انتهاكات لمحميات ليبيا ومتنزهاتها

انتهاكات لمحميات ليبيا ومتنزهاتها

14 أكتوبر 2021
نزهة شتوية في الجبل الأخضر بليبيا (فرانس برس)
+ الخط -

 

بعد سنوات من الحروب والتعديات والإهمال واستخدامها في تدريبات عسكرية، يغدو إنقاذ المحميات والمتنزهات في ليبيا أمراً أقرب إلى المستحيل. حتى إن الحيوانات والطيور يئست من انتظار حلول، وهاجرت أو أبيدت لمجرد المتعة.

تواجه المحميات والمتنزهات الطبيعية في ليبيا مخاطر جمّة بسبب الظروف السائدة والإهمال الرسمي والشعبي لها، ما اضطر بعضها إلى الإقفال. يتحدث رئيس جمعية الواحة الأهلية الناشطة في مجال البيئة سليم بوعزة لـ"العربي الجديد" عن "تعرض المتنزهات والمحميات الطبيعية في البلاد إلى انتهاكات عدة، منها عمليات جرف وتعدٍ ينفذها ليبيون من أجل إنشاء مساكن، أو تقسيم أراضيها من أجل بيعها. وقد اقتطعت هذه التعديات عشرات الهكتارات من الأراضي، واقتلعت أشجارها". 

ويوضح بوعزة أن "6 من أصل 20 محمية ومتنزهاً تحوّلت الى أراض مشاع، بعدما تراجع اهتمام السلطات بها في ظل النزاعات والصراعات المسلحة، مشيراً إلى أن الآثار السلبية لإهمال هذه المحميات كبيرة جداً وقد لا يمكن تعويضها، وعلى رأسها هجرة أنواع من الحيوانات كانت تعيش فيها، والتعدي على أنواع نادرة من النباتات والأشجار". 

وقبل عامين، نشرت منظمة الحياة لحماية الكائنات البرية والبحرية صوراً جوية للغطاء النباتي لمدن الجبل الأخضر (شمال شرق)، أظهرت تضاؤل وتراجع الغطاء النباتي في محيطها خلال الفترة الممتدة من 2 فبراير/ شباط 2011 إلى 4 يونيو/ حزيران 2016، بسبب عمليات جرف نفِّذت في المنطقة. وحذرت المنظمة حينها من أن دراستها تؤكد ان الغطاء النباتي في المنطقة سيزول إذا استمرت التعديات. 

وتعد محميات الجبل الأخضر الأهم في ليبيا، وتضم عدداً كبيراً من المتنزهات الطبيعية. لكن غياب السلطة شجّع على التعدي عليها من أشخاص رغبوا في إقامة مساكن فيها وتقسيم أراضيها من أجل الاتجار بها. كما شيّد مستثمرون، من دون الحصول على تراخيص من الدولة، مشاريع سياحية فيها، خصوصاً في تلك المطلة على البحر، عبر منشآت للاصطياف واستراحات للإيجار. 

ويشرح بوعزة أن بعض هذه التعديات "يشمل محمية وادي الكوف التي أنشئت عام 1978 على مساحة 8 آلاف هكتار، من أصل 100 ألف هكتار تشكل المساحة الكلية للوادي" الذي يربط مدينة بنغازي غرباً بمدينتي البيضاء والمرج شرقاً. ويشير الى أن دراسات أجرتها جمعيته "تؤكد مغادرة أنواع كثيرة من الحيوانات والطيور النادرة مساحة واسعة من هذه المحمية، وبينها القط البري الليبي والظربان والعصفور النوري"، علماً أن أنواع الحيوانات البرية التي تعيش فيها تشمل أيضاً الثعلب البري والنمس والوشق والأرنب البري وابن آوى والغزال، كما توجد فيها طيور مهاجرة ومستوطنة، مثل الحوام والحجل والصقر الحر والحبارى والعصفور النوري، وتتمتع بغطاء نباتي من أشجار البلوط والصنوبر والسرو.

الصورة
الجبل الأخضر (وولفغانغ كيهلر/ Getty)
الجبل الأخضر (وولفغانغ كيهلر/ Getty)

ولم تتوقف الانتهاكات عند هذا الحد، إذ اتخذت أطراف مسلحة محميات ومتنزهات، خصوصاً تلك البعيدة عن المدن والقرى، أماكن لتدريب عناصرها وإقامة معسكرات، وحتى لتخزين ذخيرة وأسلحة. ويحدد أبوعزة بعض هذه المواقع "بأجزاء من وادي الكوف ومرتفعات الجبل الغربي التي تعرضت لتخريب كبير بعدما اتخذتها الأطراف المسلحة لسنوات مسرحاً للتدرب على الرماية بواسطة الأسلحة والقذائف. وفي الجنوب ووسطه، احتلت مليشيات محمية الحمادة الحمراء، ونفذت عمليات صيد جائر فيها استهدفت أنواعاً من الحيوانات البرية مثل الودان الليبي النادر جداً والغزلان. وأحياناً كان الصيد يمارس مجرد هواية، حيث تترك الحيوانات بلا الإفادة منها أو حتى أكل لحمها". 

وفيما يؤكد الواقع الميداني أن السلطات الحالية تواجه آثار الانقسام السياسي السابق الذي طاول المحميات وأنواع الحياة البرية والنباتية، يوضح الرئيس السابق لإدارة المراعي والغابات في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والبحرية إبراهيم بوحلفاية، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القرارات الحكومية التي صدرت في وقت الانقسام السياسي منحت إدارة المراعي والغابات حق الإشراف على رعاية 11 محمية ومتنزهاً طبيعياً تتوزع في أنحاء البلاد، وهي متنزهات صرمان وصبراتة والنقازة وأبو غيلان ومسلاتة وبئر عياد والهيشة، وتكليفها تسلم مراعي ومساحات واسعة للعمل لتنشيط الحياة البرية فيها، بهدف تحويلها الى محميات". ويلفت بوحلفاية إلى أن القرار طاول محميات ومتنزهات في غرب البلاد، وهو لا يزال على حاله بلا تغيير، إذ لم تضاف إليه مناطق أخرى في الشرق والجنوب. "وبسبب هذا القرار، لا يمكن أن نتحرك نحو حماية أو متابعة محميات في مناطق أخرى". 

ويوضح بوحلفاية أن "غياب القانون وسلطة الدولة حوّل المتنزهات الطبيعية الى أملاك خاصة، مثل متنزه أبو غيلان (غرب)، ومساحات من متنزه النقازة شرق العاصمة طرابلس. أما محمية الزلاف في الجنوب، فأعلنت قبل شهرين منطقة عسكرية بالكامل، ولا نعلم شيئاً عنها باستثناء أن غالبية مكوناتها الحيوانية هاجرت قبل فترة".

المساهمون