استمع إلى الملخص
- يعبر بعض النشطاء عن قلقهم من تأثير القرار على التقاليد، بينما ترى المحامية لي وانغ أن المخاوف مبالغ فيها، مؤكدة أن القرار يخفف الأعباء عن الموظفين والعمال المهاجرين.
- تراجعت معدلات الزواج والمواليد في الصين بسبب اختلال التوازن بين الجنسين وارتفاع تكاليف الزواج والضغوط الاقتصادية.
في أغسطس/ آب الماضي، أصدرت وزارة الشؤون المدنية في الصين لائحة معدلة ألغت الحاجة إلى سجل الأسرة، وأزالت القيود الإقليمية لتسجيل الزواج، موضحة أن الهدف هو استيعاب حركة السكان المتزايدة، وتخفيف العبء عن المواطنين الذين كانوا يعودون في السابق إلى مكان تسجيل أسرهم للزواج. لكن تلك اللائحة أثارت جدلاً كبيراً، إذ اعتبرها نشطاء تشجع الشباب على الزواج من دون العودة إلى أولياء أمورهم، كما تسهّل فكرة تعدد الزوجات الممنوعة في القانون الصيني، وأيضاً عمليات الاحتيال.
وردّت الوزارة على تلك المخاوف بأنه يمكن الوصول إلى البيانات الموجودة في قاعدة معلومات الزواج عن طريق جميع مسؤولي تسجيل الزواج في أنحاء البلاد، وأن تبادل المعلومات بين الإدارات المحلية يضمن التحقق من معلومات السكان، ويمنع تعدد الزوجات والاحتيال بشكل فعّال.
يرأس لين يانغ شوالي جميعة للتوفيق بين الأزواج الذين يرغبون في الطلاق، ويقول لـ"العربي الجديد": "أصبت بخيبة من القرار الحكومي الذي أسقط الحاجة إلى سجل الأسرة عند تسجيل الزواج، فهو يتناقض مع الأعراف والتقاليد الصينية التي تربت عليها الأجيال المتعاقبة، كما قد يُفسد جيلاً كاملاً يعاني أساساً من وطأة وضغوط الحياة الاقتصادية والتباعد الاجتماعي بسبب ظروف العمل والبقاء لفترات طويلة بعيداً عن العائلة".
ويوضح أن "عدم الحاجة إلى الرجوع للأسرة في مسألة وقرار مصيريين مثل الزواج يعزز الشرخ الاجتماعي القائم بطبيعة الحال، ويدفع في اتجاه تقوقع الشباب في بيئة العمل والحياة الانعزالية بعيداً عن الأجواء الأسرية الصحية والطبيعية". وتقول شين ليغ، وهي طالبة دراسات عليا في جامعة شينزن (جنوب)، إنها تتفهم خلفيات قرار الحكومة الذي يهدف إلى حث الشباب على الزواج في ظل تراجع معدلات الإنجاب وارتفاع نسبة العنوسة والشيخوخة، لكن ذلك لا يعتبر مبرراً لهدم أساس اجتماعي متين يمثل درعاً واقياً للشباب.
وتضيف في حديثها مع "العربي الجديد": "إزالة شرط السجل المدني يعني أن أي شاب أو شابة يمكن أن يتزوج من دون أن تعلم أسرته، ومن دون أن يحتاج إليهم باعتبارهم غطاء أو أساساً قانونياً، وقد يشجع ذلك بعض ضعاف النفوس على استغلال الفتيات والاحتيال عليهن، كما قد يحفّز المتزوجين على تكرار الزواج من دون كشف حالتهم الاجتماعية الحقيقية، وهو أمر خطير وله تداعيات سلبية على المجتمع، وقد يوقع العديد من الشباب في شراك النصب".
في المقابل، تقول المحامية لي وانغ، المستشارة القانونية في المعهد الصيني للعلوم النفسية والاجتماعية، لـ"العربي الجديد": "المخاوف التي أثارها القرار الحكومي مبالغ فيها، إذ أوضحت وزارة الشؤون المدنية منذ البداية أن لديها وسائل للاطلاع على السجل المدني الخاص بشخص يرغب في الزواج، وبالتالي تأكيد حالته الاجتماعية، ما يُزيل أي شكوك تتعلق بنيات سلبية. والقرار يهدف أولاً إلى تخفيف الأعباء عن الموظفين والعمال المهاجرين إلى المدن الصناعية الكبرى حيث كان يستدعي تسجيل الزواج السفر مئات الكيلومترات للعودة إلى مسقط رأس الفرد شرطاً أساسياً لإنجاز العملية بالاعتماد على سجل الأسرة، لكن مع القرار الجديد، أصبح ممكناً إنجاز الإجراءات في المدينة من دون الحاجة إلى ترك العمل والسفر مسافات بعيدة إلى القرى والأرياف، مع الإبقاء على أهمية استشارة الأسرة والحصول على موافقة الوالدين كونها إجراءً وعرفاً اجتماعياً وليس شرطاً قانونياً".
وأوضحت وانغ أن "ما يثير مخاوف بعض المحافظين هو التفسير الخاطئ لهدف القرار، واعتبار إسقاط الحاجة إلى سجل الأسرة تهميشاً لدور أولياء الأمور، في حين أنه تمكن العودة إلى ذلك عبر السجلات الرقمية وقاعدة البيانات الحكومية".
وبحسب المكتب الوطني للإحصاء، تراجعت معدلات الزواج في الصين بطريقة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية. ففي عام 2020، جرى تسجيل 8.14 ملايين زواج مقارنة بـ13.47 مليوناً عام 2013. وفي غضون ذلك، انخفضت معدلات المواليد في العام نفسه إلى 7.5 أطفال لكل ألف شخص، وهو الرقم الأدنى منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949. وأرجع خبراء في الصحة الإنجابية تدني نسبة المواليد الجدد إلى الانخفاض المستمر في عدد النساء في سنّ الإنجاب، وذلك نتيجةً حتميةً لاختلال التوازن بين الجنسين، وعزوف عدد كبير من الشباب عن الزواج لأسباب تتعلّق بالظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.
ويرى مراقبون أن انخفاض الاستعداد للزواج والإنجاب في الصين يرتبط بعوامل الخوف من المجهول في ظل ارتفاع تكاليف الزواج وتربية الأطفال وحالة عدم اليقين، ويشيرون إلى أن هذه العوامل تضاف إلى تلك التقليدية التي تؤثر في الرغبة بالارتباط والإنجاب، مثل ارتفاع أسعار العقارات وتكاليف الرعاية الصحية والتعليم، وضغوط العمل والدخل.