استمع إلى الملخص
- التحديات القانونية والسياسية: تعرض سوري للاعتقال والاتهام بدعم حماس، رغم عدم وجود سجل جنائي ضده، مما أثار جدلاً حول استخدام إدارة ترامب لقوانين الهجرة لترحيل الأجانب.
- الدعم الأكاديمي والقانوني: دعمت جامعة جورج تاون سوري، وأصدرت محكمة أمريكية أمراً بوقف ترحيله، مما يعكس تعقيدات القضية القانونية.
عندما تقدّم بطلب تأشيرة إلى سفارة الولايات المتحدة لأبحاث ما بعد الدكتوراه، راجعت وزارة الخارجية والجهات الأمنية المسؤولة كالعادة ملفه، وحصل على تأشيرته المخصّصة لمواصلة بحث الدكتوراه في "بناء السلام في العراق وأفغانستان". لم يكن الأكاديمي الهندي بدر خان سوري يتخيّل أن التغيرات السياسية في الولايات المتحدة وفي منطقة الشرق الأوسط ستتسبب في أن يعتقله ملثمون يرتدون أقنعة سوداء ويحملون أسلحة ويحتجزونه من دون تهم محددة ومن دون وجود سجل جنائي، ليتهموه بدعم حركة حماس وتخطيطهم لترحيله.
تبدو رحلة خان، البحثية والحياتية، رحلة مثقف ينحاز إلى مبادئ الديمقراطية والحريات والسلام، يبدو ذلك بوضوح في مسيرته المهنية التي أمضى أهم سنواتها في الدراسة العلمية عن السلام، وحصل على الدكتوراه في دراسات السلام والصراع من مركز نيلسون مانديلا للسلام وحل النزاعات في الجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي عام 2020. قدم بعدها تأشيرة أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة جورج تاون، وحالياً يدرس لطلابه مادة "الأغلبية وحقوق الأقليات في جنوب آسيا" في مركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي (ACMCU) التابع لكلية جورج تاون للخدمة الخارجية.
وقد كتبت جامعة جورج تاون في صفحة الباحث على موقعها الإلكتروني تفاصيل أكثر عن سوري، أنه في أطروحته للدكتوراه، كتب عن "الديمقراطية الانتقالية والمجتمعات المنقسمة وآفاق السلام: دراسة بناء الدولة في أفغانستان والعراق"، و"سلط الضوء على التعقيدات الناتجة عن إدخال الديمقراطية في المجتمعات المتنوعة عرقياً، والتحديات التي تواجه مشروع بناء الدولة".
وصفته الجامعة بأنه باحث متعدد التخصصات وأن مجال اهتمامه الدين ومواجهة العنف والسلام والصراعات العرقية وعمليات السلام في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ولفتت إلى أنه يعمل على مشروع بحثي عن الأسباب المحتملة التي تعيق التعاون بين المجموعات المتنوعة دينياً وإمكانية التعلق على هذه العوائق، وأنه كان قد سافر إلى مناطق الصراع في الهند وباكستان وإيران وتركيا والمناطق الكردية في تركيا وسورية وجنوب لبنان ومصر وفلسطين.
يبدو من هذه المسيرة الحياتية والبحثية كيف كرس الرجل حياته من أجل وقف العنف والصراع، وقد لفتت نظر مسؤولي السفارة الأميركية في نيودلهي عندما تقدم لها من أجل الحصول على تأشيرته البلاد التي سافر إليها، ورغم ذلك، منحته تأشيرة الدراسة في الولايات المتحدة. ولو كانت هناك أي أدلة على تورطه أو تورط أفراد عائلته لرُفض حصوله على التأشيرة.
في أثناء زيارته الإنسانية إلى غزة، التقي سوري مواطنة أميركية من أصول فلسطينية في غزّة مفاز صالح، قبل أن يقرر العودة لطلب يدها من والدها، وفي 2013، انتقلت للعيش معه في الهند ولم يعد إلى غزة، كما تقر زوجته في وثائق قُدّمت للمحكمة عقب احتجازه، وذكرت أنها ولدت في الولايات المتحدة وانتقلت إلى غزة في سن الخامسة، وعمل والدها الذي عاش في الولايات المتحدة عقدين مستشاراً سابقاً لرئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق إسماعيل هنية.
على مدار العام الماضي، بدأت مجموعات داعمة لإسرائيل في توثيق أسماء وأوضاع طلاب وباحثين يطالبون بوقف العدوان الإسرائيلي على غزّة، وقدمت هذه المجموعات، حسب ما أعلنت، قائمة تضم أكثر من مائة باحث وطالب، من بينهم على الأقل 20 يحملون تأشيرة، إلى إدارة الرئيس ترامب بعد فوزه لترحيلهم خارج البلاد، لم تنشر أسماء القائمة ولا نوع الأدلة التي جرى تضمينها، لكن الواضح أن حملةً تُشن من بعض المجموعات على أشخاص على مواقع السوشيال ميديا ثم يجرى القبض عليهم، وهو ما حدث مع باحث جامعة كولومبيا محمود خليل، وأخيراً مع بدر خان سوري.
شرحت زوجته مفاز صالح التي عملت سابقاً في شبكة الجزيرة، في عريضة الدعوى، نوع الاتهامات التي وجهت إليهما قبل أيام، وقالت إنها بدأت تشعر بعدم الأمان في الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، حيث اتهمتها مواقع إلكترونية زوراً بصلاتها بحركة حماس، وفقاً لإقرارها، كما ذكرت في ملفات المحكمة أنها تعرضت "للتشويه" من مجموعة إلكترونية "تنشر معلومات مضللة وتعمل على تشويه صورة المسلمين الأميركيين"، وأوضح محاميه حسن أحمد، في عريضته، أن الباحث يعاقب من إدارة ترامب بسبب الأصول الفلسطينية لزوجته الأميركية، وقال إن زوجته تعرّضت للتشهير مدة طويلة على مواقع يمينية متطرفة بسبب دعمهما الحقوق الفلسطينية.
وقال المحامي إنه يعتقد أن الاتهامات الموجهة لموكله تستند، على ما يبدو، إلى "هوية والد زوجته التي كانت تعمل سابقاً في قناة الجزيرة". وذكرت صحيفة بوليتكو أن مقالاً نشر عن الزوجين في 2018 في صحيفة هندية أفاد بأن والد مفاز، أحمد يوسف، كان "مستشاراً سياسياً كبيراً لقيادة حماس"، بينما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن والدها مستشار سابق لإسماعيل هنية، زعيم حماس الذي اغتالته إسرائيل في أغسطس/ آب الماضي في طهران. وطبقاً للصحيفة، أكد يوسف في رسالة صوتية أن سوري هو صهره، وأنه "لم يشارك في أي نشاط سياسي، بما في ذلك أي أنشطة باسم حماس"، وترك منصبه في الحكومة التي تديرها حماس في غزة منذ أكثر من عشر سنوات، ولا يشغل حالياً أي منصب، وأنه "انتقد علناً قرار حماس مهاجمة إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".
تخطط إدارة ترامب لترحيل الباحث الهندي، واتهمته المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي تريشيا ماكلولي بأنه "كان ينشر دعاية لحماس ويروّج معاداة السامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنه كان على صلة وثيقة بإرهابي معروف أو مشتبه به، وهو مستشار كبير لحماس، وتنطبق عليه شروط الترحيل"، غير أنها لم تقدم أي أدلة تدعم هذا الادعاء، وقالت إن الباحث جرى احتجازه وسيجرى ترحيله بموجب بند نادر الاستخدام من قانون الهجرة والجنسية الذي تستخدمه الإدارة لمحاولة ترحيل محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا حديثاً والمقيم الدائم القانوني الذي لعب دوراً بارزاً في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في كولومبيا.
وينص هذا البند النادر، الذي جرى استخدامه بضع مرات لا تعدّ على الأصابع في تاريخ الولايات المتحدة، على أن وزير الخارجية يمكنه ترحيل أي أجنبي حين وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن "وجوده وأنشطته في الولايات المتحدة قد تكون لها عواقب وخيمة محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة"، ورغم أن إدارة ترامب ترغب في استخدام هذا البند النادر مع محمود خليل وبدر خان سوري، فإن الفارق أن سوري في الولايات المتحدة حالياً بتأشيرة طالب (J_1)، بينما يحمل خليل حالياً بطاقة الإقامة الدائمة. وكان الرئيس ترامب قد أعلن أن "ترحيل محمود خليل سيكون مقدمة لترحيل آخرين"، بينما ردت جماعات الحقوق المدنية بأن مثل هذه الاعتقالات للمهاجرين الذين يتمتعون بوضع قانوني "تمثّل انتهاكاً واضحاً للتعديل الأول للدستور الأميركي".
ويرد محاميه على ادعاءات الحكومة بأن موكله بدر خان سوري يشكل ضرراً على السياسة الخارجية للحكومة الأميركية بقوله لشبكة "سي أن أن": إذا كانت الحكومة ترى أن باحثاً بارعاً مثل سوري يركز على حل النزاعات هو من يسيء للسياسة الخارجية، فربما المشكلة في الحكومة وليس في الباحث نفسه. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني أرسلها عميد جامعة جورج تاون جويل هولمان، عبر عن تقديره للباحث والتزام الجامعة بحرية الرأي والتعبير، وقال: "إن بدر خان سوري لم يشكل أي خطر على مجتمع الجامعة، وخلال وجوده في الحرم الجامعي، لم أعلم أنه شارك في أي نشاط غير قانوني ولم يشكل تهديداً لأمن حرمنا الجامعي، وركز على إكمال بحثه، ومثل الكثيرين في مجتمعنا، مارس بدر حقوقه المكفولة له دستورياً للتعبير عن آرائه بشأن الحرب في الشرق الأوسط"، مؤكداً التزام الجامعة بحرية الرأي والتعبير.
وأمرت محكمة أميركية، أول من أمس الخميس إدارة الرئيس ترامب بعدم ترحيل بدر خان سوري، ووفقاً لقرار من ثلاث فقرات صادر عن قاضية المحكمة الجزئية باتريشيا جايلز في فرجينيا، فإن الأمر سيظل ساري المفعول حتى ترفعه المحكمة. ويتوقع أن تذهب قضية محمود خليل وبدر سوري وآخرين إلى المحكمة العليا لتصدر قراراً نهائياً، غير أن المحامين يطالبون بالإفراج عنهما لأنهما لا يشكلان أي خطر على المجتمع ولم توجه إليهما أي تهم جنائية كما تقول الأوراق.