استمع إلى الملخص
- يعكس الانقسام داخل حزب العمال صراعاً بين جناح يدعو لضبط الإنفاق وآخر يعتبر الإجراءات تقويضاً لمبادئ الحزب، مع زيادة ملحوظة في عدد المستفيدين بسبب مشكلات الصحة النفسية.
- تتضمن خطة الحكومة إلغاء أعلى مستوى من الإعانات وفرض "واجب الانخراط" على 2.4 مليون شخص، مع توفير 600 مليون جنيه إسترليني سنوياً، وسط مخاوف من تأثيرها على الصحة النفسية والأزمات الاجتماعية.
تستعد الحكومة البريطانية لإدخال تعديلات جذرية على نظام الرعاية الاجتماعية، تشمل تقليص إعانات المرضى ذوي الحالات طويلة الأمد وإلزامهم بالبحث عن عمل. وبينما يرى بعض نواب حزب العمال الحاكم في بريطانيا أن هذه الإصلاحات ضرورية لضبط الإنفاق الحكومي، يحذر آخرون من تداعياتها القاسية على الفئات الأكثر ضعفًا، ما يثير تساؤلات حول مدى عدالة هذه الإصلاحات.
ويمكن فهم الجدل الدائر داخل حزب العمال بشأن إصلاحات الرعاية الاجتماعية و"واجب الانخراط" المقترح لمتلقي إعانات العجز في سياق سياسات الحزب السابقة، فقد شهد الحزب الحاكم تحولات في سياساته بين قيادة توني بلير الذي ركز على تقليل الاعتماد على الإعانات، وجيريمي كوربين الذي دعا إلى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي.
في ظل هذا الإرث، يعكس الانقسام الحالي داخل الحزب صراعاً بين جناح يؤمن بضرورة ضبط الإنفاق على الرعاية الاجتماعية لضمان استدامة الاقتصاد، وآخر يعتبر هذه الإجراءات تقويضاً لمبادئ الحزب الجوهرية. وعلى الرغم من دعم 36 نائباً الإصلاحات باعتبارها "مسعى تقدمياً" لتعزيز سوق العمل، يعارضها آخرون، مثل النائبة راشيل ماسكيل التي وصفتها في تقرير نشرته "ذا تايمز" بأنها "تخفيضات قاسية" تمس الفئات الأكثر ضعفاً.
2.9 مليون شخص يستفيدون حالياً من إعانات الإعاقة في بريطانيا
ويقول مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسات العامة أشوين كومار لـ"العربي الجديد": "يفتقر العديد من الأفراد المستفيدين من إعانات المرض طويل الأمد حالياً إلى الدعم اللازم للعودة إلى سوق العمل، وتشير المسوح الأخيرة إلى أن نسبة كبيرة من هذه الفئة تُعرب عن رغبتها في العمل، واستجابةً لذلك، تتخذ الحكومة خطوات لتعزيز الدعم المقدم لهؤلاء الأفراد، وتسهيل مشاركتهم في أنشطة تُقرّبهم من فرص العمل. في حال نجاح هذه المبادرة، سيتمكن ذوو الدخل المحدود حالياً نتيجة توقفهم عن العمل واعتمادهم على الإعانات من كسب أجور، ما يُعزز دخلهم الإجمالي، وستكون هذه نتيجة إيجابية للغاية للأفراد الذين يدعمهم هذا البرنامج".
يضيف كومار: "رغم ذلك، يبقى سؤال هل يمكن للحكومة مساعدة هؤلاء الأفراد على العودة إلى العمل بنجاح؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فمن المرجح أن يظل التركيز منصباً على مساعدة من يعيشون في مجتمعات تُعاني من ارتفاع معدلات الغياب عن سوق العمل بسبب المرض، حيث ينتشر انخفاض الدخل بشكل خاص، ويظل دعم هذه المجتمعات أولوية رئيسية".
وتتضمن خطة الحكومة الحالية تغييرات جوهرية تهدف إلى إعادة هيكلة نظام إعانات الإعاقة، وأبرزها إلغاء أعلى مستوى من هذه الإعانات الذي كان يسمح لطالبي العمل بمضاعفة دخلهم إذا ثبت عدم أهليتهم لأي وظيفة، إضافة إلى فرض "واجب الانخراط" على 2.4 مليون شخص من متلقي إعانات العجز، ما يجبرهم على الاستعداد للبحث عن وظائف، ويثير مخاوف حول تأثير هذه الإجراءات عليهم.
ووفقاً لتحليل معهد الدراسات المالية، فإن 2.9 مليون شخص يستفيدون حالياً من إعانات الإعاقة، بزيادة قدرها 900 ألف مقارنة بفترة ما قبل جائحة كورونا، وتشير البيانات إلى أن واحداً من كل عشرة بالغين في سن العمل يحصل الآن على إعانة مرضية. وتلعب الصحة النفسية دوراً رئيسياً في هذه الزيادة، إذ أفاد 500 ألف من المطالبين الجدد بأن حالتهم الصحية الرئيسية تتعلق بمشكلات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، كما أن 86% من متلقي الإعانات يعانون من نوع من مشكلات الصحة النفسية.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن تخفيضات بأكثر من خمسة مليارات جنيه إسترليني في إعانات الإعاقة للسيطرة على الإنفاق المتزايد، حذّر التحليل السابق من وجود "أدلة دامغة" على تراجع حقيقي في الصحة النفسية في بريطانيا منذ الجائحة، بما في ذلك ارتفاع في "وفيات اليأس". ووفقاً لصحيفة "ذا تايمز" في 10 مارس/آذار، وافقت وزيرة العمل والمعاشات التقاعدية ليز كيندال على هذه التخفيضات مقابل زيادة المستوى الأساسي للائتمان الشامل، واستثمار نحو مليار جنيه إسترليني في برامج تدريبية لمساعدة المرضى طويلي الأمد على العودة إلى العمل.
وتشير البيانات إلى أن 700 ألف شخص إضافي في بريطانيا باتوا يعتمدون على الإعانات بسبب اعتلال صحتهم مقارنة بالفترة التي سبقت الجائحة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد مليوناً آخر بحلول نهاية العقد الحالي. في حين تخطط الحكومة لزيادة كبيرة في إعادة تقييم المستفيدين من إعانات المرض، في خطوة تهدف إلى توفير 600 مليون جنيه إسترليني سنوياً، بيد أنّها قد تؤدي إلى تصاعد الجدل حول مدى عدالة النظام الجديد. وفي ظل هذه الانقسامات، يتكرر سؤال: هل ستحقق هذه التعديلات التوازن المطلوب، أم أنها ستفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد؟