اليمن: السجناء المعسرون منسيون خلف القضبان

اليمن: السجناء المعسرون منسيون خلف القضبان

24 ابريل 2022
خلال إطلاق سراح مجموعة من السجناء عام 2019 (محمد حمود/ الأناضول)
+ الخط -

يفتح شهر رمضان نافذة أمل أمام مئات السجناء المعسرين (الغارمين) في اليمن من جراء مبادرات رجال أعمال وفاعلي خير لسداد ديونهم التي أدت إلى سجنهم بسبب عدم قدرتهم على تأمين المال. لكن لم يتحقق الأمر هذا العام بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية نتيجة استمرار الحرب. وشهدت الأيام الأولى من شهر رمضان تحركات مكثفة للسلطات القضائية في المدن للإفراج عن السجناء المعسرين بدرجة أساسية، بعد سداد ما عليهم من ديون، سواء من قبل الدولة أو من خلال مبادرات خاصة من التجار.

وخاب أمل مئات المعسرين هذا العام من جراء انحسار هذا النوع من المبادرات التي كانت تنجح في إعادة الابتسامة إلى عائلات هؤلاء القابعين خلف القضبان. وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة وتوقف مصادر الدخل ورواتب موظفي الدولة، كانت السجون هي مصير أولئك العاجزين عن دفع الاستحقاقات اللازمة عليهم، كما تقول مصادر قضائية لـ "العربي الجديد"، وقد سجن البعض بسبب عدم قدرتهم على دفع بدلات إيجار بيوتهم. وتؤكد المصادر أن هناك عزوفاً غير مسبوق لرجال الأعمال عن إطلاق المبادرات الرمضانية لسداد ديون المعسرين، وإن كانت المبالغ المتوجب عليهم سدادها ضئيلة.
ويقول مصدر أمني في مدينة تعز لـ"العربي الجديد" إن أحد الغارمين بقي في السجن مدة أربع سنوات بسبب عجزه عن دفع 600 ألف ريال (نحو 600 دولار)، من دون أن يلتفت إليه أحد إلى أن تكلفت فاعلة خير بسداد ديونه.

سجون مكتظة
في التاسع من إبريل/ نيسان من كل عام، تحتفل السلطات اليمنية بـ "يوم السجين اليمني" تحت شعار أن رعاية السجناء واجب ديني وإنساني. واللافت أن الأجهزة القضائية تلجأ في مناسبات كهذه إلى إطلاق سراح المسجونين على ذمة قضايا جنائية، سواء ممن قضوا ثلاثة أرباع المدة أو من ثبت حسن سلوكهم. ويهدف الإفراج عن هؤلاء في المقام الأول إلى تخفيف الضغط الهائل في السجون. ويقول وكيل مصلحة التأهيل والإصلاح في وزارة الداخلية بصنعاء عبد الباري الطالبي إن المصلحة تواجه إشكاليات عدة في ما يخص السجناء من جراء تراكم القضايا منذ عقود، وقد تجاوزت مدة سجن البعض 36 عاماً.

الصورة
خارج أحد سجون صنعاء (محمد حمود/ Getty)
خارج أحد سجون صنعاء (محمد حمود/ Getty)

وتقول النيابة العامة في صنعاء إن إجمالي المبالغ المحكوم بها على السجناء المعسرين في مختلف السجون بلغت ثمانية مليارات ريال يمني (نحو 13 مليون دولار). وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، يبدو هذا الرقم كبيراً بالنسبة للتجار الذين تضرروا خلال سنوات الحرب. ويقول أحد التجار في صنعاء لـ "العربي الجديد" إن هيئة الزكاة أرغمتهم على دفع إيرادات زكاة طائلة، أي أكثر بخمسة أضعاف مما كانوا يدفعون قبل الحرب، الأمر الذي جعلهم عاجزين عن تنفيذ مبادرات فردية. 
واستحدثت جماعة أنصار الله الحوثيين ما يسمّى بالهيئة العامة للزكاة والتي حققت إيرادات بمليارات الريال خلال سنوات معدودة، لكن تلك الأموال كانت تذهب في بعض الأحيان إلى مصارف غير مستحقة، وتحديداً جبهات القتال الخاصة بالجماعة وأسر المقاتلين وأطفال القتلى، وفقاً لتقارير رسمية. وتقول الهيئة إنها خصصت جزءاً من إيراداتها من أجل مساعدة المعسرين، من خلال إطلاق خمس مراحل في إطار مشروع الغارمين، والذي يستهدف العام الحالي سداد ديون 250 معسراً بكلفة تبلغ مليار ريال (نحو مليون و800 ألف دولار). وقالت في بيان سبق حلول شهر رمضان إنها "تمكنت من الإفراج عن غارمين بلغت مدة سجنهم ما بين 10 و25 عاماً ، كما ساعدت غارمين خارج السجن من خلال سداد ديونهم لمحاكم ومستشفيات وغيرها".

مصارف الزكاة
يصنف القانون اليمني السجناء المحبوسين على ذمة مبالغ مالية ضمن الفئة التي يجب على التجار والميسورين دفع زكاة أموالهم فيها باعتبارها من مصارف الزكاة. وبحسب خبراء، يوجد في السجون اليمنية نوعان من مصارف الزكاة، الأول فك الرقاب، وهم السجناء على ذمة قضايا القتل المطلوب منهم دفع الدية في مقابل إطلاق سراحهم، والثاني يتعلق بالغارمين. وفي كل عام، تعد النيابة العامة قوائم بالسجناء المعسرين المنتهية فترة عقوبة سجنهم، وبقي حبسهم على ذمة دفع الديات والديون لتسهيل مساعي الخير والإفراج عنهم.

ويشير المحامي اليمني عمر الحميري، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى تناقص مبادرات رجال الأعمال وفاعلي الخير للإفراج عن المعسرين نتيجة استمرار الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية. في المقابل، يقول إن السلطات القضائية تتجنب حبس الغارمين. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن "النيابة العامة والمحاكم تتجنب حبس الغارمين على ذمة مبالغ مالية ما لم ترتبط بجريمة يُعاقب عليها بالحبس فترة تزيد عن ثلاث سنوات وتكتفي بالضمانات وعدم الحبس في الجرائم غير الجسيمة". يضيف أن المحاكم المدنية والتجارية تراعي الظروف في إيجاد حل للديون الناتجة عن المعاملات وتكتفي بأخذ ضمانات وإرجاء تنفيذها حتى صدور الأحكام، أو دفعها بالتقسيط. وللقاضي صلاحية التقدير في كل قضية بحسب طبيعتها وظروف أطرافها. ويقول: "نصادف الكثير من الليونة في التعامل مع قضايا الإعسار وتسهيل إجراءاتها لتجنب الحبس، ما لم تكن الديون كبيرة ويصعب على المدين تقديم ضمانات كافية للوفاء بها، وما لم ترتبط بجرائم يعاقب عليها بالحبس".


 

المساهمون