انتحار الأطفال في تونس

انتحار الأطفال في تونس

09 نوفمبر 2021
أطفال تونس في قلب المشاكل والانتحار (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

لم ترغب رفيقة (45 عاماً) المتحدرة من القيروان شمال تونس، في البداية، الحديث عن تفاصيل محاولة ابنها البالغ 12 عاما من العمر الانتحار العام الماضي. ساورها الخجل من الأمر، وفكرت بأن تناوله إعلامياً قد يُحرج ابنها في المستقبل، ثم قالت لاحقاً لـ"العربي الجديد": "لا ذنب لي أو لعائلتي أو حتى لابني. ربما حصل ذلك لأسباب مرتبطة بردود فعل على احتياجات مادية أو بتأثير ضغوط نفسية، لكن ابني لم يعانِ من مشاكل في العائلة أو داخل المدرسة، أو اضطرابات نفسية، لذا لا مبرر حقيقيا لمحاولته شنق نفسه في غرفته، والذي استطعنا تفاديه في اللحظة الأخيرة".
صدمت الحادثة العائلة، لكن الطفل لم يُعرض على اختصاصي نفسي، واكتفى مندوبو لجنة حماية الطفولة والمرشدة الاجتماعية في المنطقة بمتابعة حالته لأيام قليلة. وتشرح والدته: "منعتنا التكاليف المادية من فعل ذلك، كما أننا لا نملك قدرة نقله أسبوعياً لحضور جلسات الطبيب، إذ نعيش في منطقة ريفية بعيدة عن وسط محافظة القيروان". 
ويعتبر ابن رفيقة بين عشرات حالات الانتحار الغامضة التي تشهدها تونس لدى الأطفال دون سن الـ15، وأكثرها في محافظة القيروان التي تحتل منذ سنوات المرتبة الأولى في عدد الحالات لدى الأطفال، وبعضهم لا يقصدون المدرسة فيما آخرون لم يدخلوها بعد. 

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، كشف تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية، أن حالات الانتحار ومحاولاته زادت إلى 19 في مايو/ أيار الماضي، في مقابل 14 حالة في إبريل/ نيسان. وأوضح أن الحالات والمحاولات توزعت بين 14 لدى الذكور و5 لدى الإناث، وشملت شريحتين أساسيتين ضمت أولاهما إناثا تراوحت أعمارهن بين 16 و25 عاماً، والثانية ذكورا من كل الفئات العمرية من 10 سنوات وحتى الستين. كما تحدث التقرير عن ارتفاع نسبة محاولات الانتحار لدى الأطفال". 
في عام 2017، أحصى المنتدى ذاته 4859 عملية أو محاولة انتحار خلال ثلاث سنوات في أنحاء البلاد، وكشف أن عدد الأطفال هو الأكبر في هذه القائمة. أما إحصاء عام 2018 فرصد 281 حالة ومحاولة انتحار نفذ الذكور غالبيتها، وبينها 45 حالة لأطفال دون الـ15 من العمر. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام التالي، أعلن المنتدى انتحار 24 طفلاً تقل أعمارهم عن 15 عاماً، فيما رصد 235 حالة ومحاولة انتحار عام 2020، أكثرها في مايو/ أيار في ظل أزمة كورونا والحجر الصحي الذي أثّر على أعمال ونشاط أشخاص كُثر من جميع الفئات العمرية. 

الصورة
الأهل عاجزون عن تفسير محاولات انتحار أولادهم (جديدي وسيم/ Getty)
الأهل عاجزون عن تفسير محاولات انتحار أولادهم (جديدي وسيم/ Getty)

أما التقرير السنوي لمندوبية حماية الطفولة لعام 2019، فأشار إلى أن نسبة محاولات الانتحار لدى الأطفال بلغت ذروتها في تونس بحوالي 183. 
ويمكن تفسير الأرقام المختلفة التي توردها التقارير بعدد البلاغات والإشعارات التي تتلقاها كل منها، علماً أن عائلات كثيرة تتكتم على محاولة أحد أفرادها الانتحار، ولا تبلغ الجهات الرسمية أو أي منظمة حقوقية بحصولها خشية التعرض لفضيحة. 
يقول عبد الفتاح (41 عاماً)، وهو والد طفل حاول الانتحار عام 2019 عن طريق شرب أدوية جعله يفقد الوعي قبل إسعافه، ومنع تدهور حالته الصحية، لـ"العربي الجديد": "أقدم ابني على الانتحار بسبب تراجع علاماته في المدرسة، ومواجهة العائلة بعض المشاكل. ولم نبلغ أي جهة رسمية أو منظمة ما حصل، ولم نتحدث عن الأمر في الوسط الذي نعيش فيه خشية التعرض لفضيحة أو مواجهة أي نوع من المشاكل. وأنا لم أعتبر أن عرض ابني على طبيب نفسي حاجة ملحة لفهم الأسباب". 
وبحسب الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام والتقارير السنوية للمنظمات، شكل الأطفال النسبة الأكبر من عدد المنتحرين أو منفذي عمليات الانتحار في السنوات الأخيرة، وأكثرهم من الذكور في محافظتي القيروان وسيدي بوزيد اللتين تعتبران من الأكثر تهميشاً في تونس.  

ويخبر مكلف شؤون الإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر "العربي الجديد" أن "الأرقام التي يصدرها المنتدى أو منظمات أخرى سنوياً لا تعكس العدد الفعلي لحالات أو محاولات الانتحار، في ظل تعمّد عائلات كثيرة عدم الإفصاح عن إقدام أحد أفرادها على الانتحار، خصوصاً في صفوف الأطفال. وبالطبع يجري إسعاف حالات من دون الاضطرار إلى نقلها إلى المستشفيات التي تبلّغ عادة عن محاولات الانتحار وتحدد وضعها الصحي". 
يضيف: "يحتل الشنق المرتبة الأولى في وسائل تنفيذ محاولات الانتحار بنسبة 56 في المائة، ويليه السقوط من أماكن عالية بنسبة 12 في المائة، والصعق بالكهرباء بنسبة 12 في المائة، والحرق بنسبة 8 في المائة. ومن أسباب انتحار الأطفال الوضع المعيشي الصعب، خصوصاً في المناطق المهمشة والفقيرة، والعنف الأسري. واللافت في السنوات الأخيرة ارتفاع نسبة الانتحار لدى الأطفال في المناطق الريفية الأكثر فقراً وتهميشاً". 

المساهمون