انتخابات أطباء لبنان: تنافس سياسي في بيروت ونقابي في طرابلس

انتخابات أطباء لبنان: تنافس سياسي في بيروت ونقابي في طرابلس

27 مايو 2022
الأزمات المتفاقمة تهدّد الأطباء كما سواهم من اللبنانيين (حسام شبارو/ الأناضول)
+ الخط -

وسط سوداويّة المشهد في لبنان وتأزّم القطاع الصحي مع تضرّر الأطباء كما المستشفيات من الأزمة الاقتصادية القائمة، تنطلق بعد غدٍ الأحد انتخابات نقابتَي الأطباء في بيروت وطرابلس (الشمال). يأتي ذلك بعد تأجيل ناهز عامَين في نقابة العاصمة على خلفية أزمة كورونا الوبائية، بحسب ما جاء في بيان لها، في حين أنّ نقابة الشمال أجرت انتخاباتها في العام الماضي، كما هي حال نقابات أطباء الأسنان والممرّضات والممرّضين والصيادلة والمهندسين والمحامين.

وفي نقابة بيروت، تحتدم المنافسة ما بين ثلاث لوائح؛ الأولى مكتملة تتألف من "أطباء تغييريّين" مستقلّين يخوضون المعركة تحت شعار "النقابة تنتفض"، أمّا الثانية فغير مكتملة تحت شعار "نقابيّون مستقلّون للتغيير- الطبيب أولاً"، وتضمّ أحزاب القوات اللبنانية والكتائب والتقدمي الاشتراكي. أمّا اللائحة الثالثة فلم يُعلَن عنها بشكل نهائي حتى تاريخ كتابة التقرير، وتضمّ التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل تحت شعار "نقابتي حصانتي"، بحسب مصادر "العربي الجديد".

وتنطلق في الجولة الصباحيّة عمليّة الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس النقابة (16 عضواً)، وأعضاء صندوق التأمين والإعانة (4 أعضاء)، وصندوق التقاعد (3 أعضاء)، والمجلس التأديبي (عضوان)، على أن يُنتخب النقيب في الجولة الثانية بعد الظهر، شريطة أن يكون قد فاز في عضويّة مجلس النقابة.

أمّا في نقابة الشمال، فالمشهد الانتخابي مغاير، إذ تتنافس ثلاث لوائح مكتملة من خارج الاصطفافات السياسيّة التقليديّة، فتأتي التحالفات "وفق برامج نقابيّة"، بحسب ما يقول بعض المعنيين لاختيار ثلاثة أعضاء لمجلس النقابة من ضمنهم النقيب، بالإضافة إلى أعضاء صندوق التقاعد، في حين فاز عضوا المجلس التأديبي بالتزكية. أمّا الأعضاء الستّة لصندوق التأمين والإعانة فيُعيَّنون من قبل النقيب المنتخب ومجلس النقابة، وذلك عند انعقاد الجلسة الأولى للمجلس الجديد. واللافت أنّ إحدى اللوائح تضمّ بحدّ ذاتها ثلاثة مرشّحين لمنصب النقيب.

معركتنا ضدّ المحاصصة

الطبيب جورج الهبر، مرشّح لمنصب النقيب في بيروت على لائحة "النقابة تنتفض"، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعركة اليوم ضدّ المحاصصة. فعلى مدى عشرين عاماً تقاسمت الأحزاب عمل النقابة وأوصلت الطبيب إلى وضعٍ لا يُحسَد عليه. أولويّتنا إرساء الشفافية وتكريس حقوق الطبيب وكرامته المهنيّة، بالإضافة إلى تحديد أتعابه بما يوازي الغلاء المعيشي، وتأمين الاستشفاء بالدرجة الأولى والتأمين الصحي الإلزامي بما يتناسب وقدرة الطبيب، إلى جانب تطلّعنا إلى إنشاء صيدليّة في داخل النقابة توفّر الأدوية للأطباء في مقابل سداد 10 أو 20 في المائة فقط من ثمنها".

وإذ يستنكر الهبر "ادّعاء بعض المرشّحين الحزبيّين أنّهم مستقلّون"، يشدّد على أنه "نحن نقابيّون مستقلّون غير حزبيّين، ملمّون بشؤون النقابة وملفّاتها، لا نعتمد على موظّفين لهم حساباتهم السياسيّة والحزبيّة الضيّقة. فنحن من انتفضنا في عام 2016 لتحسين وضع النقابة والأطباء، ونطمح اليوم إلى إعادة الدور الفاعل إلى الجمعيات العلمية التي صادرت النقابة أموالها لمصالح شخصيّة، وسطت عليها الأحزاب وأفرغتها من محتواها ومعاييرها، بعد أن كانت السند العلمي للطبيب اللبناني". ويلفت الهبر إلى أنّ "التأجيل الأخير للانتخابات لم يكن قانونيّاً، كون المجلس كان في حالة تصريف أعمال"، لافتاً إلى أنّ "لا علاقة لذلك بأزمة كورونا، لكنّني لا أعرف إن كان ذلك لأسباب سياسيّة أو شخصيّة".

من جهته، يأسف الطبيب المتخصص في جراحة العظام خضر حيدر لـ"الواقع المرير"، متسائلاً: "هل يجوز أن يخسر الطبيب جنى عمره وتضحياته في المصارف، وهو الذي وقف بالصفوف الأماميّة مع الممرّضين لمواجهة أزمة كورونا؟ وهل من العدل أن يتقاضى راتباً تقاعدياً شهرياً لا يتجاوز مليون ليرة لبنانية (نحو 30 دولاراً أميركياً بحسب سعر صرف السوق الموازية اليوم)؟ ويُضاف إلى ذلك حرمانه من الضمان الاجتماعي بعد التقاعد وتحميله فارق سعر صرف الدولار، سواء لجهة مستحقّاته من وزارة الصحة العامة والمستشفيات والهيئات الضامنة، والتي يعجز عن تحصيلها أيضاً من المصارف".

ويتحدّث حيدر لـ"العربي الجديد" عن "عمليّة ابتزاز واستغلال تمارسها شركات التأمين بحقّ الأطباء، فتوفّر التغطية الصحية إمّا على سعر الصرف الرسمي أو وفق منصّة صيرفة. لذلك، من الضروري حفظ كرامة الطبيب وحقّه بالعيش الكريم، بغضّ النظر عن الاصطفافات، إذ إنّنا بحسب ما يبدو متّجهون من سيّئ إلى أسوأ". 

"دور كبير للمستقلين"

وفي سياق متصل، يتحدّث نقيب أطباء لبنان في طرابلس سليم أبي صالح عن "دور كبير للمستقلّين، والدليل أنّ المرشّحين بمعظمهم غير منتسبين إلى أحزاب"، مشدّداً في حديث لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة تعزيز صمود الكادر الطبي، من خلال إعطاء الأطباء حقوقهم ومستحقّاتهم، وفصل أتعابهم عن المستشفيات حتى لا تواصل الأخيرة سرقتها، وإقرار المراسيم التشريعية لقانون حماية الطبيب من الاعتداءات الجسدية واللفظيّة، وتوسيع مشاركتهم في تقرير السياسة الصحية الوطنية، كونهم أوّل المتضرّرين الذين يدفعون الثمن الأكبر".

وإذ يناشد أبي صالح الدولة "الوقوف مع الأطباء في معركتهم ضدّ جمعية المصارف وحاكميّة مصرف لبنان لتحرير ودائعهم الشخصيّة والنقابيّة من سيطرة السلطة الفاسدة المتحكّمة بالسياسة المالية والمتواطئة معها"، يسأل: "هل من صحوة ضمير تجاه الشعب والوطن؟ وهل من أمر أسوأ من اضطرار الأطباء إلى النزول إلى الشارع، طلباً لحماية القطاع وصحّة المواطن؟". 

بدوره، يرى الطبيب المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي إلياس غصن أنّ انتخابات الشمال "معركة نقابيّة بامتياز، من المفترض أن تكون ديمقراطية وبعيدة عن المزايدات السياسية، إذ إنّ همّ الطبيب من همّ المواطن والمجتمع"، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "أولويّتنا المطالب المحقّة للأطباء في وجه السلطة الفاسدة التي أوصلت البلاد إلى هذا الواقع المزري، وحجزت أموال الأطباء والمستشفيات والمودعين كافّة، فدفعت بآلاف الأطباء والممرّضين إلى الهجرة".

ويعوّل غصن على "العمل النقابي المنظّم من ضمن أهداف واضحة كخلاص وحيد، بحيث يقع على النقابات دور كبير في المساهمة بخلق ميزان قوى ضدّ تعنّت السلطة وعنجهيّتها وعدم مسؤوليّتها. لذلك، سوف نركّز على اللوائح والأشخاص الذين يعبّرون عن توجّهاتنا النقابيّة المستقلّة، ويحملون برنامجاً إصلاحيّاً حقيقيّاً، ويكونون بالتالي محلّ ثقة ومصداقيّه بما يخدم النقابة والأطباء جميعاً".

المساهمون