- تشير نجية تزروت إلى أن مبادرة وزارة الأسرة إيجابية، لكنها تؤكد على ضرورة فهم الأسباب الهيكلية والاقتصادية والثقافية وراء عزوف الشباب عن الزواج، مثل البطالة وتكاليف المعيشة.
- يوضح عبد المنعم الكزان أن العزوف مرتبط بعوامل نفسية وثقافية، ويؤكد على أهمية تعزيز مفاهيم التعاون في الزواج وتقديم تجارب ناجحة في الإعلام.
أعادت التغيّرات الاقتصادية والاجتماعية والطموحات الفردية تشكيل اختيارات الزواج والأبوة في المغرب وتعاني البلاد من تداعيات تقلص معدلات النمو السكاني نتيجة تراجع معدلات الزواج والإنجاب
تعمل حكومة المغرب على برنامج لمواجهة العوامل التي تدفع الشبان إلى العزوف عن الزواج، في وقت تدق إحصاءات رسمية ناقوس الخطر حول تراجع معدل النمو السكاني نتيجة تأخر سن الزواج وتقلص معدلات الإنجاب.
وقالت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة نعيمة بن يحيى في البرلمان المغربي، في وقت سابق، إن الوزارة تعد لبرنامج يهدف إلى مواكبة الشبان المقبلين على الزواج، وإيجاد حلول للمشاكل التي تتسبب في عزوفهم عنه، وذلك على ضوء نتائج الإحصاء العام للسكان عام 2024، والذي أظهر تراجع معدل النمو السكاني السنوي من 1.25% بين عامي 2004 و2014، إلى 0.85% خلال العقد الأخير (2014- 2024).
ويحذر خبراء من تحوّلات اجتماعية واقتصادية تقلب الهرم السكاني للبلاد، وتطرح تحديات على السياسات الحكومية، في حين تكشفت إحصاءات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط (حكومية) في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحوّلات بارزة في أنماط الزواج بالمغرب، إذ سجل متوسط سن الزواج الأول تراجعاً ملحوظاً.
ومن بين أبرز التحولات التي تكشفها الإحصاءات زيادة معدلات العزوبية الدائمة التي يُقصد بها أن يصل الفرد إلى سن 55 من دون أن يتزوج، والتي بلغت 9.4% عام 2024، مقارنة بـ5.9% عام 2014، وتشير البيانات إلى أن هذه الظاهرة تؤثر بشكل أكبر على النساء (11.1%) مقارنة بالرجال (7.6%)، وتظهر بوضوح أكبر في المناطق الحضرية (10.3%) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6%).
وتقول رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع غير الحكومية نجية تزروت، لـ"العربي الجديد"، إن مبادرة وزارة الأسرة لإعداد برنامج لمحاصرة عزوف الشباب عن الزواج "خطوة إيجابية في اتجاه إثارة النقاش حول قضية مجتمعية مهمة، لكن التعامل مع الظاهرة يتطلب أكثر من مقاربة تقنية أو ظرفية".
وتعليقاً على البرنامج الذي تعكف وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على إعداده، تضيف: "لا شك أن معالجة عزوف الشباب عن الزواج تحتاج إلى برنامج متكامل، لكن أي مقاربة فعّالة يجب أن تنطلق من فهم عميق للأسباب الهيكلية والاقتصادية والثقافية التي تقف وراء هذا العزوف، وليس فقط من خلال تقديم حوافز أو تسهيلات سطحية".
وتشرح تزروت أن "الهشاشة الاقتصادية والبطالة تشكلان أبرز العوائق أمام الشبان المقبلين على الزواج إلى جانب تكاليف المعيشة المرتفعة التي تثقل كاهل الأسر، وتُرجع العزوف عن الزواج إلى التحوّلات الاجتماعية والثقافية، بما فيها تغيّر نظرة الجيل الجديد إلى مؤسسة الزواج، وطموح الشبان، خصوصاً النساء، إلى تحقيق الاستقلال الذاتي قبل الدخول في أي التزام أسري، إلى جانب ضعف الثقة في استقرار العلاقات الزوجية نتيجة ارتفاع معدلات الطلاق، ما يعزز التردد والخوف من الفشل".
ومن أجل مواجهة ظاهرة العزوف عن الزواج تؤكد "ضرورة وضع سياسات عمومية مندمجة تضمن الكرامة الاقتصادية والاجتماعية للشباب، وتشمل التشغيل والسكن والحماية الاجتماعية، وفتح نقاش مجتمعي مفتوح وصريح حول أدوار الجنسين في مؤسسة الزواج لضمان المساواة والعدالة داخل الأسرة. كما تؤكد ضرورة الاستثمار في برامج التربية العاطفية والتربية على الحياة المشتركة، منذ سن المراهقة، لبناء وعي صحي بالزواج بوصفه شراكة قائمة على المساواة والاحترام المتبادل".
وتعتبر أن "مواجهة عزوف الشباب عن الزواج لا يحصل عبر محاصرته فحسب، بل بفهم أسبابه الحقيقية والعمل على خلق شروط إنسانية تحفظ كرامة الطرفين وتضمن استقرار الأسرة".
من جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع عبد المنعم الكزان، لـ"العربي الجديد"، إن "ظاهرة العزوف عن الزواج تحكمها عوامل عدة نفسية وثقافية واجتماعية واقتصادية. 60% من المغاربة الشباب يعتبرون أن الأولوية للاستقرار المالي قبل الزواج، خصوصاً أن الجانب المالي من بين أحد أهم أسباب الطلاق، لا سيما في المدن الكبرى التي تعرف غلاءً كبيراً في المعيشة".
ويلفت إلى أن "غالبية الشبان المغاربة يرفضون أن يكونوا عالة على زوجاتهم، كما هناك سوء فهم لقانون الأسرة المغربي الذي لم تبذل الدولة الجهد الكافي لشرحه، وأيضاً أسباباً نفسية تتعلق بوجود خوف من الفشل في مؤسسة الزواج".
وبينما تعكف وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على إعداد البرنامج الذي سيُكشف قريباً، يوصي الكزان بضرورة أن تعيد المؤسسات الدينية الاعتبار لمفاهيم التكامل والتعاون التضحية، وأن تدمج المدرسة مواد مرتبطة بالتخطيط الأسري والإعلام من خلال تقديم تجارب ناجحة، إضافة إلى تكوين اختصاصيين وخبراء في مجال الأسرة، ويؤكد أن "التشجيع على الزواج لا يكفي، بل الأهم الحفاظ على الأسرة بعد الزواج".