة جراء التضييق وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي واعتداءات المستوطنين"، ويبيّن أن "للبلدة مكانة دينية في الديانة المسيحية، حيث ذكر في الإنجيل أن المسيح ترك القدس هربا من اليهود الذين عزموا على قتله ولجأ إلى الطيبة ومكث فيها أياما قبل موته وقيامته"، وفق الرواية المسيحية. ويوضح فواضلة أن الطيبة ذكرت في الإنجيل باسم "أفرايم".
ويشتكي فواضلة من تراجع في عدد المواطنين الذي كان يبلغ نحو ثلاثة آلاف مسيحي في ثمانينيات القرن الماضي، بينما لا يتجاوز عدد سكانها اليوم 1250 نسمة. ويتابع: "نشهد هذه الأيام حركة هجرة كبيرة في البلدة، فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 هاجرت عشر عائلات، وهناك مجموعة من الشباب تفكر جديا بالهجرة قريبا"، وأرجع ذلك إلى الصعوبات والمعيقات والتحديات والتضييقيات، وإلى حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولإغلاق إسرائيل أي أفق واستقرار وفقدان مصدر الرزق. وقال فواضلة: "بات لا يتوفر هنا في فلسطين لا أمن ولا استقرار ولا مصدر دخل ثابت ولا منزل ومأوى آمن"، مشيرا إلى تزايد اعتداءات المستوطنين على المواطنين وخاصة في قرى وبلدات شرق رام الله. وتابع: "نفقد ليس العدد بل نوعية الأشخاص التي لها حضور مميز ولها أبعاد تنموية وبشرية واقتصادية، نفقد جزءا أساسيا وصلبا من وجودنا الفلسطيني المسيحي في هذه البلدة".
الطيبة تفتقد الأمن والاستقرار
رجل الدين الفلسطيني لفت إلى أن البلدة "تعد سياحية بالدرجة الأولى، وكان يزورها نحو 13 ألف سائح سنويا، الأمر الذي كان ينعكس إيجابا على الحياة الاقتصادية وتشغيل قطاعات واسعة فيها، بينما لا يصلها اليوم العشرات". وتوجد في البلدة "كنيسة الخضر" التي شيدت في القرن الخامس للميلاد، وأعيد بناؤها في القرن الثاني عشر، وتعد من أقدم كنائس فلسطين. وتسعى الكنيسة بالشراكة مع القطاع المحلي إلى بناء وحدات سكنية للشبان وتوفير فرص عمل مؤقته لبضعة أشهر في محاولة منها للحد قدر الإمكان من الهجرة. يقول فواضلة: "الطيبة بلدة مسيحية مئة بالمئة، كانت تعد ملجأ للأمن والأمان، باتت اليوم تعيش مخاضا من الصعوبات والتحدّيات". وأضاف: "هجمات المستوطنين لم تتوقف، وإسرائيل تعمل على إنشاء حلم تأسيس مملكة إسرائيل في الضفة الغربية". ويتابع: "مسيحيو الطيبة يُصلّون اليوم من أجل إنهاء الظلم وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن يعيش الشعب الفلسطيني في أرضه بأمن وأمان".
وتعرضت الطيبة في الأشهر الأخيرة إلى سلسلة اعتداءات من المستوطنين، بينها حرق الجهة الخلفية لكنيسة الخضر، وحرق مركبات واعتداء على المواطنين. والبلدة محاطة بمستوطنات إسرائيلية من كافة الجهات، غير أن بؤرة رعوية استيطانية تسكنها مجموعة من مستوطني "فتيان وفتيات التلال" يشنّون أعمال عربدة على المواطنين. ويقول فواضلة: "كانت الطيبة مكانا للجوء، واليوم بما تتعرض له كما بقية البلدات الفلسطينية، تعيش مرحلة مخاض من الصعوبات جراء هجمات المستوطنين، أصبحت غير آمنة وغير مريحة ولا تعطي الطمأنينة والسكينة".
تقول الفلسطينية جاكي جورج (46 عاما)، لـ"الأناضول"، إن حياتها انقلبت رأسا على عقب منذ السابع من أكتوبر جراء تصاعد اعتداءات المستوطنين وتردّي الوضع السياسي والاقتصادي. وأضافت "بات من غير الممكن أن أخرج لبستان بيتي، قد أجد المستوطن الراعي وقطيعه فيه. إذا ما خرجت من البيت أخشى العودة ليلا، فلا أعلم ماذا يمكن أن أصادف"، وأشارت إلى أن كل ذلك تسبب بفصل عائلتها إلى نصفين، حيث يعيش زوجها منذ عام في الولايات المتحدة جراء تردّي وضعهم الاقتصادي. وتضيف المعلّمة في مدرسة تابعة للكنيسة: "اتخذنا قرار الغربة، وهذا كان أصعب قرار في حياتنا، هذه هي ضريبة أن تكون فلسطينياً".
(الأناضول)