انتحار مراهقين في الصين

انتحار مراهقين في الصين

25 نوفمبر 2021
تحية إلى شابة أقدمت على الانتحار قبل عامين (جيوفيين سو/ Getty)
+ الخط -

أعاد انتحار تلميذ في الثانوية العامة قبل فترة قصيرة، الحديث عن ظاهرة انتحار المراهقين في الصين إلى الواجهة. وكان لين وانغ (16 عاماً) قد ألقى بنفسه من نافذة الفصل في مدرسة ثانوية في مقاطعة سيتشوان جنوب غربي البلاد، ما أدى إلى وفاته على الفور. وأظهرت تحقيقات الشرطة أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية وحالة اكتئاب لفترة طويلة. وبحسب دراسة حديثة صادرة عن الأكاديمية الصينية للعلوم، فإن 24 في المائة من المراهقين يعانون من اضطرابات نفسية، والانتحار يعد أحد الأسباب الخمسة الأولى للوفاة لدى الفئة العمرية ما بين 10 و18 عاماً. وأرجع باحثون ارتفاع نسبة الانتحار بين المراهقين إلى شعورهم بانعدام القيمة وتدني احترام الذات، بالإضافة إلى الإحساس بالذنب وفقدان الثقة والقلق الدائم، نتيجة اضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء، وانشغال أولياء الأمور وانهماكهم في تأمين الاحتياجات المعيشية، وبالتالي غياب الرعاية والرقابة الأسريتين اللتين تعززان الثقة بالنفس لدى الأبناء.
وكانت السلطات الصينية قد بذلت جهوداً حثيثة منذ مطلع العام الجاري للحدّ من هذه الظاهرة، وأطلقت قبل أيام حملة لتحسين خدمات الرعاية الصحية داخل المدارس. كما حثت وسائل الإعلام المحلية على تجنب بث الأخبار السلبية، وكذلك توخي الحذر في تناول موضوع الانتحار على اعتبار أن التغطية الإعلامية غير الملائمة قد تشجع المراهقين على القيام بالمثل.

ثقافة جيل
وحول أسباب وتداعيات انتحار المراهقين على المجتمع الصيني، يقول أستاذ علم النفس في مركز "دا شينغ" للصحة النفسية، وو جيانغ، لـ "العربي الجديد": "هناك مجموعة من العوامل النفسية، وتأتي في مقدمتها الاضطرابات التي رافقت فترة الحجر الصحي خلال جائحة كورونا". يضيف أن بقاء ملايين التلاميذ والطلاب، وخصوصاً المراهقين منهم، داخل غرفهم ومنازلهم لأسابيع عدة في تجربة هي الأولى من نوعها بالنسبة إليهم، ولّد شعوراً بالعزلة والاكتئاب، واستمر هذا الشعور حتى بعد رفع إجراءات الحجر. ويعزو الأمر إلى عدم وجود برامج تأهيل للتعامل مع الأطفال وتهيئتهم نفسياً قبل الانخراط مجدداً في المجتمع.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبالإضافة إلى غياب برامج التأهيل، يتحدث عن نقص كبير في عدد الأطباء النفسيين على مستوى البلاد، مستنداً إلى أرقام صادرة عن رابطة الصحة الوطنية تظهر أن لكل مائة ألف شخص في الصين، يوجد 0.04 طبيب نفسي، مشدداً على ضرورة بذل المزيد من الجهود لتحسين دعم الصحة النفسية للمراهقين.
كما يتحدث وو جيانغ عن عوامل أخرى لها علاقة بالتحول الذي شهدته الصين خلال العقود الماضية، مشيراً إلى أن هجرة العمالة باتجاه المدن الصناعية خلفت ملايين الأطفال في القرى والأرياف من دون رعاية أسرية، وعززت شعورهم بالوحدة والكآبة، ما دفع العديد منهم إلى إيذاء أنفسهم وإنهاء حياتهم بأيديهم. ويرى أن عدم الاستجابة السريعة لمتطلبات هؤلاء قد ينعكس سلباً على المجتمع، فيصبح الانتحار ثقافة جيل وأداة للاحتجاج والتمرد على الواقع المرير.

المراهقون يلقحون في الصين (ليو ليخين/ فرانس برس)
المراهقون يلقحون في الصين (ليو ليخين/ فرانس برس)

مسؤولية الدولة
ويحمّل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، مسؤولية اتساع ظاهرة الانتحار للحكومة، بسبب سياساتها الساعية إلى تعزيز مكانة الدولة اقتصادياً على حساب الصحة النفسية لجيل كامل. ويقول البعض على موقع "ويبو" (المعادل الصيني لموقع تويتر)، إنه "على مدار عقود عدة، لم نكن سوى روبوتات مبرمجة للإنتاح، حتى أننا نسينا كيف نتعامل كبشر، وكيف تكون لدينا أسرة وأطفال نجتمع على مائدة واحدة". ويكتب آخر: "بعد انتحار لين (الطفل الذي ألقى بنفسه من نافذة الفصل)، بتّ أخشى على طفلي أكثر من ذي قبل، خصوصاً أن لديه جميع مسببات الانتحار، فأنا لست سوى والد سيئ، تركته وحيداً، لأن الدولة لم توفر لي فرصة العمل بالقرب منه".

إلى ذلك، يرى مراقبون أن إجراءات الدولة الأخيرة لتحسين الصحة النفسية لدى المراهقين جاءت متأخرة كثيراً، فضلاً عن أنها ليست ناجعة للحد من هذه الظاهرة التي هي نتاج تراكم سياسات اقتصادية مجحفة لم تأخذ في الاعتبار القيم الاجتماعية والأخلاقية. ويرى هؤلاء أنّ حرمان العمالة من التمتع بمزايا التأمين الصحي في المدن الصناعية الكبرى، وتكاليف التعليم الباهظة بالنسبة للأبناء، دفع هؤلاء إلى ترك أطفالهم في القرى حيث تعد الخدمات الطبية والتعليم دون المستوى، ما ولّد شعوراً بعدم المساواة في دولة ترفع راية الاشتراكية، وأدى إلى تدهور الحالة النفسية لدى جيل كامل وجد نفسه وحيداً أمام مجتمع لا يشعر به ولا ينصت إليه.
في المقابل، يقول لو يانغ، وهو باحث في جامعة تيانجين الوطنية، إن عدم المساواة في ما يتعلق بموارد التعليم والخدمات الطبية، لا يقلل من الجهود التي تبذلها الحكومة لدعم برامج الصحة النفسية. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن الصين تتبع سياسة رفيعة المستوى في هذا المجال، وقد تكون في موقع الريادة على مستوى العالم لناحية حجم الخطط والبرامج. لكن ذلك ليس كافياً ما لم تتضافر الجهود سواء على مستوى الأسر أو المدارس، معتبراً أن بناء علاقة أكثر انفتاحاً وشفافية بين الآباء والأبناء وبين الطلاب والمدرسين، من شأنه أن يدعم هذا التوجه ويحد من ظاهرة الانتحار بين المراهقين، وإن كانت الطريق لا تزال طويلة وشاقة، على حد قوله.

المساهمون