بؤرة استيطانية في الطنطور لإطباق الحصار على قريوت الفلسطينية
استمع إلى الملخص
- منذ الثمانينيات، استهدفت قريوت بإقامة مستوطنات وبؤر استيطانية، ليصل عددها إلى عشر، مما أدى إلى خنق القرية وتناقص عدد سكانها وفقدان مصادر المياه.
- أُنشئت نحو 80 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023، مما يعرقل وصول الفلسطينيين لأراضيهم ويهدد إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
تشهد منطقة الطنطور، جنوبي قرية قريوت، الواقعة في جنوب شرقي نابلس، شمال الضفة الغربية، تسارعاً في وتيرة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي عبر إقامة بؤرة استيطانية جديدة ضمن خطة ممنهجة تهدف إلى تشديد الحصار على القرية وحرمان أهاليها من أراضيهم، ومحاولة دفعهم إلى الهجرة.
ويؤكد مسؤول ملف الاستيطان في المجلس القروي أدهم الجوهري، لـ"العربي الجديد"، أن "المستوطنين استغلوا انشغال العالم بالحرب على قطاع غزة لتنفيذ مخططات استيطانية باتت تلتهم ما تبقى من أراضي قرية قريوت. في بداية الحرب، سيطر المستوطنون على أراضي منطقة البطاين، ومساحتها نحو 300 دونم، وأقاموا فيها بؤرة استيطانية ربطوها بشبكات المياه والكهرباء والطرق، وربطوها مع مستوطنتي (شيلو) و(عيليه) المقامتين على أراضي قريوت وعدد من القرى المجاورة".
يضيف الجوهري: "الخطر الآن يتهدد منطقة الطنطور، التي لا تبعد كثيراً عن منطقة البطاين، وتمتد على مساحة تقارب 500 دونم، وهذه المنطقة تُعد من أبرز المواقع الاستراتيجية في قريوت، بسبب ارتفاعها وقربها من منازل الأهالي في الجهة الجنوبية من القرية. تشهد منطقة الطنطور منذ أيام أعمالاً حثيثة من قبل المستوطنين لتجهيز البنية التحتية لإقامة بؤرة استيطانية جديدة، إذ يتم شق طرق بواسطة الجرافات، وبدء وضع أعمدة الكهرباء، على غرار ما حدث سابقاً في البطاين".
ويوضح قائلاً: "يعمل المستوطنون وفق نمط واضح، إذ يبدأ العمل بشق الطرق، ثم تجهيز البنية التحتية، ثم نصب الخيام، ثم إدخال الكرفانات، وفي النهاية يصبح المكان بؤرة استيطانية كاملة، هذا تماماً ما فعلوه في البطاين، وهم الآن يكررونه في الطنطور، ورغم أنه لا توجد خيام أو كرفانات حتى الآن، إلا أن المرحلة الأولى من التهيئة جارية بالفعل".
وبحسب الجوهري، فإنه "بدأ منذ ثمانينيات القرن الماضي استهداف أراضي قريوت، إذ أُقيمت ثلاث مستوطنات رئيسية على أراضيها هي شيلو وراحيل وعيليه، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو، تم إنشاء ثلاث بؤر استيطانية إضافية على أراضي القرية وأراضي القرى المحيطة، وهي (إيش كودش)، و(عميحاي)، و(أحياه)، وبعد اندلاع الحرب على غزة، أُضيفت ثلاث بؤر استيطانية جديدة، ليصبح مجموع المستوطنات والبؤر التي تحيط بالقرية عشر، ما يعني خنقاً كاملاً من جهاتها كافة، والسيطرة على غالبية أراضيها".
ويضيف: "ما يجري في قريوت ليس فقط سرقة للأرض، بل عملية ممنهجة لخنق السكان ودفعهم للهجرة، وكان عدد السكان في إحصاء عام 2007 نحو 2800 نسمة، ويتناقص العدد منذ ذلك الحين بسبب الهجرة الداخلية، كما سجلت حالات عدة للهجرة إلى خارج فلسطين نتيجة عدم وجود أراضٍ للبناء أو الزراعة بعدما صودرت معظم أراضي القرية. قريوت كانت تُعرف بخصوبة أراضيها واعتماد أهلها على الزراعة، لكنها لم تعد كما كانت، فالأراضي السهلية التي كان يعتمد عليها أهالي القرية زراعياً تمّت مصادرتها، والأخطر أن المستوطنين سيطروا خلال الحرب الحالية على آخر نبعي مياه في القرية، وبذلك فقدت قريوت جميع مصادر المياه الطبيعية".
يتابع: "لا تتوقف معاناة أهالي قرية قريوت عند سرقة الأراضي والمياه، بل تتعداها إلى الاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال، والذين لا يتوانون عن ترهيب الأهالي ومضايقتهم، ما يزيد الضغط النفسي والمعيشي عليهم، ويدفع الكثيرين للتفكير في ترك القرية. موقع قريوت الجغرافي يجعلها هدفاً دائماً للاحتلال والمستوطنين، إذ تقع بين عدة مستوطنات، ما يجعلها حلقة وصل مهمة في مخطط الاستيطان القائم على ربط المستوطنات بعضها ببعض من خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الواقعة بينها، كما أن خصوبة الأراضي ووجود ينابيع المياه يعززان أطماع المستوطنين".
بدوره، يؤكد مدير عام التوثيق والنشر في هيئة شؤون مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية أمير داود، لـ"العربي الجديد"، أن "الضفة الغربية شهدت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إنشاء نحو 80 بؤرة استيطانية جديدة، ومصادرة نحو 55 ألف دونم تحت مسميات مختلفة، أبرزها (أراضي الدولة) و(المحميات الطبيعية)".
ويوضح داود أن "هذه البؤر الاستيطانية لا تقتصر خطورتها على الاستيلاء على الأراضي فقط، بل إنها تعمل على فرض وقائع جديدة على الأرض تعرقل وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم، ما يشكل امتداداً عملياً لمخططات إسرائيلية رسمية ترمي إلى تقويض أي إمكانية مستقبلية لقيام دولة فلسطينية مستقلة".