بدو المليحات... صمود في وجه الاستيطان الإسرائيلي رغم التهجير

09 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 13:39 (توقيت القدس)
اعتداء الاحتلال على مدرسة بدو الكعابنة، أريحا، 16 سبتمبر 2024 (فيسبوك/التربية والتعليم)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه تجمع عرب المليحات تحديات تعليمية بسبب الترحيل القسري وصعوبة الوصول إلى المدارس البعيدة، مما يهدد بحرمان الأطفال من التعليم.
- تعرضت مدرسة بدو الكعابنة لهجمات متكررة من المستوطنين وسلطات الاحتلال، مما أدى إلى تهجير الطلاب، ويطالب الأهالي بإعادة إنشاء المدرسة لضمان استمرار التعليم.
- يتم التنسيق مع الجهات المعنية لإيجاد حل دائم لإعادة إقامة المدرسة، بينما يواصل الأهالي جهودهم للعودة إلى تجمعهم رغم التحديات.

قررت دلال مليحات ألا ترسل أربعة من أطفالها إلى المدرسة مع بدء العام الدراسي في الضفة الغربية المحتلة الذي بدأ أمس الاثنين، هو ليس بقرار فردي لها، بل لكل تجمع عرب المليحات البدوي الذي هجر أهله قسرا من منطقة المعرجات شمال غرب أريحا شرق الضفة الغربية يوليو/تموز الماضي. تقول دلال لـ"العربي الجديد"، إنها حضّرت ملابس المدرسة لأطفالها، وحضرت الحقائب والمستلزمات، لكنها لن ترسلهم إلى مدارس في مناطق أخرى غير المنطقة التي تسكن فيها حاليا، وهي بين بلدة العوجا ومدينة أريحا، فالمدارس الأقرب كما تقول بعيدة نسبيا، ولا مركبات نقل عمومي متوفرة، والطريق وعر من التجمع وإليه.

تخشى دلال أن يُحرم أبناؤها من المدرسة هذا العام إن لم تستجب المؤسسات الرسمية الفلسطينية لمطلب أهالي التجمع بإعادة إقامة مدرسة التجمع بداخله، كما كانت قبل الترحيل القسري من مكان سكنهم السابق. تقول دلال إنه يكفي أن ابنتها الأكبر، والتي تدرس في الصف العاشر تذهب إلى مدرسة في بلدة النويعمة المجاورة، لأن مدرسة التجمع من الصف الأول وحتى التاسع الأساسي.

وهُجرت عائلات تجمع عرب المليحات على مدار أشهر على دفعات، على وقع هجمات المستوطنين المتكررة والتي استهدفت كل شيء بما في ذلك مدرسة بدو الكعابنة، التي كانت داخل التجمع، وكان من أبرز ما تعرضت له المدرسة هجوم مستوطنين على الطلبة والطالبات في سبتمبر/ أيلول 2024، حيث لاحق المستوطنون الطلبة والطالبات داخل ساحة المدرسة واعتدوا على الطاقم التدريسي، ووثقت حينها كاميرات الهواتف لأهالي التجمع مشهد ملاحقة الطلبة والهيئة التدريسية والاعتداء عليهم بالهراوات.

يوضح ممثل تجمع عرب المليحات البدوي سليمان مليحات لـ"العربي الجديد"، أن مطلب أهالي التجمع، إعادة إنشاء المدرسة داخل مكان سكنهم الجديد، بعدما هجروا من منطقة المعرجات، وسيطر المستوطنون على مدرستهم، وسرقوا ممتلكاتها. مضيفا: "حتى لو أعيدت كخيمة، أو بغرف متنقلة، نريد أن تعود المدرسة إلى قلب التجمع كما كانت"، هكذا يقول مليحات، مشيرا إلى أن الأهالي لم يحصلوا حتى الآن على موافقة على هذا المطلب من الجهات المسؤولة كوزارة التربية والتعليم، ومحافظة أريحا، مؤكدا أن قرابة 50 طالبا وطالبة من الصف الأول وحتى التاسع، لم يبدؤوا عامهم الدراسي، بينما كانت المدرسة خلال السنوات الماضية وقبل عمليات التهجير، تخدم قرابة 100 طالب من عائلة المليحات في تجمعين بدويين على الأقل في المناطق القريبة.

ووضع الأهالي خيمة كما يقول سليمان، ويطالبون بتوجه الطاقم التدريسي إليها والبدء بالعام الدراسي داخل تلك الخيمة ريثما تقام المدرسة. ولا يخفي سليمان التعبير عن شعوره بأن هناك قراراً غير معلن بإغلاق المدرسة، وتحويل الطلبة إلى مدارس أخرى، فكما يقول، طلبت منهم الجهات الرسمية توجيه أبنائهم إلى مدارس في بلدات قريبة مثل العوجا والنويعمة، وهم يرفضون ذلك، لأن الطريق تشكل خطراً على الطلبة كما يقول بسبب وجود المستوطنين كذلك، ولأن أقرب مدرسة تبعد 3 كيلومترات تقريبا، وبسبب العادات الاجتماعية لدى أهالي التجمع برفض ذهاب أبنائهم وبناتهم إلى مدارس في مناطق أخرى، وللحفاظ على إرث مدرسة بدو الكعابنة.

أنشئت مدرسة بدو الكعابنة في عام 1968 كخيمة متنقلة مع التجمع أينما ذهب، وبدأت في أراضي دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة الغربية حيث كانت تسكن العائلات

وأنشئت مدرسة بدو الكعابنة في عام 1968 كخيمة متنقلة مع التجمع أينما ذهب، وبدأت في أراضي دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة الغربية حيث كانت تسكن العائلات، وانتقلت معها في ثمانينيات القرن الماضي، بعدما رحلهم الاحتلال قرب أريحا، وهناك أصبحت مدرسة ثابتة في قلب التجمع، وتحولت إلى غرف متنقلة "كرفانات". وعلى مدار سنوات تعرضت المدرسة للاستهداف ليس فقط من المستوطنين، بل من سلطات الاحتلال المتمثلة بما تسمى الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، التي أخطرت بهدمها أكثر من مرة بحجة البناء دون ترخيص، وأخطرت بوقف البناء أكثر من مرة بعد إقامة إضافات بسيطة للمدرسة كالمرافق أو الغرف الصفية المكونة من صفيح. لكن الأهالي على مدار سنوات استطاعوا الحفاظ على المدرسة من الهدم، وقاموا بتوسيعها خفية أكثر من مرة لتتلاءم مع احتياجات أبنائهم.

مدرسة بدو المليحات رمزاً للصمود

وكانت المدرسة رمزا لصمود التجمع، وعاملا مساعدا في بقائه رغم الاعتداءات لسنوات طويلة، إلى أن اشتدت الهجمات الاستيطانية ما بعد إنشاء حكومة الاحتلال الحالية والتي أعطت دفعة ودعما للمستوطنين، وتكثفت الهجمات الاستيطانية بعد شن الاحتلال حرب الإبادة على غزة، ما أدى إلى تهجير التجمع وكل التجمعات البدوية في منطقة المعرجات وما بين شرق رام الله وأريحا والتي كان فيها العشرات من تجمعات البدو.

في المقابل، يؤكد مدير التربية والتعليم في محافظة أريحا أمجد الخضيري لـ"العربي الجديد"، أن المدرسة بالنسبة للمديرية والوزارة قائمة ككيان، ولها مراكزها التعليمية والوظيفية المكونة من 17 موظفا ومعلما، مشيرا إلى أن التربية قررت استيعاب الطلبة في الفترة الأولى من العام الدراسي في المدارس المجاورة، إلى حين إيجاد مكان مناسب للمدرسة بالتنسيق مع محافظة أريحا والأهالي.

ويقول الخضيري: "أن تقام المدرسة داخل التجمع أمر سيتم بحثه، والأهم مراعاة مصلحة الطلبة، يمكن استيعاب الطلبة في المدارس المجاورة إلى حين ذلك، حيث إن عددهم ليس كبيرا".

وحول الفترة الزمنية للحل المنشود، يؤكد الخضيري أن الأمر ليس منوطا فقط بالمديرية، بل مرتبط بعدة أطراف مثل المحافظة والوزارة، والأهالي ومجالس أولياء الأمور، لذا لم يعط وقتا تقريبيا لإعادة إقامة المدرسة، مع تأكيده أن معلميها وطاقمها جاهزون والمدرسة قائمة ككيان مستقل وستبقى كذلك.

وكان أهالي التجمع بالتعاون مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية ومتضامنين، حاولوا العودة إلى تجمعهم نهاية يوليو/ تموز الماضي، بعد حصولهم على قرار من محكمة الاحتلال العليا يسمح لهم بالعودة، لكنهم هجروا مرة أخرى بعد هجوم عنيف من المستوطنين حينها، وكانت المحكمة رفضت طلب الأهالي بتوفير الحماية لهم من هجمات المستوطنين.

ومنذ 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، هجرت عشرات التجمعات البدوية بسبب هجمات المستوطنين، ما أدى إلى إفراغ مساحات كبيرة من الأراضي من البدو، وبالتالي سيطرة البؤرة الاستيطانية الرعوية عليها، ومنع المزارعين والرعاة الفلسطينيين من الوصول إلى مساحات شاسعة من الأراضي. وتركزت عمليات الترحيل القسري على مناطق شرق رام الله، المطلة على الأغوار، ومناطق ما بين رام الله وأريحا، ومناطق الأغوار، ومسافر يطا في الخليل جنوب الضفة الغربية.

المساهمون